الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه، فلم يجداه، ولم يكن الحوت ميتا، بل كان حيا؛ ولذا لما نسياه اتخذ طريقه فى البحر سربا، أي أنه أخذ يتقلب حتى وصل إلى البحر (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)، والسرب المسلك، وهو من سرب بمعنى سلك، ويظهر أنه لم يقف عند مجمع البحرين، بل اجتازه.
ولذا قال تعالى:
(فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا
(62)
كأنهما استمرا في سيرهما حتى جاوزا مجمع البحرين سارا برا؛ حتى وصلا إليه، ثم اجتازاه بعبوره في قارب حتى وصلا إلى البر الثاني دارسا متعرفا مرتادا.
عندئذ أحس بالنصَب، والنصب جعلهما يحسان بالجوع، والنصب هو التعب من الجهد المبذول، وأضاف اللقاء إليهما ولم يقل نزل بهما التعب؛ لأنه نصب مختار لهما ولطلبهما.
والفتى هنا هو الخادم أو التابع، والتعبير القرآني عن التابع أو الخادم بفتى، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تقل عبدي وأمَتي، بل قل فتاي وفتاتي ".
قال ذلك موسى لفتاه، ويظهر أنه قد علم غياب الحوت قبل أن يعلم موسى، ولذا هو الذي أخبر بغيابه، ولعله باشر حاله وهو يتخذ سبيله في البحر سربا، ولذلك كان يعلم من بعد مكان غيابه، وهو مكان بجوار صخرة، فقال:
(قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا
(63)
تبين أنه كان يعلم غيابه وتركه، إذ أوى موسى إلى صخرة، رقد عندها من التعب كما أرهق التعب الفتى أيضا، فترك الحوت (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)، أي أنه تركه فالنسيان هنا بمعنى الترك والذهول، وما كان يحسب أنه سيتخذ طريقه إلى البحر بطريق (عَجَبًا)، فعجبا مفعول مطلق وصف لمصدر، فاتخذ طريقه إلى البحر اتخاذا عجبا، وما كان يحسب أنه سيفعل ذلك، إذ كان في مكتل فخرج منه وأخذ طريقه إلى البحر.