الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أناديك فيه (لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا)، كأنه أحس بأن الشرك هو الذي ربَّى في نفسه الغرور، وأن الغرور الذي دلاه إلى هذه الحال من الهلاك.
أهذا التمني في الدنيا أم في الآخرة؟ الأقرب إلى السياق أنه في الدنيا، وأنه سبيل التوبة، وقد يكون في الآخرة كما تدل الآية الآتية، وقوله:(وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) الضمير يعود إلى الجنة، وذلك من خوت الدار خواء إذا أقعرت وتهدم بناؤها وسقطت عروشها، فخاوية على عروشها معناها ساقطة الكروم على عروشها، أي أن كل ما فيها سقط بعضها على بعضها، فالأشجار جفت، والزرع صار حطاما، وصارت كلها خواء.
كان الغرور المفتون بجنته يعتز بماله، فيقول أنا أكثر منك مالا، وكان يعتز بنفره، ويقول أنا أكثر منك مالا وولدا، وهذا مآله قد آل إلى فناء وخراب، وذهب نفره فلم يكن له نصراء ينصرونه من دون اللَّه، ولذا قال سبحانه مبينا عزلته.
(وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا
(43)
الفئة الجماعة المناصرة، أو العصبة التي تناصره، اعتز بها، ولقد قال:(أَنَا أَكثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) فأبعد اللَّه عنه عزة النفر عند إبعاد المال، فلم يكن هناك فئة تنصره على كل حال، بل كانوا فئة تناصر ماله، ولا تناصر شخصه فلا نصير له من دون اللَّه، وقد تخلى اللَّه تعالى عنه لعصيانه فلم يكن له نصير من غيره، ولم يكن هو منتصرا بذاته، فليس قويا في ذاته ينتصر لنفسه، وليست قوة من خارجه وما كان ممتنعا بقوة شبه ذلك، وقال قتادة ما كان مستردا بدل ما فقد منه، والفئة مشتقة من الفيء، أي يفيء إليها لتنصره، فهي العشيرة ويظهر أن ذلك يوم القيامة، ولذا قال تعالى:
(هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا
(44)
الإشارة إلى البعيد في الآخرة، ولذا كانت الإشارة بالبعيد باللام والكاف معا، وكلاهما تنبيه للبعيد، أي السلطان الكامل، كما قال تعالى:(. . . لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، (هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا) والضمير (هُوَ)
يعود للَّه تعالى، أي خير ثوابا في الدنيا والآخرة لمن آمن واتقى، (وَخَيْرٌ عُقْبًا)، أي خير عاقبة في الآخرة وهو النعيم المقيم، هذا وإنا نقول إن هذا كله في الدنيا والآخرة.
ولكن يجب بحث خبر المثل أهو تصوير لحال المستقيم، وحال المنحرف المغرور، وعاقبة كل، وهو تقدير، أم له واقع تاريخي، وإنه كيفما كان مصور لحال المغرور الجاهل المشرك، وحال المستقيم ويقول الزمخشري: إن المثل يصور قصة واقعة فيقول: (وقيل هما مثل لأخوين من بني مخزوم، مؤمن وهو أبو سلمة عبد اللَّه بن عبد الأشد، وكان زوج أم سلمة قبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكافر وهو الأسود ابن عبد الأشد).
وسواء أكان المثل تقديرا صادقا وتصويرا للنفس الكافرة، أم كان قصة وقعت فهو مبين لنفس الكافر وهي يسودها الاغترار بالعطاء، ووراء الاغترار الضلال والاستكبار، والمفاخرة ونسيان الواجب لحق النعمة، والبطر والكبر وغمط الناس وأن المؤمن من صفاته الرضا والقناعة والاتجاه إلى اللَّه تعالى وشكر النعمة (. . . لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
* * *
مثل الدنيا والآخرة والبعث
قال اللَّه تعالى:
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى