الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة عشرين وخمسمائة
فيها توفي أبو الفتوح الغزّالي أحمد بن محمد الطّوسي الواعظ، شيخ مشهور فصيح مفوّه، صاحب قبول تامّ لبلاغته وحسن إيراده وعذوبة لسانه. وهو أخو الشيخ أبي حامد. وعظ مرّة عند السلطان محمود، فأعطاه ألف دينار. ولكنه كان رقيق الديانة متكلّما في عقيدته، حضر يوسف الهمذاني عنده، فسئل عنه فقال: مدد كلامه شيطانيّ لا رباني. ذهب دينه والدنيا لا تبقى له. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن قاضي شهبة [2] : كان فقيها، غلب عليه الوعظ والميل إلى الانقطاع والعزلة، وكان صاحب عبارات وإشارات، حسن النظر، درّس بالنظامية ببغداد لما تركها أخوه زهدا فيها، واختصر «الأحياء» في مجلد سمّاه «لباب الإحياء» وله مصنف آخر سمّاه «الذخيرة في علم البصيرة» توفي بقزوين سنة عشرين وخمسمائة، وقد تكلّم فيه غير واحد وجرّحوه. انتهى بحروفه.
وذكره ابن النجار في «تاريخ بغداد» [3] فقال: كان قد قرأ القارئ بحضرته قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ 39: 53 [الزمر: 53] الآية، فقال: شرّفهم بياء الإضافة إلى نفسه، بقوله يا عبادي، ثم أنشد:
[1](4/ 45- 46) .
[2]
انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 309- 310) .
[3]
انظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (186) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.
وهان عليّ اللّوم في جنب حبّها
…
وقول الأعادي إنه لخليع
أصمّ إذا نوديت باسمي وإنني
…
إذا قيل لي يا عبدها لسميع
انتهى.
وفيها آق سنقر البرسقي، قسيم الدولة، ولي إمرة الموصل والرحبة للسلطان محمود، ثم ولي بغداد، ثم سار إلى الموصل ثم كاتبه الحلبيون، فملك [1] حلب ودفع عنها الفرنج، قتلته الإسماعيلية وكانوا عشرة، وثبوا عليه يوم جمعة بالجامع في ذي القعدة، وكان ديّنا عادلا عالي الهمّة. قتل خلقا من الإسماعيلية.
وفيها أبو بحر الأسدي سفيان بن العاص الأندلسي، محدّث قرطبة.
روى عن ابن عبد البرّ، وأبي العبّاس العذري، وأبي الوليد الباجي، وكان من جلّة [2] العلماء. عاش ثمانين سنة.
وفيها صاعد بن سيّار أبو العلاء الإسحاقي- نسبة إلى إسحاق جدّ- الهروي الدهّان. قرأ عليه ابن ناصر ببغداد «جامع الترمذي» عن أبي عامر الأزدي.
قال السمعاني [3] : كان حافظا متقنا، كتب الكثير، وجمع الأبواب، وعرف الرّجال.
وقال ابن ناصر الدّين [4] : كان حافظا، متقنا، مكثرا، حسن الحال.
[1] في «العبر» : «فتملك» .
[2]
في «آ» : «جملة» .
[3]
قلت: ذكر هذا النقل الذهبي في «العبر» (4/ 47) وفي «سير أعلام النبلاء» (19/ 590) بزيادة «واسع الرواية» وقد وهم محققه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله، فأحال على «الأنساب» (1/ 223) ولم يصب في ذلك، فإن هذا النقل أخذه الذهبي عن «الذيل» وليس عن «الأنساب» وما جاء في «الأنساب» إنما هو أول النقل فقط.
[4]
في «التبيان شرح بديعة البيان» (160/ ب) .
وفيها أبو محمد بن عتّاب عبد الرحمن بن محمد بن عتّاب القرطبي، مسند الأندلس. أكثر عن أبيه، وعن حاتم الطرابلسي، وأجاز له مكي بن أبي طالب والكبار، وكان عارفا بالقراءات، واقفا على كثير من التفسير، واللغة، والعربية، والفقه، مع الحلم، والتواضع، والزهد، وكانت الرحلة إليه. توفي في جمادى الأولى عن سبع وثمانين سنة.
وفيها أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان- بفتح الباء- الشافعي [1] .
ولد ببغداد في شوال، سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وتفقه على الغزالي، والشّاشي، وإلكيا [2] الهرّاسي، وبرع في المذهب، وفي الأصول، وكان هو الغالب عليه، وله فيه التصانيف المشهورة، منها «البسيط» و «الوسيط» و «الوجيز» وغيرها. درّس بالنظامية شهرا واحدا، وكان ذكيا يضرب به المثل في حلّ [3] الإشكال.
قال المبارك بن كامل: كان خارق الذكاء، لا يكاد يسمع شيئا إلّا حفظه، ولم يزل يبالغ في الطلب، والتحقيق، وحلّ المشكلات، حتى صار يضرب به المثل في تبحره في الأصول والفروع، وصار علما من أعلام الدّين. قصده الطلاب من البلاد، حتّى صار جميع نهاره وقطعة من ليله يستوعب في الإشتغال وإلقاء الدروس.
توفي سنة عشرين وخمسمائة. كذا قاله ابن خلّكان [4] .
