المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة ثلاث عشرة وخمسمائة - شذرات الذهب في أخبار من ذهب - جـ ٦

[ابن العماد الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السادس]

- ‌كلمة حول منتخب شذرات الذهب لابن شقدة

- ‌سنة إحدى وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وخمسمائة

- ‌سنة أربع وخمسمائة

- ‌سنة خمس وخمسمائة

- ‌سنة ست وخمسمائة

- ‌سنة سبع وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وخمسمائة

- ‌سنة تسع وخمسمائة

- ‌سنة عشر وخمسمائة

- ‌سنة إحدى عشرة وخمسمائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وخمسمائة

- ‌سنة أربع عشرة وخمسمائة

- ‌سنة خمس عشرة وخمسمائة

- ‌سنة ست عشرة وخمسمائة

- ‌سنة سبع عشرة وخمسمائة

- ‌سنة ثمان عشرة وخمسمائة

- ‌سنة تسع عشرة وخمسمائة

- ‌سنة عشرين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ست وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة ست وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة أربعين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة ست وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة خمسين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ست وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ستين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وستين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وستين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وستين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وستين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وستين وخمسمائة

- ‌سنة ست وستين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وستين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وستين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وستين وخمسمائة

- ‌سنة سبعين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ست وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمانين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة ست وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة تسعين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ست وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ستمائة

الفصل: ‌سنة ثلاث عشرة وخمسمائة

‌سنة ثلاث عشرة وخمسمائة

قال في «العبر» [1] : فيها ظهر قبر إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام، وإسحاق ويعقوب، ورآهم جماعة لم تبل أجسادهم وعندهم في تلك المغارة قناديل من ذهب وفضّة. قاله حمزة بن القلانسي في «تاريخه» .

انتهى.

وفيها توفي أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظّفري [2] ، شيخ الحنابلة، وصاحب التصانيف، ومؤلّف كتاب «الفنون» الذي يزيد على أربعمائة مجلد، وكان إماما مبرزا، كثير العلوم، خارق الذكاء، مكبّا على الاشتغال والتصنيف، عديم النظير. روى عن أبي محمد الجوهري، وتفقه على القاضي أبي يعلى وغيره، وأخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبّان.

قال السّلفي: ما رأيت مثله، وما كان أحد يقدر أن يتكلّم معه لغزارة علمه، وبلاغة كلامه، وقوة حجته، توفي في جمادى الأولى، وله ثلاث وثمانون سنة. قاله جميعه في «العبر» [3] .

[1](4/ 29) وانظر الخبر بروايته الكاملة في «تاريخ» ابن القلانسي ص (321) بتحقيق الدكتور سهيل زكّار، فهو مفيد.

[2]

انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 443- 451) .

[3]

(4/ 29- 30) .

ص: 58

وقال ابن رجب في «طبقاته» [1] : ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، في جمادى الآخرة، كذا نقله [عنه] ابن ناصر، والسّلفي، وحفظ القرآن، وقرأ بالقراءات والروايات على أبي الفتح بن شيطا، [وكان يقول: شيخيّ في القراءة: ابن شيطا] ، وفي الزهد: أبو بكر الدّينوري، وأبو بكر بن زيدان، وأبو الحسين القزويني، وذكر جماعة غيرهم من الرجال والنساء.

وفي آداب [2] التصوف: أبو منصور صاحب الزيادة العطار، وأثنى عليه. وفي الحديث: ابن النّوري، وأبو بكر بن بشران، والعشاري، والجوهري، وغيرهم. وفي الشعر والترسل: ابن شبل، وابن الفضل.

