الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وتسعين وخمسمائة
فيها كانت فتنة فخر الدّين الرّازي، صاحب التصانيف، وذلك أنه قدم هراة ونال إكراما عظيما من الدولة، فاشتد ذلك على الكراميّة، فاجتمع يوما هو والزاهد مجد الدّين بن القدوة، فاستطال فخر الدّين على ابن القدوة وشتمه وأهانه، فلما كان من الغد جلس ابن عم مجد الدّين فوعظ الناس، وقال: رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ 3: 53 [آل عمران: 53] أيها الناس! لا نقول إلّا ما صحّ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأما قول أرسطو، وكفريات ابن سينا، وفلسفة الفارابي فلا نعلمها فلأي شيء يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذبّ عن دين الله، وبكى فأبكى الناس وضجت الكراميّة وثاروا من كل ناحية، وحميت الفتنة، فأرسل السلطان الجند فسكّنهم، وأمر الرّازي بالخروج. قاله في «العبر» [1] .
وفيها كانت بدمشق فتنة الحافظ عبد الغني [2] ، وكان أمّارا بالمعروف، داعية إلى السّنّة، فقام عليه الأشعرية وأفتوا بقتله، فأخرج من دمشق طريدا.
قاله في «العبر» [3] أيضا.
وفيها مات العزيز صاحب مصر أبو الفتح عثمان بن السلطان
[1](4/ 285) .
[2]
يعني المقدسي.
[3]
(4/ 286) وانظر الخبر بتوسع في «ذيل الروضتين» ص (16) .
صلاح الدّين يوسف بن أيوب [1] ، توفي في المحرّم عن ثمان وعشرين سنة.
وكان شابا مليحا ظريف الشمائل قويا ذا بطش وأيد وكرم وحياء وعفة، بلغ من كرمه أنه لم تبق له خزانة، وبلغ من عفته أنه كان له غلام بألف دينار، فحلّ لباسه، ثم وفّق فتركه وأسرع إلى سريّة له فافتضّها، وأمر الغلام بالتستّر.
وأقيم بعده ولده علي فاختلفت الأمراء، وكاتب بعضهم الأفضل، فصار من صرخد إلى مصر وعمل نيابة السلطنة، ثم سار بالجيوش ليأخذ دمشق من عمه، فأحرق العادل الحواضر والسّرب، ووقع الحصار، ثم دخل الأفضل من باب السلامة، وفرحت به العامة وحوصرت القلعة مدة، وكان سبب موت العزيز أنّه خرج إلى الفيّوم يتصيّد فتقنطرت به فرسه فأصابته حمى فمات بعد يومين ودفن بالقرافة قرب الإمام الشافعي، وكان عمره سبعا وعشرين سنة، وخلّف عشرة أولاد أكبرهم ناصر الدّين محمد.
وفيها صلب بدمشق الذي زعم أنه عيسى بن مريم وأضلّ طائفة، فأفتى العلماء بقتله.
وفيها عبد الخالق بن هبة الله أبو محمد الحريمي بن البندار [2] الزّاهد. روى عن ابن الحصين وجماعة.
قال ابن النجار: كان يشبه الصحابة، ما رأيت مثله، توفي في ذي القعدة.
وفيها ابن رشد الحفيد، هو العلّامة أبو الوليد محمد بن أحمد بن العلّامة المفتي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي [3] المالكي. أدرك من حياة جده شهرا سنة عشرين، وتفقّه وبرع، وسمع الحديث وأتقن الطب
[1] انظر «العبر» (4/ 286) و «النجوم الزاهرة» (6/ 146) .
[2]
انظر «العبر» (4/ 286) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 328- 330) .
[3]
انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 321- 322) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 307- 310) .
وأقبل على الكلام والفلسفة حتّى صار يضرب به المثل فيها، وصنّف التصانيف، مع الذكاء المفرط والملازمة للاشتغال ليلا ونهارا، وتآليفه كثيرة نافعة، في الفقه، والطب، والمنطق، والرياضي، والإلهي، وتوفي في صفر بمرّاكش.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الملك [1] بن إسماعيل بن عبد الملك بن إسماعيل بن علي الأصبهاني [2] الواعظ الحنبلي.
