الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة
فيها افتتح صلاح الدّين بالشام فتحا مبينا، ورزق نصرا متينا، وهزم الفرنج وأسر ملوكهم، وكانوا أربعين ألفا، ونازل القدس وأخذه، وكان المنجمون قد قالوا له: تفتح القدس وتذهب عينك الواحدة، فقال: رضيت أن أفتحه وأعمى، فافتتحها بعد أن كانت بأيدي الفرنج أكثر من تسعين سنة [1] ثم أخذ عكا، ثم جال فافتتح عدة حصون، ودخل على المسلمين سرور لا يعلمه إلّا الله تعالى.
وفيها قتل ابن الصّاحب [2] ببغداد، ولله الحمد، فذلّت الرافضة.
وفيها توفي عبد الجبّار بن يوسف البغدادي [3] ، شيخ الفتوة وحامل لوائها، كان قد علا شأنه بكون الناصر الخليفة يمضي إليه، توفي حاجّا بمكّة.
وفيها عبد المغيث بن زهير بن علوي الحربي [4] المحدّث الزاهد أبو العزّ [5] بن [أبي] حرب [6] الحنبلي، محدّث بغداد.
[1] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي وتعليقي عليه ص (22) طبع دار ابن كثير.
[2]
انظر «العبر» (4/ 248) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 164- 165) واسمه هبة الله وكنيته مجد الدّين.
[3]
انظر «العبر» (4/ 249) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 133) .
[4]
انظر «العبر» (4/ 249) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 354- 358) .
[5]
في «آ» و «ط» : «أبو العزيز» والتصحيح من «العبر» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
[6]
ما بين حاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» .
ولد سنة خمسمائة تقريبا، وسمع من أبي القاسم بن الحصين، وابن كادش، وغيرهما، وعني بهذا الشأن، وحصّل الأصول، ولم يزل يسمع حتّى سمع من أقرانه، وتفقّه على القاضي أبي الحسين بن الفرّاء، وكان صالحا متدينا صدوقا أمينا، حسن الطريقة، جميل السيرة، حميد الأخلاق، مجتهدا في اتباع السّنّة والآثار، منظورا إليه بعين الديانة والأمانة، وجمع وصنّف وحدّث، ولم يزل يفيد الناس إلى حين وفاته، وبورك له، حتى حدّث بجميع مروياته، وسمع منه الكبار.
قال الدّبيثي: عني بطلب الحديث وسماعه، وجمعه من مظانه، وخرّج وصنّف، وكان ثقة صالحا صاحب طريقة حميدة، وكتبنا عنه ونعم الشيخ كان، وروى عنه الشيخ موفق الدّين، والحافظ عبد الغني، وغيرهما، وقدم دمشق وحدّث بها.
وقال ابن الحنبلي: سمعت من عبد المغيث، وكان حافظا زاهدا ورعا، كنت إذا رأيته خيّل إليّ أنه أحمد بن حنبل غير أنه كان قصيرا، وتوفي ليلة الأحد ثالث عشر [1] المحرم، ودفن بتكة قبر الإمام أحمد.
قال الذهبي: صنف جزءا في «فضائل يزيد» أتى فيه بالموضوعات.
وفيها قاضي القضاة ابن الدّامغاني أبو الحسن علي بن أحمد ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الحنفي [2] وله سبعون سنة، وكان ساكنا وقورا محتشما، حدّث عن ابن الحصين وطائفة، وولي القضاء بعد موت قاضي القضاة أبي القاسم الزّينبي ثم عزل عند موت المقتفي، فبقي معزولا إلى سنة سبعين، ثم ولي إلى أن مات.
[1] في «ط» : «ثالث عشري» .
[2]
انظر «العبر» (4/ 249) و «الجواهر المضية» (2/ 538- 540) .
وفيها ابن المقدّم الأمير الكبير شمس الدّين محمد بن عبد الملك [1] كان من أعيان أمراء الدولتين، وهو الذي سلّم سنجار إلى نور الدّين ثم تملّك بعلبك، وعصى على صلاح الدّين مدة، فحاصره ثم صالحه، وناب له بدمشق، وكان بطلا شجاعا محتشما عاقلا، شهد في هذا العام الفتوحات.
وحجّ فلما حلّ بعرفات رفع علم السلطان صلاح الدّين وضرب الكوسات، فأنكر عليه أمير ركب العراق [2] طاشتكين، فلم يلتفت [إليه] ، وركب في طلبه، وركب طاشتكين، فالتقوا، وقتل جماعة من الفريقين، وأصاب ابن المقدّم سهم في عينه فخرّ صريعا، وأخذ طاشتكين ابن المقدّم فمات من الغد بمنى [3] ، وهو باني المدرسة المقدّمية، والتربة والخان داخل باب الفراديس.
وفيها مخلوف بن علي بن جارة أبو القاسم المغربي ثم الإسكندراني [4] المالكي، أحد الأئمة الكبار، تفقّه به أهل الثغر زمانا.
وفيها أبو السعادات القزّاز نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد الشيباني الحريمي [5] مسند بغداد. سمع جدّه أبا غالب القزّاز، وأبا القاسم الرّبعي، وطائفة، وتوفي في ربيع الآخر عن اثنتين وتسعين سنة.
وفيها أبو بكر محمد بن نصر الخرقي القاشاني، الحافظ الثقة،
[1] انظر «العبر» (4/ 250) و «النجوم الزاهرة» (6/ 105) .
[2]
لفظة «العراق» سقطت من «العبر» المطبوع في الكويت واستدركت في المطبوع في بيروت، ولفظة «إليه» التي بين حاصرتين مستدركة من الطبعتين.
[3]
ضبطها محقق «العبر» طبع الكويت بضم الميم وهو خطأ، وتبعه محقق طبعة بيروت فتصحح فيهما.
[4]
انظر «العبر» (4/ 250) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 134) .
[5]
انظر «العبر» (4/ 250) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 132- 134) و «النجوم الزاهرة» (6/ 106) .
الناقد النبيل، كما قال ابن ناصر الدّين [1] .
وفيها أبو الفتح بن المنّي ناصح الإسلام نصر بن فتيان بن مطر النّهرواني ثم البغدادي [2] الحنبلي، فقيه العراق، وشيخ الحنابلة على الإطلاق. روى عن أبي الحسن بن الزّاغوني وطبقته، وتفقّه على أبي بكر الدّينوري، وكان ورعا زاهدا متعبدا، على منهاج السلف الصالح، تخرّج به أئمة.
قال الشيخ ناصح الدّين بن الحنبلي: رحلت إليه فوجدت مسجده بالفقهاء والقراء معمورا، وكل فقيه عنده من فضله وإفضاله مغمورا، فأنخت راحلتي بربعه، وحططت زاملة بغيتي على شرعة شرعه، فوجدت الفضل الغزير، والدّين القويم المنير، [والفحر المستطيل المستطير، والعالم الخبير][3] ، فتلقاني بصدر بالأنوار قد شرح، ومنطق بالأذكار قد ذكر ومدح، وبباب إلى كل باب من الخيرات قد شرع وفتح، فتح الله تعالى عليه. حفظ القرآن العظيم وهو في حداثة من سنّه، ولاحت عليه أعلام المشيخة، فرجح منه على كل فنّ [4] بفضل الله ومنّه.
ثم قال: لم ننقل [عنه] أنه لعب ولا لها، ولا طرق باب طرب، ولا مشى إلى لذّة ومشتهى.
وقال: قال لي ابن المنّي: تقدمت في زمن أقوام ما كنت أصلح أن أقدّم مداسهم.
وقال لي- رحمه الله تعالى-: ما أذكر أحدا قرأ عليّ القرآن إلّا حفظه، ولا سمع درس الفقه إلّا انتفع.
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (169/ آ) .
[2]
انظر «العبر» (4/ 251) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 137- 138) و «النجوم الزاهرة» (6/ 106) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 358- 365) .
[3]
ما بين حاصرتين زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4]
في «آ» و «ط» : «على كلّ من» والمثبت من «ذيل طبقات الحنابلة» .
ثم قال: هذا حظي من الدّنيا.
قال ابن الحنبلي: وما تزوّج ولا تسرى، ولا ركب بغلة ولا فرسا، ولا ملك مملوكا، ولا لبس الثياب الفاخرة إلّا لباس التقوى، وكان أكثر طعامه يشرب في قدح ماء الباقلّاء.
وكان إذا فتح عليه بشيء فرّقه بين أصحابه.
وكان لا يتكلم في الأصول، ويكره من يتكلم فيه، سليم الاعتقاد، صحيح الانتقاد في الأدلة الفروعية.