وفي الفرائض [3] : أبو الفضل الهمذاني، وفي الوعظ: أبو طاهر بن العلّاف صاحب ابن سمعون، وفي الأصول: أبو الوليد وأبو القاسم بن التبّان. وفي الفقه: القاضي أبو يعلى المملوء عقلا وزهدا وورعا، قرأت عليه سنة سبع وأربعين ولم أخل بمجالسه وخلواته التي تتسع لحضوري والمشي معه ماشيا، وفي ركابه إلى أن توفي. وحظيت من قربه بما لم يحظ به أحد من أصحابه مع حداثة سني. والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، إمام الدّنيا وزاهدها، وفارس المناظرة وواحدها. كان يعلمني المناظرة، وانتفعت بمصنفاته.

ومن مشايخي أبو محمد التميمي، كان حسنة العالم، وماشطة بغداد.

ومنهم: أبو بكر الخطيب، كان حافظ وقته. وكان [4] أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء. وكان ذلك يحرمني علما نافعا.

[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 142- 162) وما بين حاصرتين في النص مستدرك منه.

[2]

في «ط» : «في أدب» .

[3]

قوله: «وفي الفرائض» سقط من «آ» وأثبته من «ط» .

[4]

في «ط» : «كان» .

ص: 59

ثم قال: وعانيت من الفقر والنسخ بالأجرة مع عفة وتقى، ولا أزاحم فقيها في حلقة ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة، وتقلبت عليّ الدول، فما أخذتني دولة سلطان ولا عامة عما اعتقد أنه الحق، فأوذيت من أصحابي، حتّى طلب الدم، وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس- فيا من خفت الكلّ لأجله لا تخيب ظني فيك- وعصمني الله تعالى في عنفوان [1] شبابي بأنواع [من] العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطت لعّابا قطّ، ولا عاشرت إلا [2] أمثالي من طلبة العلم.

والأذية التي ذكرها من أصحابه له، وطلبهم منه هجران جماعة من العلماء، نذكر بعض شرحها، وذلك:

أن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد، وابن التبّان [3] شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السرّ علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السّنّة، وتأول لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات، رحمه الله.

ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة، والترحّم على الحلّاج، وغير ذلك. ووقف على ذلك الشريف أبو جعفر وغيره، فاشتد ذلك عليهم، وطلبوا أذاه، فاختفى. ثم التجأ إلى دار السلطان، ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين، فحضر في أولها إلى الديوان، ومعه جماعة من الأصحاب، واصطلحوا، ولم يحضر الشريف أبو جعفر.

فمضى ابن عقيل إلى بيته وصالحه وكتب خطّه بالتبري من موالاة

[1] في «آ» : «عنوان» وهو خطأ.

[2]

في «ط» : «من» .

[3]

في «ط» : «وابن التباني» .

ص: 60

أهل البدع، والترحم على أمواتهم، وعلى الحلّاج وأمثاله، وأشهد عليه جماعة كثيرة من الشهود والعلماء.

قال ابن الجوزي وأفتى ابن عقيل، ودرّس وناظر الفحول، واستفتي في الديوان في زمن القائم في زمرة من الكبار. وجمع علم الفروع والأصول، وصنّف فيها الكتب الكبار، وكان دائم التشاغل بالعلم، حتّى إني رأيت بخطه:

إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتّى إذا تعطّل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي، وأنا منطرح [1] فلا أنهض إلّا وقد خطر لي ما أسطره.

وقال ابن الجوزي أيضا: وكان ابن عقيل قويّ الدّين، حافظا للحدود.

وكان كريما ينفق ما يجد، فلم يخلّف سوى كتبه وثياب بدنه، وكانت بمقدار كفنه، وأداء دينه. انتهى.

وكان- رحمه الله تعالى- بارعا في الفقه وأصوله. له في ذلك استنباطات عظيمة حسنة، وتحريرات كثيرة مستحسنة.

وله تصانيف كثيرة في أنواع العلم، وأكبر تصانيفه كتاب «الفنون» وهو كبير جدا، فيه فوائد كثيرة جليلة، في الوعظ، والتفسير، والفقه، والأصول [2] والنحو، واللغة، والشعر، والتاريخ، والحكايات. وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له، وخواطره، ونتائج فكره قيّدها فيه.

