الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة
في ربيع الأول نازلت الفرنج دمشق في عشرة آلاف فارس وستين ألف راجل، فخرج المسلمون من دمشق للمصاف، فكانوا مائة وثلاثين ألف رجل وعسكر البلد. فاستشهد نحو المائتين، ثم برزوا في اليوم الثاني فاستشهد جماعة، وقتل من الفرنج عدد كثير، فلما كان في اليوم الخامس وصل غازي بن أتابك، وأخوه نور الدّين في عشرين ألفا إلى حماه، وكان أهل دمشق في الاستغاثة والتضرّع إلى الله تعالى، وأخرجوا المصحف العثماني إلى صحن الجامع، وضجّ الناس والنساء والأطفال [مكشّفي الرؤوس، وصدقوا الافتقار إلى الله][1] فأغاثهم، وركب قسيس الفرنج وفي عنقه صليب وفي يديه صليبان، وقال: أنا قد وعدني المسيح إلى أن [2] آخذ دمشق، فاجتمعوا حوله، وحمل على البلد، فحمل عليه المسلمون فقتلوه وقتلوا جماعة [3] وأحرقوا الصلبان، ووصلت النجدة، فانهزمت الفرنج، وأصيب منهم خلق.
وفيها كان شدة القحط بإفريقية، فانتهز رجّال صاحب صقلية الفرصة، فأقبل في مائتين وخمسين مركبا، فهرب منه صاحب المهدية،
[1] ما بين حاصرتين مستدرك من «العبر» بطبعتيه.
[2]
لفظة «أن» سقطت من «ط» .
[3]
في «العبر» بطبعتيه: «وقتلوا حماره» .
فأخذها الملعون بلا ضربة ولا طعنة، وصار للفرنج من طرابلس المغرب إلى قريب تونس.
وفيها توفي أبو تمّام أحمد بن أبي العزّ محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشمي العبّاسي البغدادي السفّار، نزيل خراسان. سمع أبا جعفر بن المسلمة وغيره، وتوفي في ذي القعدة بنيسابور عن بضع وتسعين سنة.
وفيها أبو إسحاق الغنوي- نسبة إلى غني بن أعصر [1]- إبراهيم بن محمد بن نبهان الرّقّي الصوفي، الفقيه الشافعي. سمع رزق الله التميمي، وتفقّه على الغزالي وغيره، وكان ذا سمت ووقار وعبادة، وهو راوي خطب ابن نباتة. توفي في ذي الحجة عن خمس وثمانين سنة.
وفيها قاضي العراق أبو القاسم الزّينبي [2] علي بن نور الهدى أبي طالب الحسين بن محمد بن علي العبّاسي الحنفي. سمع من أبيه وعمه وطراد، وكان ذا عقل ووقار ورزانة وعلم وشهامة ورأي. أعرض عنه في الآخر المقتفي وجعل معه في القضاء ابن المرخّم، ثم مرض ومات يوم الأضحى.
وفيها صالح بن شافع بن صالح بن حاتم بن أبي عبد الله الجيلي الحنبلي [3] الفقيه المعدل، أبو المعالي.
ولد ليلة الجمعة لست خلون من المحرم سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وسمع من أبي منصور الخيّاط، و [ابن] الطيوري، وغيرهما. وصحب ابن عقيل وغيره من الأصحاب، وتفقّه ودرّس.
[1] في «الأنساب» (9/ 184) : «وهو غني بن يعصر وقيل أعصر، واسمه منبه بن سعد بن قيس ابن عيلان بن مضر» وانظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (20/ 175- 176) .
[2]
انظر «الجواهر المضية» (2/ 568) والمصادر المذكورة في حاشيته.
[3]
انظر «الوافي بالوفيات» (16/ 258) و «المنهج الأحمد» (2/ 302- 303) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 213- 214) .
قال ابن الميداني [1] في «تاريخ القضاة» : كان فقيها زاهدا من سروات الناس.
وقال المنذري: كان أحد الفضلاء والشهود، وحدّث عنه الحافظان أبو القاسم الدمشقي، وأبو سعد بن السمعاني، توفي يوم الأربعاء سادس عشر رجب، ودفن في دكة الإمام أحمد.