والمعروف أنه توفي سنة ثمان عشرة، قيل: في ربيع الأول، وقيل: في
[1] لفظة «الشافعي» لم ترد في «آ» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[2]
أقول: ضبطوه بهمزة مكسورة، ولام ساكنة، ثم كاف مكسورة بعدها ياء، ومعناه: الكبير القدر، بلغة الفرس، وهو علي بن محمد بن علي الطبري، الملقب بعماد الدين. كبير علماء الشافعية في عصره. (ع) .
[3]
لفظة «حلّ» لم ترد في «آ» .
[4]
انظر «وفيات الأعيان» (1/ 99) .
جمادى الأولى نقل عنه في «الروضة» [1] في كتاب القضاء أن العامي لا يلزمه التقيد بمذهب [2] معيّن، ورجحه الإمام [3] . قاله جميعه ابن قاضي شهبة [4] .
وفيها أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد المالكيّ، قاضي الجماعة بقرطبة ومفتيها. روى عن أبي علي الغسّاني، وأبي مروان بن سرّاج، وخلق، وكان من أوعية العلم. له تصانيف مشهورة، عاش سبعين سنة. قاله في «العبر» [5] .
وفيها أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال الصّعيدي المصري، النحوي اللغوي، البحر الحبر، وله مائة سنة وثلاثة أشهر. توفي في ربيع الآخر. روى عن عبد العزيز الضرّاب، والقضاعي، وسمع «البخاريّ» من كريمة بمكّة. قاله في «العبر» [6] .
وفيها أبو بكر الطّرطوشي- وطرطوشة من نواحي الأندلس- محمد بن الوليد القرشي الفهري الأندلسي المالكي، المعروف بابن أبي زيد. نزيل الإسكندرية، وأحد الأئمة الكبار. أخذ عن أبي الوليد الباجي، ورحل فأخذ «السنن» [7] عن أبي على التّستري، وسمع ببغداد من رزق الله التميمي وطبقته، وتفقه على أبي بكر الشّاشي.
[1] انظر «روضة الطالبين» للإمام النووي (11/ 117) بتحقيقي بالاشتراك مع زميلي الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، طبع المكتب الإسلامي بدمشق. (ع) .
[2]
في «آ» و «ط» و «المنتخب» (107/ ب) : «التقليد لمذهب» وما أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 208) .
[3]
يعني الإمام النووي.
[4]
انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 307- 309) .
[5]
(4/ 47) .
[6]
(4/ 47) .
[7]
يعني «سنن أبي داود» كما جاء ذلك مبينا في «سير أعلام النبلاء» (19/ 490) .
قال ابن بشكوال [1] : كان إماما، عالما، زاهدا، ورعا، [ديّنا] متقشفا، متقللا [من الدنيا] راضيا باليسير.
وقال ابن خلّكان [2] : كان يقول: إذا عرض لك أمران، أمر دنيا وأمر أخرى، فبادر بأمر الأخرى يحصل لك أمر الدنيا والأخرى.
وسكن الشام مدّة، ودرّس بها، وكان كثيرا ما ينشد:
إنّ لله عبادا فطنا
…
طلّقوا الدّنيا وخافوا ألفتنا
فكّروا فيها فلمّا علموا
…
أنها ليست لحيّ وطنا
جعلوها لجّة واتّخذوا
…
صالح الأعمال فيها سفنا
ولما دخل على الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش، بسط مئزرا كان معه تحته، وجلس عليه، وكان إلى جانب الأفضل رجل نصراني، فوعظ الأفضل حتّى بكى، وأنشده:
يا ذا الذي طاعته قربة
…
وحقّه مفترض واجب
إنّ الذي شرّفت من أجله
…
يزعم هذا أنّه كاذب
وأشار إلى النصراني، فأقامه الأفضل من موضعه. وكان الأفضل قد أنزل الشيخ في مسجد شقيق الملك بالقرب من الرصد، وكان يكرهه، فلما طال مقامه [به] ضجر وقال لخادمه: إلى متى نصبر؟ اجمع لي المباح، فجمع له، فأكله ثلاثة أيام، فلما كان عند صلاة المغرب قال لخادمه: رميته الساعة، فلما كان من الغد ركب الأفضل فقتل، وولي بعده المأمون ابن البطائحي، فأكرم الشيخ إكراما كثيرا، وصنّف له كتاب «سراج الملوك» وهو حسن في بابه.
[1] انظر «الصلة» (2/ 575) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2]
انظر «وفيات الأعيان» (4/ 262- 264) .
وله غيره. وله طريقة في الخلاف، ومن المنسوب إليه:
إذا كنت في حاجة مرسلا
…
وأنت بإنجازها مغرم
فأرسل بأكمه خلّابة
…
به صمم أفطس [1] أبكم
ودع عنك كل رسول سوى
…
رسول يقال له الدّرهم
وقال الطّرطوشي: كنت ليلة نائما في بيت المقدس، فبينما أنا في جنح الليل، إذ سمعت صوتا حزينا [2] ينشد:
أخوف ونوم إنّ ذا لعجيب
…
ثكلتك من قلب فأنت كذوب
أما وجلال الله لو كنت صادقا
…
لما كان للإغماض منك نصيب
قال: فأيقظ النوّام وأبكى العيون.
وكانت ولادة الطّرطوشي المذكور سنة إحدى وخمسين وأربعمائة تقريبا، وتوفي ثلث الليل الآخر سادس عشري جمادى الأولى سنة عشرين وخمسمائة بثغر الإسكندرية، وصلى عليه ولده محمد. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
[1] في «وفيات الأعيان» : «أغطش» .
[2]
في «آ» و «ط» : «صوت حزين» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.