الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وسبعين وخمسمائة
فيها نزل السلطان صلاح الدّين على حصن من بلاد الأرمن فافتتحه وهدمه، ثم رجع فوافاه التقليد وخلع السلطنة بحمص من النّاصر لدّين الله، فركب بها هناك، وكان يوما مشهودا.
وفيها أبو طاهر السّلفيّ الحافظ العلّامة الكبير، مسند الدّنيا، ومعمّر الحفّاظ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواءاني- وجرواءان [1] محلّة بأصبهان. وسلفة، بكسر المهملة لقب جدّه أحمد، ومعناه غليظ الشفة- سمع من أبي عبد الله الثقفي، وأحمد بن عبد الغفّار بن أشته، ومكّي السلّار، وخلق كثير بأصبهان، خرّج عنهم في «معجم» [2] وحدّث بأصبهان في سنة اثنتين وتسعين. قال: وكنت ابن سبع عشرة سنة، أكثر أو أقل، ورحل سنة ثلاث فأدرك أبا الخطاب بن البطر ببغداد، وتفقه بها بإلكيا الهرّاسي، وأبي بكر الشّاشي، وغيرهما، وعمل «معجما» لشيوخ بغداد،
[1] وكذا ضبطها السمعاني في «الأنساب» (3/ 236) وضبطها ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 130) : «جرواءان» بالضم ثم السكون، وواو، وألفين بينهما همزة وآخره نون.
[2]
واسمه الكامل «معجم السّفر» وقد نشره- أو نشر قسما منه فيما أعلم- المكتب الإسلامي ببيروت بتحقيق الدكتور حسن عبد الحميد رحمه الله تعالى.
ثم حجّ، وسمع بالحرمين، والكوفة، والبصرة، وهمذان، وزنجان [1] والرّيّ، والدّينور، وقزوين، وأذربيجان [2] ، والشام، ومصر، فأكثر وأطاب، وتفقّه فأتقن مذهب الشافعي، وبرع في الأدب وجوّد القرآن بالرّوايات، واستوطن الإسكندرية بضعا وستين سنة، مكبا على الاشتغال، والمطالعة، والنسخ، وتحصيل الكتب، وقد أفردت أخباره في «جزء» وجاوز المائة بلا ريب، وإنما النزاع في مقدار الزيادة، ومكث نيفا وثمانين سنة يسمع عليه.
قال الذّهبيّ [3] : ولا أعلم أحدا مثله في هذا.
وقال ابن عساكر [4] : سمع السّلفيّ ممن لا يحصى، ومات يوم الجمعة بكرة خامس ربيع الآخر، وتزوّج بالإسكندرية امرأة ذات يسار، [فسلّمت إليه مالها] وحصلت له ثروة بعد فقر، وصارت له بالإسكندرية وجاهة، وبنى له العادل علي بن إسحاق بن السّلّار أمير مصر مدرسة بالإسكندرية.
وقال ابن السمعاني: هو ثقة ورع متقن متثبت حافظ فهم، له حظّ من العربية.
وفيها شمس الدولة الملك المعظم توران شاه- ومعناه ملك المشرق- بن أيوب بن شاذي، وكان أسنّ من أخيه السلطان صلاح الدّين، وكان يحترمه ويتأدّب معه، سيّره فغزا النوبة، فسبى وغنم، ثم بعثه فافتتح اليمن، وكانت بيد الخوارج الباطنية، وأقام بها ثلاث سنين، ثم اشتاق إلى طيب الشام ونضارتها، فقدم وناب بدمشق لأخيه، وكان أرسله أخوه قبل فتحه اليمن إلى بلاد الرّوم ليفتحها، فوجدها لا تساوي التعب فرجع عنها بغنائم
[1] تحرفت في «آ» إلى «زنجار» .
[2]
تكرر ذكر «زنجان» هنا مرة أخرى فحذفته.
[3]
انظر «العبر» (4/ 228) .
[4]
انظر «تاريخ دمشق» (7/ 180) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف، وما بين حاصرتين زيادة منه.
كثيرة ورقيق كثير، وتحول من الشام إلى مصر في سنة أربع وسبعين ثم مات بالإسكندرية في صفر هذه السنة، فنقلته أخته ستّ الشام ودفنته في مدرستها المعروفة بها بمحلّة العونيّة، ودفنت هي معه وولدها، وكان توران من أجود النّاس وأسخاهم، غارقا في اللّذات، مات وعليه مائتا ألف دينار فوفاها عنه أخوه صلاح الدّين.