قال ابن الجوزي: وهذا الكتاب مائتا مجلد.

وقال عبد الرزاق الرسعني في «تفسيره» : قال لي أبو البقاء اللّغوي:

سمعت الشيخ أبا حكيم النّهرواني يقول: وقفت على السّفر الرابع بعد الثلاثمائة من كتاب «الفنون» .

[1] كذا في «آ» و «ط» : «منطرح» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «مستطرح» .

[2]

كذا في «آ» : «والأصول» وفي «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «والأصلين» .

ص: 61

وقال الحافظ الذهبي في «تاريخه» : لم يصنّف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب. حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربعمائة.

وقال بعضهم: هو ثمانمائة مجلد [1] .

وله في الفقه كتاب «الفصول» ويسمى «كفاية المفتي» في عشر مجلدات، وله كتب كثيرة غير ذلك.

قال السّلفي: ما رأت عيناي مثل الشيخ أبي الوفاء بن عقيل، ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه، وحسن إيراده، وبلاغة كلامه، وقوة حججه، ولقد تكلم يوما مع شيخنا أبي الحسن إلكيا الهرّاسي في مسألة، فقال له شيخنا: ليس هذا بمذهبك. فقال: أنا لي اجتهاد، متى طالبني خصمي بحجة، كان عندي ما أدفع به عن نفسي، وأقول له بحجتي. انتهى.

وكان ابن عقيل كثير التعظيم للإمام أحمد وأصحابه، والردّ على مخالفيهم.

وله مسائل كثيرة ينفرد بها.

منها: أن الرّبا لا يجري إلّا في الأعيان الستة المنصوص عليها.

ومنها: أن المشروع في عطية الأولاد التسوية بين الذكور والإناث.

ومنها أنه يجوز استئجار الشجر المثمر تبعا للأرض، لمشقة التفريق بينهما.

ومنها: أن الزروع [2] والثمار التي تسقى بماء نجس طاهرة مباحة، وإن لم تسق بعده بماء طاهر.

ومنها: أنه لا يجوز وطء المكاتبة، وإن اشترط وطأها في عقد الكتابة.

[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «مجلدة» .

[2]

في «ط» : «الزرع» .

ص: 62

ومنها: أنه لا زكاة في حليّ المواشط المعد للكراء.

إلى غير ذلك.

وتوفي أبو الوفاء- رحمه الله تعالى- بكرة الجمعة، ثاني عشر جمادى الأولى، وصلّي عليه في جامعي القصر والمنصور. وكان الجمع يفوت الإحصاء.

قال ابن ناصر: حزرتهم بثلاثمائة ألف. ودفن في دكة قبر الإمام أحمد رضي الله عنه. وقبره ظاهر، رضي الله عنه.

وقال ابن الجوزي: حدثني بعض الأشياخ: أنه لما احتضر ابن عقيل، بكى النساء، فقال: قد وقّعت عنه [1] خمسين سنة، فدعوني أتهنأ بلقائه.

انتهى ما أورد ابن رجب ملخصا كثيرا.

ثم قال [2] : وكان لابن عقيل ولدان ماتا في حياته، أحدهما:

أبو الحسن عقيل. كان في غاية الحسن، وكان شابا فهما، ذا خطّ حسن.

قال ابن القطيعي: حكى والده أنه ولد ليلة حادي عشري [3] رمضان، سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.

وحكى غيره أنه سمع من هبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري، وعلي بن حسين بن أيوب، وغيرهما. وتفقه على أبيه، وناظر في الأصول والفروع.

وسمع الحديث الكثير، وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن ابن

[1] يعني عن الله تعالى.

[2]

القائل ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 163- 165) .

[3]

في «ذيل طبقات الحنابلة» : «حادي عشر» .

ص: 63

الدامغاني، فقبل قوله. وكان فقيها فاضلا، يقول الشعر، وكان يشهد مجلس الحكم، ويحضر الموكب.

وتوفي- رحمه الله يوم الثلاثاء، منتصف محرم، سنة عشر، وقيل سنة ثلاث عشرة، قبل والده بشهر واحد، وكان له من العمر سبع وعشرون سنة، ودفن في داره [بالظفرية] ، فلما مات أبوه نقل معه إلى دكة الإمام أحمد.

قال والده: مات ولدي عقيل، وكان قد تفقّه وناظر، وجمع أدبا حسنا فتعزّيت بقصة عمرو بن عبد ودّ الذي قتله علي رضي الله عنه، فقالت أمّه ترثيه:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

ما زلت أبكي عليه دائم الأبد

لكنّ قاتله من لا يقاد به

من كان يدعى أبوه بيضة البلد

فأسلاها وعزاها جلالة القاتل، وفخرها بأن ابنها مقتوله. فنظرت إلى قاتل ولدي الحكيم المالك، فهان عليّ القتل والمقتول لجلالة القاتل، وأكب عليه وقبّله، وهو في أكفانه. وقال: يا بني استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه. الرّبّ خير لك مني، ثم مضى وصلى عليه.

ومن شعر عقيل هذا:

شاقه والشوق من غيره

طلل عاف سوى أثره

مقفر إلّا معالمه

واكف بالودق من مطره

فانثنى والدمع منهمل

كانسلال السلك عن درره

طاويا كشحا على نوب

سبحات لسن من وطره

رحلة الأحباب عن وطن

وحلول الشّيب في شعره

شيم للدّهر سالفة

مستبينات لمختبره

وقبول الدّر مبسمها

أبلج يفترّ عن خصره

ص: 64

هزّ عطفيها الشباب كما

ماس غصن البان في شجره

ذات فرع فوق ملتمع

كدجى أبدى سنا قمره

خصرها يشكو روادفها

كاشتكاء الصبّ من سهره

نصبت قلبي لها غرضا

فهو مصمى بمعتوره

والآخر:

أبو منصور هبة الله. ولد في ذي الحجة، سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وحفظ القرآن، وتفقه، وظهر منه أشياء تدل على عقل غزير ودين عظيم. ثم مرض وطال مرضه، وأنفق عليه أبوه مالا في المرض وبالغ.

قال أبو الوفاء: قال لي ابني لما تقارب أجله: يا سيدي قد أنفقت وبالغت في الأدوية، والطب والأدعية [1] ، ولله تعالى في اختيار، فدعني مع اختياره. قال: فو الله ما أنطق الله سبحانه وتعالى ولدي بهذه المقالة التي تشاكل قول إسحاق لإبراهيم [2] : افْعَلْ ما تُؤْمَرُ 37: 102 [الصافات: 103] إلّا وقد اختاره للحظوة.

[1] قوله: «والطب والأدعية» سقط من «آ» .

[2]

قلت: اختلف العلماء في الذّبيح على قولين. أحدهما أنه إسماعيل، والآخر أنه إسحاق، عليهما السلام، والأول هو الصحيح.

قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (4/ 14) : قال تعالى: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ 37: 101 وهذا الغلام هو إسماعيل عليه السلام، فإنه أول ولد بشّر به إبراهيم عليه السلام، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل في نص كتابهم أن إسماعيل عليه السلام ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة. وولد إسحاق وعمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسع وتسعون سنة. وعندهم أن الله تبارك وتعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وفي نسخة أخرى بكره، فأقحموا ها هنا كذبا وبهتانا إسحاق ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم، وإنما أقحموا إسحاق لأنه أبوهم وإسماعيل أبو العرب، فحسدوهم، فزادوا ذلك وحرّفوا وحيدك بمعنى الذي ليس عندك غيره، فإن إسماعيل كان [إبراهيم قد] ذهب به وبأمه إلى مكة، وهو تأويل وتحريف باطل، فإنه لا يقال وحيدك إلا لمن ليس له غيره، وأيضا فإن أول ولد ولد له بعزّه ما ليس لمن بعده من الأولاد، فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار.

