الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى أن متعة الدنيا بريق لَا يكون بعده قوة حقيقية، فهي متع كالسراج المزهر سرعان ما ينطفئ، وما أنت عليه يا محمد لَا ينطفئ نوره أبدا.
وإن غاية هذه الزهرات إلى انطفاء، وهي اختبار لهم، ولذلك قال تعالى:(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ)، أي لنعاملهم معاملة المختبرين فيزدادوا طغيانا على طغيانهم.
وتنكشف حقيقة أمرهم، ويعرف ما فيهم من غي وشر، والتعدية بقوله (فِيهِ) دون التعبير بالباء، وللإشارة إلى أنهم مغمورين في فتنة دائمة قد أحاطت بهم فهم يسارعون فيها من جنبة إلى جنبة وقد أحيط بهم.
(وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) والرزق هو ما يعطيه الله لعباده من أسباب النفقة وقد يطلق على المعاني؛ لأنها غذاء القلوب وقوت العقول، ويكون ذلك من باب المجاز، وقد رزق النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين أنواعا ثلاثة من الرزق أولها وأعلاها وأكملها الهداية، وثانيها: المال الطاهر النقي، والثالث: القوة في ذات أنفسهم كما بدت في الجهاد.
وهذا خير؛ لأنه أبقى في ذاته، وأبقى لأن له جزاء يوم القيامة، وهو النعيم المقيم قال تعالى:
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى
(132)
أمر الله تعالى نبيه بالصبر، وأمره بما يقوله، وهو أن يكون مستحضرا لله تعالى منزها له حامدا في الصلاة وغيرها، ونهاه عما يضعف الإرادة وهو النظر إلى زخارف الدنيا وزينتها، وما عليه أهلها، ثم بين سبحانه أن الصلاة الدائمة المستمرة هي عدة المؤمنين، وعدة الصابرين، وإنه يجب أن يكون المؤمن في جو الصلاة بأن يكون بيته مقيما للصلوات فقال تعالى:(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) قال بعض العلماء: أهل النبي هم أهل بيته أو ذوو قرابته، وذلك ظاهر بيّن، وأمرهم بجعل بيت النبي جوه كله مقيما للصلاة، والصلاة والصبر توأمان، كما قال تعالى فيما تلونا:(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)،
وقال آخرون: إن أهل النبي هم الذين اتبعوه، وقد كانوا في مكة والمدينة أسرته المختارة، حتى إنه صلى الله عليه وسلم يقول في سلمان الفارسي:" سلمان منَّا آل البيت "(1) والذي أراه من هذين الرأيين أن أهله صلى الله عليه وسلم هم أهله الأقربون الذين يعاشرونه، وأمره عليه السلام أمر لأمته، فالله سبحانه وتعالى يأمر كل مؤمن بأن يقيم دعائم بيته على أركان من التقوى والإيمان، والاتجاه إلى الله تعالى، وإنه لو تربى كل بيت على الإيمان والعبادة والاتجاه إلى الله تعالى، وأول أركان العبادة الصلاة ليتكوَّن مجتمع صالح من أسر صالحة.
قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) الأمر هو الطلب الحازم القاطع، وأمر الأهل حيث يمكن التنفيذ، يكون بالتنفيذ والقدوة فيعلم أولاده وأهله الصلاة ويصلي معهم ويرون فيه الأسوة الحسنة التي يتبعوها، وقد أمره بملازمتها بقوله عز وجل:(وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) الاصطبار " افتعال " من الصبر، وهو يدل على أنه يربي نفسه على قوة احتمالها، وريإضة النفس عليها بأدائها كاملة بخشوع وحضور، واستحضار لجلال الله تعالى علام الغيوب، وأنه يراه في عمله، وإن لم يكن هو يراه.
وإن هذه التربية على العبادة التي أجل مظهر لها إقامة الصلاة فإن الصلاة عمود الدين، ولا دين من غير صلاة، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم (2)، ليست هذه التربية لعائدة تعود على الله تعالى، فإن الله غني حميد، وإنما لتكوين أسرة صالحة، وِمجتمع صالح وجيل صالح، ولذا يقول العزيز الحكيم:(لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْن نرْزُقُكَ) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وخطابه عليه الصلاة والسلام خطاب لأمته كلها، وهذه الجملة تدل على أن غاية العبادة إصلاح العابدين، ولا يعود على الله منها شيء فهو ليس بمحتاج، والناس يحتاجون إليه، وقد أكد سبحانه وتعالى هذا المعنى بقوله:
(1) عن عمرو بن عوف المزني: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَّ الْخَنْدَقَ مِنْ أَحْمَرَ الْبَسْخَتَيْنِ طَرَفِ بَنِي حَارِثَةَ عَامَ حِزْبِ الْأَحْزَابِ، حَتَّى بَلَغَ الْمَذَابِحَ، فَقَطَعَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، فَاحْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رحمه الله، وَكَانَ رَجُلًا قَوِيًّا، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: سَلْمَانُ مِنَّا، وَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ ".
رواه الطبراني، وفيه: كثيرَ بن عبد اللَّه المزني، وقد ضعفه الجمهور، وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد: 6/ 189.
(2)
سبق تخريجه.