قال الفاضل مهذب الدّين أبو طالب محمد بن علي الخيمي، نزيل مصر: رأيته في النّوم فمدحته وهو في القبر، فلف كفنه ورماه إليّ وقال:
لا تستقلّنّ معروفا سمحت به
…
ميتا وأصبحت منه عاري البدن
[1]
ولا تظننّ جودي شابه بخل
…
من بعد بذلي ملك الشّام واليمن
إني خرجت من الدّنيا وليس معي
…
من كلّ ما ملكت كفّي سوى كفني
وفيها أبو الحسن علي بن محمد [2] بن المبارك بن أحمد بن بكروس الحنبلي البغدادي الفقيه، أخو أبي العبّاس أحمد.
ولد يوم الاثنين ثالث رجب، سنة أربع وخمسمائة، وسمع الحديث من ابن الحصين، وابن السمرقندي، وغيرهما.
وتفقّه في المذهب، وبرع، وأفتى، وناظر ودرّس بمدرسة أخيه آخرا، وصنّف في المذهب، وله كتاب «رؤوس المسائل» وكتاب «الأعلام» وحدّث وسمع منه جماعة، منهم: ابن القطيعي، وروى عنه في «تاريخه» ولزم بيته في آخر عمره لمرض حصل له إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث ذي الحجة، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
[1] في «وفيات الأعيان» (1/ 309) : «فأمسيت منه عاريا بدني» .
[2]
في «آ» و «ط» : «عبد الله بن محمد» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 348) .
وفيها أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر الدّمشقي.
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وعني بالحديث. أسمعه أبوه الكثير من النّسيب، وأبي طاهر الحنّائي [1] وطبقتهما، ولعب في شبابه، وباع أصول أبيه في شبابه بالهوان. توفي في رجب على طريقة حسنة.
وفيها أبو المفاخر المأموني، راوي «صحيح مسلم» بمصر سعيد بن الحسين بن سعيد العبّاسي. روى الحديث هو وابنه وحفيده ونافلته.
وفيها أبو الفهم بن أبي العجائز الأزدي الدمشقي، واسمه عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد، وهو راوي حديث سحنام عن أبي طاهر الحنّائي.
وفيها أبو الحسن بن العصّار النّحوي علي بن عبد الرحيم السّلمي الرّقّي ثم البغدادي. كان علّامة في اللغة، حجّة في العربية. أخذ عن ابن الجواليقي، وكتب الكثير بخطه الأنيق، وروى عن أبي الغنائم بن المهتدي بالله وغيره، وخلّف مالا طائلا، وإليه انتهى علم اللغة، توفي في المحرم عن ثمان وستين سنة.
وفيها السلطان غازي سيف الدّين، صاحب الموصل وابن صاحبها قطب الدّين مودود بن أتابك زنكي التّركي الأتابكي. توفي في صفر بعلّة السّلّ وله ثلاثون سنة، وكان شابا مليحا أبيض طويلا عاقلا وقورا قليل الظلم.
قال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان من أحسن الناس صورة، غيورا، ما يدع خادما بالغا يدخل على حريمه، طاهر اللّسان، عفيفا عن أموال
[1] تحرفت في «آ» إلى «الحساني» وفي «ط» إلى «الحسباني» والتصحيح من «العبر» (4/ 229) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 93) .
النّاس، قليل السّفك للدماء، استسقى الناس [1] وهو معهم، فاستعانوا [2] عليه، وقالوا: كيف يستجاب لنا وفينا الخمور والحواطين بيننا، فقال: قد أبطلتها، فرجعوا إلى البلد، وفيهم أبو الفرج الدّقّاق الرجل الصالح، فأراق الخمور، ونهب العامة دكاكين الخمّارين، فاستدعى الدّقّاق إلى القلعة، وقال: أنت جرّأت العامة عليّ وضربه على رأسه فانكشف، فنزل مكشوف الرأس، فقيل له غطّه، فقال: لا أغطيه حتّى ينتقم الله لي ممن ظلمني، فمات الدوادار الذي ضربه بعد قليل، ومرض سيف الدّين وتوفي. انتهى.
وفيها محمد بن محمد بن مواهب أبو العزّ بن الخراساني البغدادي الأديب، صاحب النوادر، والعروض، والديوان الشعر، الذي هو في مجلدات، كان صاحب ظرف [3] ، ومجون، وذكاء مفرط، وتفنن في الأدب.
روى عن أبي الحسن بن الطّيوري، وأبي سعد بن حشيش، وجماعة، وتغيّر ذهنه قبل موته بيسير، توفي في رمضان وله اثنتان وثمانون سنة. قاله في «العبر» [4] .
[1] لفظة «الناس» سقطت من «آ» .
[2]
في «ط» : «واستعانوا» .
[3]
كذا في «ط» و «العبر» : «ظرف» وفي «آ» : «طرف» .
[4]
(4/ 230) .