ص: 65

توفي- رحمه الله تعالى- سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وله نحو أربع عشرة سنة.

وحمل أبو الوفاء- رحمه الله تعالى- في نفسه من شدة الألم أمرا عظيما، ولكنه تصبّر ولم يظهر جزعا، وكان يقول: لولا أن القلوب توقن باجتماع ثان لانفطرت المرائر لفراق المحبوبين. انتهى ملخصا أيضا.

وفيها قاضي القضاة، أبو الحسن الدّامغاني [1] ، علي بن قاضي القضاة أبي عبد الله الحنفي، ولي القضاء بضعا وعشرين سنة، وكان ذا حزم، ورأي، وسؤدد، وهيبة وافرة، وديانة ظاهرة. روى عن أبي محمد الصريفيني وجماعة، وتفقّه على والده، وتوفي في المحرم، عن أربع وستين سنة.

وفيها أبو سعد المخرّمي، المبارك بن علي بن الحسن بن بندار البغدادي [2] . الفقيه الحنبلي. روى عن القاضي أبي يعلى، وابن المهتدي، وابن المسلمة، والصّريفيني، وابن النّقور، وغيرهم. وسمع من القاضي أبي وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق، وحكي ذلك عن طائفة من السلف، حتى نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أيضا، وليس ذلك في كتاب ولا سنّة، وما أظن ذلك تلقي إلا عن أخبار أهل الكتاب، وأخذ ذلك مسلّما من غير حجة، وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى إسماعيل، فإنه ذكر البشارة بغلام حليم، وذكر أنه الذبيح، ثم قال بعد ذلك: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا من الصَّالِحِينَ 37: 112 ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا:

إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ 15: 53. انتهى كلام ابن كثير.

أقول: وقال الإمام ابن قيم الجوزية في «زاد المعاد» (1/ 71) طبع مؤسسة الرسالة:

وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول:

هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب، مع أنه باطل بنص كتابهم، فإن فيه: إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره، وفي لفظ: وحيده، ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده. (ع) .

[1] انظر «العبر» (4/ 30) .

[2]

انظر «العبر» (4/ 31) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 166- 171) .

ص: 66

يعلى شيئا من الفقه، ثم تفقه على صاحبه الشريف أبي جعفر، ثم القاضي يعقوب، ثم القاضي البرزبيني. وأفتى ودرّس، وجمع كتبا كثيرة لم يسبق إلى جمع مثلها. وكان حسن السيرة، جميل الطريقة، سديد الأقضية، وتوفي في [ثاني] عشر المحرم، ودفن إلى جانب أبي بكر الخلّال عند رجلي الإمام أحمد، رضي الله عنه.

وفيها أبو الفضل بن الموازيني، محمد بن الحسن بن الحسين السّلمي الدمشقي [1] العابد، أخو أبي الحسن. روى عن أبي عبد الله بن سلوان وجماعة.

وفيها أبو بكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن مبارز التّركي ثم البغدادي [2] ، الشافعي، المحدّث النحوي، أحد الفضلاء. روى عن أبي جعفر بن المسلمة وطبقته، وتفقّه على الشيخ أبي إسحاق، وكان ينسخ بالأجرة، وفيه زهد وورع تام.

وفيها خوروست، أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين الأصبهاني [3] المجلّد. روى عن أبي الحسين بن فاذشاه، وابن ريذة، وتوفي في جمادي الأولى.

وفيها محمد بن عبد الباقي، أبو عبد الله الدّوريّ [4] ، السّمسار الصالح. روى عن الجوهري، وأبي طالب العشاري، ومات في صفر، عن تسع وسبعين سنة.

[1] انظر «العبر» (4/ 30) .

[2]

انظر «العبر» (4/ 30) .

[3]

انظر «العبر» (4/ 30) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 419- 420) .

[4]

انظر «العبر» (4/ 31) .

ص: 67