ولد سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وسمع من أبي علي الحمّامي، والباغبان، وغيرهما. وببغداد من هبة الله بن الشّبلي وخلق، وكان له قبول كثير عند أهل بلده، وقدم بغداد غير مرّة وأملى بها، وسمع منه ابن القطيعي، وابن النجّار، وقال: كان فاضلا صدوقا. وتوفي ليلة الرابع والعشرين من ذي الحجّة.
وفيها أبو بكر [3] بن زهر [3] محمد بن عبد الملك بن زهر الإيادي الإشبيلي [4] شيخ الطب وجالينوس العصر.
ولد سنة سبع وخمسمائة، وأخذ الصناعة عن جدّه أبي العلاء زهر بن عبد الملك، وبرع ونال تقدّما وحظوة عند السلاطين، وحمل الناس عنه تصانيفه.
[1] في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» والتصحيح من مصادر الترجمة المذكورة في التعليق التالي.
[2]
انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 342- 343) و «الوافي بالوفيات» (4/ 43) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 397- 398) .
[3]
في «آ» و «ط» : «أبو بكر بن خيرون بن زهر» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[4]
انظر «وفيات الأعيان» (4/ 434- 437) و «العبر» (4/ 288) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 325- 327) .
وكان جوادا ممدحا محتشما كثير العلوم. قيل: إنه حفظ «صحيح البخاري» كلّه.
قال ابن دحية: كان شيخنا أبو بكر يحفظ شعر ذي الرّمّة، وهو ثلث لغة العرب، مع الإشراف على جميع أقوال أهل الطب، توفي بمرّاكش في ذي الحجّة.
وفيها أبو جعفر الطّرسوسي محمد بن إسماعيل الأصبهاني [1] الحنبلي. سمع أبا علي الحدّاد، ويحيى بن مندة، وابن طاهر، وطائفة، وتفرّد في عصره، وتوفي في جمادى الآخرة عن أربع وتسعين سنة.
وفيها أبو الحسن الجمّال مسعود بن أبي منصور بن محمد الأصبهاني الخيّاط [2] . روى عن الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وحضر غانما البرجي، وأجاز له عبد الغفّار الشّيروي، وتوفي في شوال.
وفيها أبو الفضل الصّوفي منصور بن أبي الحسن الطّبري [3] الواعظ.
تفقّه وتفنّن، وسمع من زاهر الشّحّامي وغيره، وهو ضعيف في روايته [4] لمسلم [5] عن الفراوي توفي بدمشق في ربيع الآخر.
وفيها جمال الدّين أبو القاسم يحيى بن علي بن الفضل بن هبة الله [6] ، العلّامة البغدادي، شيخ الشافعية بها، ويعرف بابن فضلان.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة، وتفقّه على أبي منصور بن الرزّاز
[1] انظر «العبر» (4/ 287- 288) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 245- 246) .
[2]
انظر «العبر» (4/ 288) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 268) و «النجوم الزاهرة» (6/ 154) .
[3]
انظر «العبر» (4/ 288- 289) و «النجوم الزاهرة» (6/ 154) .
[4]
في «ط» : «في رواية» .
[5]
قال الذهبي في ترجمته في «ميزان الاعتدال» (4/ 183) : «أخذ يروي «صحيح مسلم» عن الفراوي، فتقدم ابن خليل وبيّن للجماعة أن الثبت مزوّر، فقاموا» .
[6]
انظر «العبر» (4/ 154) و «النجوم الزاهرة» (6/ 154) .
ببغداد، وبنيسابور على محمد بن يحيى تلميذ الغزالي، وسمع جماعة، وانتفع به خلق كثير، واشتهر اسمه وطار صيته، وكان إماما في الفقه، والأصول، والخلاف، والجدل، مشارا إليه في ذلك، وكان يجري له وللمجير البغدادي بحوث ومحافل، ويشنّع كل منهما على الآخر، وتوفي في شعبان.