وقال ابن رجب: (صرف همته طول عمره إلى الفقه أصولا وفروعا، مذهبا وخلافا، واشتغالا وإشغالا ومناظرة، وتصدّر للدرس والاشتغال [1] والإفادة وطال عمره وبعد صيته، وقصده الطلبة من البلاد، وشدت إليه الرّحال في طلب الفقه، وتخرّج به أئمة كثير، منهم: ابن الجوزي، وفقهاء الحنابلة اليوم في سائر البلاد يرجعون إليه وإلى أصحابه) لأن فقهاء زماننا إنما يرجعون في الفقه من جهة [الشيوخ و] الكتب إلى الشيخين: موفق الدّين المقدسي، ومجد الدّين بن تيمية الحرّاني.
فأما الشيخ الموفق فهو تلميذ ابن المنّي، وعنه أخذ الفقه.
وأما ابن تيمية، فهو تلميذ تلميذه أبي بكر بن الحلاوي.
وكان مرض ابن المنّي الإسهال، وذلك من تمام السعادة، لأن مرض البطن شهادة، وتوفي به يوم السبت رابع شهر رمضان، ودفن يوم الأحد، ونودي في النّاس بموته، فانثال من الخلائق والأمم عدد لا يحصى، وازدحم الناس، وخيف من الفتن فنفّذ الولاة الأجناد والأتراك بالسلاح، ومات عن اثنتين وثمانين سنة، ولم يخلّف مثله.
[1] في «ط» : «والإشغال» وما بين القوسين لم أره في «ذيل طبقات الحنابلة» الذي بين يدي.
وفيها الزاهد عبد الغني [بن أبي بكر] بن شجاع البغدادي [1] الحنبلي، المعروف بابن نقطة [2] .
قال السخاوي: هو مشهور بالتقلل والإيثار والزهد، وكان له ببغداد زاوية يأوي إليها الفقراء، ولم يكن في عصره من يقاومه في التجريد. كان يفتح عليه قبل غروب الشمس بألف دينار فيفرّقها والفقراء صيام، فلا يدّخر لهم منها شيئا، ويقول: نحن لا نعمل بأجرة، يعني لا نصوم وندخر ما نفطر عليه، وزوّجته أم الخليفة الناصر بجارية من خواصها، وجهزتها بعشرة آلاف دينار، فما حال الحول وعنده سوى هاون، فجاء فقير فوقف على الباب، وقال: لي ثلاثة أيام ما أكلت شيئا، فأخرج إليه الهاون وقال: لا تشنّع على الله، كل بهذا ثلاثين يوما.
وقال ابن شهبة في «تاريخه» : وكان له أخ مزكلش ينشد كان وكان ومواليا في الأسواق، ويسحر الناس في رمضان، فقيل له: أخوك زاهد العراق وأنت هكذا؟ فأنشد مواليا:
قد خاب من شبّه الجزعة إلى درّه
…
وسام قحبة إلى مستحسنة حرّه
أنا مغنّي وخي زاهد إلى مرّه
…
بيرين في دار ذي حلوة وذي مرّة
انتهى.
وتوفي في رابع جمادى الآخرة ببغداد، ويأتي ذكر ولده محمد في سنة ثمان وعشرين وستمائة، إن شاء الله تعالى.
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (125/ آ) : «عبد الغني بن شجاع أبو بكر البغدادي» والتصحيح من ترجمة ولده الإمام الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الغني في «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 300) و «وفيات الأعيان» (4/ 392) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 347) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الثالثة والستون) ص (344) طبع مؤسسة الرسالة.
[2]
أقول: قال الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (22/ 349) : «سئل أبو بكر عن نقطة، فقال: هي جارية عرفنا بها، ربت شجاعا جدّنا. (ع) .
وفيها مجد الدّين ابن الصّاحب، هبة الله بن علي. ولي أستاذ داريّة [1] المستضيء، ولما ولي النّاصر رفع منزلته وبسط يده، وكان رافضيّا سبّابا، تمكّن وأحيا شعار الإمامية، وعمل كلّ قبيح، إلى أن طلب إلى الديوان فقتل، وأخذت حواصله، فمن ذلك ألف ألف دينار، وعاش إحدى وأربعين سنة. قاله في «العبر» [2] .
[1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (125/ آ)«راية» وهو خطأ، وما أثبته من «العبر» وفي «سير أعلام النبلاء» :«أستاذ دار» .
[2]
(4/ 251) وانظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 164- 165) .