وذكر ابن الجوزي أنه دفن على ابن عقيل.
وفيها المبارك بن كامل بن أبي غالب محمد بن أبي طاهر الحسين ابن محمد البغدادي الطّفري [2] المحدّث الحنبلي، مفيد العراق، أبو بكر، ويعرف أبوه بالخفّاف.
ولد يوم الخميس ثاني عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث الكثير، وأول سماعه سنة ست وخمسمائة، وعني بهذا الشأن. سمع من أبي القاسم بن بيان [3] ، وابن نبهان، وغيرهما.
قال ابن الجوزي: وما زال يسمع العالي والنازل، ويتتبع الأشياخ في الروايات وينقل السماعات، فلو قيل: إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ لما ردّ القائل. وجالس الحفّاظ وكتب بخطه الكثير، وانتهت إليه معرفة المشايخ ومقدار ما سمعوا والإجازات، إلّا أنه كان قليل التحقيق فيما ينقل من السماع
[1] كذا في «آ» و «ط» : «ابن الميداني» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف: «ابن المنذري» .
[2]
في «آ» و «ط» : «الطغري» وهو تحريف، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 214) و «المنهج الأحمد» (2/ 301) وانظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 299) وذكره ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» (163/ آ) .
[3]
تصحف في «آ» و «ط» إلى «ابن تبان» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
مجازفة لكونه يأخذ عن ذلك ثمنا، وكان فقيرا إلى ما يأخذ، وكان كثير التزويج والأولاد، وله كتاب «سلوة الأحزان» نحو ثلاثمائة جزء وأكثر، وكان صدوقا. توفي يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى ودفن بالشونيزية.
وفيها الجوزقاني الحسين بن إبراهيم بن حسين بن جعفر الهمذاني.
كان حافظا عالما بما يحويه. ومن مصنفاته كتاب «الموضوعات» أجاد فيه. قاله ابن ناصر الدّين [1] .
وفيها ابن بجنّك أحمد بن محمد بن الفضل بن عمر بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني، حافظ مشهور عمدة. نقله ابن ناصر الدّين أيضا [2] .
وفيها أبو الدرّ ياقوت الرّومي التاجر، عتيق ابن البخاري. حدّث بدمشق، ومصر، وبغداد، عن الصريفيني بمجالس المخلّص وغير ذلك.
توفي بدمشق في شعبان.
وفيها أبو الحجّاج الفندلاوي [3] يوسف بن دوناس [4] المغربي المالكي. كان فقيها عالما صالحا، حلو المجالسة، شديد التعصب للأشعرية، صاحب تحرّق على الحنابلة. قتل في سبيل الله في حصار الفرنج لدمشق مقبلا غير مدبر بالنّيرب أول يوم جاءت الفرنج، وقبره يزار بمقبرة باب الصغير. خرج راجلا مع أصحابه لقتال الفرنج، فقال له معين الدّين: يا شيخ إن الله قد عذرك، ليس لك قوة على القتال أنا أكفيك، فقال: قد بعت وأشتري، لا أقيله ولا أستقيله، وقرأ: إِنَّ الله اشْتَرى 9: 111 الآية [التوبة:
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (162/ ب- 163/ آ) .
[2]
في «التبيان شرح بديعة البيان» (163/ آ) .
[3]
تصحف في «آ» و «ط» إلى «القندلاوي» والتصحيح من «العبر» (4/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 209) .
[4]
تصحف في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «دوباس» والتصحيح من «اللباب في تهذيب الإنسان» (2/ 442) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 209) .
111] ومضى نحو الرّبوة، فالتقاه طلّب الفرنج فقتلوه، وحمل إلى باب الصغير، وقبره من جانب المصلى قريبا من الحائط، وعليه بلاطة منقورة فيها شرح حاله.
ورآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: أنا في جنّات مع قوم على سرور متقابلين [1] .
[1] اقتباس من قوله تعالى في الآية (46) من سورة الحجر: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ 15: 47.