وفيها المنصور أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي [1] الملقب بأمير المؤمنين. بويع سنة ثمانين وخمسمائة بعد أبيه وسنّه اثنتان وثلاثون سنة، وكان صافي اللّون، جميلا، أعين، أفوه، أقنى، أكحل، مستدير اللّحية، ضخما، جهوريّ الصوت، جزل الألفاظ، كثير الإصابة بالظنّ والفراسة، خبيرا، ذكيا، شجاعا، مقداما، محبا للعلوم، كثير الجهاد، ميمون التقيّة، ظاهري المذهب، معاديا لكتب الفقه والرأي [2] ، أباد منها شيئا كثيرا بالحريق، وحمل الناس على التشاغل بالأثر. قاله في «العبر» .
وقال ابن الأهدل: طاب حاله وأظهر بهجة ملك عبد المؤمن، وتنصّل للجهاد، وأجرى الأحكام على قانون الشرع، ولقّب أمير المؤمنين كأبيه وجدّه. رحل إلى الأندلس، ورتّب قواعدها، وعزم عليهم في الجهر بالبسملة [3] في أول الفاتحة، ثم عاد إلى مرّاكش وهي كرسي ملكهم، فجاءه كتاب ملك الفرنج يتهدده، من جملة كتابه: باسمك اللهم فاطر السموات والأرض، وصلّى الله على السيد المسيح روح الله وكلمته، فمزّق يعقوب الكتاب، وكتب على ظهر قطعة منه: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ 27: 37 [النّمل: 37] الجواب ما ترى لا ما تسمع، وأنشد:
[1] انظر «العبر» (4/ 289) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 311- 319) .
[2]
في «آ» و «ط» : «لكتب الفقه والفقه» والتصحيح من «العبر» .
[3]
في «آ» و «ط» : «بالتسمية» والتصحيح من «مرآة الجنان» (3/ 480) .
ولا كتب إلّا المشرفيّة عندنا
…
ولا رسل إلّا الخميس العرمرم
[1]
ثم سار إليهم وعبر بحر سبتة إلى الأندلس، ثم رحل منها فدخل بلادهم وأوقع بهم وقعة لم يسمع بمثلها، ولم ينج منهم إلّا ملكهم في عدد يسير، وبلغت الدّروع من المغنم ستين ألف درع ولم يحص عدد الدواب، وكان من عادة الموحدين لا يأسرون مشركا بل يقتلونهم، ثم عاد إلى إشبيلية والتمس الفرنج صلحهم فصالحهم، ولو طالت أيامه لم يترك في يدهم مدينة.
وبنى بالقرب من سلا مدينة على هيئة الإسكندرية في اتساع الشوارع وحسن التقسيم والتحسين، بناها على جانب البحر المحيط، وسمّاها دار الفتح، ثم رجع إلى مرّاكش، وكان محبا للعلم والعلماء، يصلّي بالناس الخمس ويلبس الصوف، وكان على قدم التواضع وإليه تنسب الدنانير اليعقوبية، وكان قد عزم على علماء زمانه أن لا يقلدوا أحدا من الأئمة الماضين بل تكون أحكامهم بما ينتهي إليه اجتهادهم.
قال ابن خلّكان [2] : أدركنا جماعة منهم على هذا المنهج، مثل أبي الخطّاب بن دحية، وأخيه أبي عمر، ومحيي الدّين بن عربي الطائي نزيل دمشق، وغيرهم، وتوفي يعقوب بمرّاكش وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق لتترحم عليه المارّة، وقيل: إنه تجرّد من الملك وذهب إلى المشرق فمات خاملا.
قال اليافعي [3] : سمعت من لا أشك في صلاحه من المغاربة أن
[1] البيت للمتنبي وهو في «ديوانه» بشرح العكبري (3/ 352) وفيه «عنده» مكان «عندنا» .
قال العكبري: المشرفية: السيوف، تنسب إلى موضع تطبع فيه السيوف، وهي المشارف.
والخميس: الجيش العظيم. والعرمرم: الكثير.
[2]
انظر «وفيات الأعيان» (3/ 10) .
[3]
انظر «مرآة الجنان» (3/ 483) .
شيوخ المغرب راموا أن يعارضوا «رسالة» القشيري وما جمع فيها من المشايخ المشارقة فذكروا إبراهيم بن أدهم، وقالوا: لا تتم لنا المعارضة إلّا بملك مثله، فلما تزهد يعقوب وانسلخ عن الملك تمّ لهم ذلك.
وبويع بعد يعقوب لولده محمد الناصر فاسترجع المهدية من الملثم.