الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتحول إلى حيات تسعى، ثم يرى الجماد يسعى ويتحرك يمينًا وشمالا، وأمامًا ووراءً، فهذا التحول المفاجئ للحس يرهب، و (خِيفَةً)" فِعْلة " من الخوف، قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها وسكونها، أي صار في حال خوف وهيبة من المفاجأة، ولأنه خشي أن يؤثر ذلك في الجماهير الحاشدة، فتصدق هذا الإفك، ولقد كان الله معه، وعليما بحاله، فقال له مطمئنا:(لا تَخَفْ) ولذا قال تعالى:
(قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى
(68)
أي أذهب عنك الهواجس التي اعترتك من المفاجأة لأننا معك، والعاقبة لك (إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى) في هذه المبارزة، وأفعل التفضيل ليس على بابه؛ لأنهم لَا علو عندهم، وإنما المراد أنك أنت الغالب على فرعون وملئه، وأنت المسيطر في الجولة، ومعك سلاح الغلب والسلطان، وهو المعجزة التي، في يمينك، ولذا قال له عز من قائل ينبهه إلى معجزته الأولى التي بجست الحجر وفلقت البحر، وما كان غافلا، بل إن الدهشة التي أوجس منها خيفة جعلته يحتاج إلى أن ينبهه الله تعالى فقال:
(وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا
…
(69)
وقالوا: إنما أبهم ولم يذكر أنها العصا تعظيما لأمرها؛ ولأنها هي عود صغير من شجر تأخذ كل هذه الحبال والعصي ولا تُبقي شيئًا يتخيل، أو لَا يتخيل، وأرى أن قوله (مَا فِي يَمِينِكَ) تنبيه إلى أن في يده ما يدفع وهمهم، فكيف يوجس خيفة، وهو في يده، وقوله تعالى:(تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) بالجزم جوابا للأمر، أي ألقِ ما في يمينك - وهو العصا - وقوله تعالى:
(تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا)، أي تأخذه بسرعة وتبتلعه ولا يكون له أثر. (تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) الضمير يعود إلى العصا، ولذا صدَّر المضارع بالتاء، فكأنه إبهام ثم بيان فقال (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ) فلم يذكر أنه العصا، ثم بينها بعود الضمير على لفظ العصا بالتاء، وقد علل الله تعالى لقف العصي والحبال، فقال:
(. . . إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى).
" ما " هنا اسم موصول بمعنى " الذي " وهي اسم " إنَّ " وقوله تعالى (كَيْدُ سَاحِرٍ) خبر (إن) وأفرد ساحر مع أنهم كانوا كثرة كاثرة حتى ادُّعي في الأساطير