الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه إسرافا، وأن ينفقه في غير موضعه، ومنها الشح والبخل بأن يكون عبد الدينار والدرهم، فكل هذه مجاوزة للحد، وطغيان، وإن الذي يترتب على الطغيان في الرزق وعدم شكره غضب الله تعالى فقال:(فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)" الفاء " فاء السببية، أي بسبب الطغيان ينزل بكم غضبي، وهو أعظم ما يفقد الإنسان معاني العلو، فغضب الله يبعد الشخص من سماء الرفعة، ويهوي في مكان سحيق من المقت، والبعد عن الله تعالى، ولذا قال تعالى:(وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) أي فقد نزل إلى الهاوية السحيقة البعيدة الغور، ومن سقط في الهاوية فإنه يهلك لا محالة، ولذا قالوا: إن (هَوَى) معناها (هلك)، ولذلك فسر الزجاج (فَقَدْ هَوَى) بمعنى: فقد هلك.
وإن الله تعالى يقرن رحمته بعذابه، ومغفرته بعقابه، ولذا قال تعالى:
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى
(82)
(تَابَ) عما يرتكب من كبائر وهفوات، فالتوبة ضراعة إلى الله، ورجوع إليه، وهي ذاتها عبادة، وإن الله يقبل التوبة من عباده، والتوبة تجبّ ما قبلها من معاصٍ، كما أن الإيمان يجبُّ الكفر، و (آمَنَ) معناها ملأ الإيمان بجلال قلبه، بأن قرن توبته بإِذعان مطلق لله تعالى، وكان عمله كقلبه، ولذا قال:(وَعَمِلَ صَالِحًا) بأن قام بالعبادة مخلصا محتسبا، وعمل النافع للناس، وكان يحب الشيء لَا يحبه إلا لله.
(ثُمَّ اهْتَدَى) الاهتداء أن يعلو إلى درجة المهتدين الذين يخلصون عن الداني في عقولهم ونفوسهم، ويكونون ربانيين لَا يعرفون إلا ربهم، ويطرحون كل أمور الحياة وراء ظهورهم إلا أن يكون خيرا أمرهم به، وإن الوصول إلى هذه الدرجة وصول إلى مرتقى عالٍ، ولذا كان العطف بـ " ثم " التي تدل على البُعد، وهذا كقوِله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا).
* * *
عبدوا العجل!!
(وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)
* * *
إن هذا هو الدور الأخير من رسالة موسى عليه السلام وهو رعايته لبني إسرائيل، لقد قيل في الروايات: إن عددهم كان ستمائة ألف، ولكن تربيتهم على العقيدة السليمة عقيدة الوحدانية أخذت جهدا كبيرا، ثم إزالة ما عَلَق برءوسهم من