الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة إحدى وستين وخمسمائة
فيها ظهر ببغداد الرفض والسبّ وعظم الخطب.
وفيها أخذ نور الدّين من الفرنج حصن صافيتا [1] .
وفيها توفي القاضي الرشيد أبو الحسن أحمد بن القاضي الرشيد أبي الحسن علي الغسّاني الأسواني- بضم الهمزة على الصحيح-[2] الشافعي كان من ذوي الفضل والرئاسة- وأسوان قرية بصعيد مصر- وله ديوان شعر ومصنفات، ولأخيه القاضي المهذّب ديوان شعر أيضا، والمهذّب أشعر، والرشيد أعلم بسائر الفنون. قتله الوزير شاور ظلما، وذلك أنه لما دخل اليمن رسولا، مدح ملوكها فقال في علي بن حاتم الهمداني قصيدته التي يقول فيها:
وإن جهلت حقّي زعانف خندف
…
فقد عرفت فضلي غطاريف همدان
[1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (117/ ب) . وفي جميع المصادر الأخرى التي بين يدي: «حصن المنيطرة» انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 322) و «الروضتين في أخبار الدولتين» (1/ 141) و «دول الإسلام» (2/ 75) وتصحفت «المنيطرة» فيه إلى «المنيظرة» بالظاء فتصحح، و «العبر» (4/ 174) و «البداية والنهاية» (12/ 251) . قال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 217) : المنيطرة- مصغر بالطاء المهملة-: حصن بالشام قريب من طرابلس.
[2]
انظر «وفيات الأعيان» (1/ 160- 164) و «مرآة الجنان» (3/ 367- 369) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 116- 118) و «غربال الزمان» ص (442- 443) وسيكرر المؤلف ترجمته في السنة التالية فتنبه.
فكتب بذلك داعي الإسماعيلية إلى صاحب مصر، فأخذ جميع موجودة ثم قتله شاور.
وفيها الحسن بن علي القاضي المهذّب [1] ، صنّف كتاب «الأنساب» في عشرين مجلدا، ومن شعره:
أقصر فديتك عن لومي وعن عذلي
…
أولا فخذ لي أمانا من ظبا المقل
من كلّ طرف مريض الجفن ينشد لي [2]
…
يا ربّ رام بنجد من بني ثعل
إن كان فيه لنا وهو السقيم شفا
…
فربما صحّت الأجساد بالعلل
وفيها الحسن بن العبّاس [3] الأصفهاني [4] ، الشيخ الصالح، كان كثير البكاء، ولم يكن بأصبهان أزهد منه.
قال: وقفت على علي بن ماشاذه [5] وهو يتكلم على الناس، فلما كان الليل رأيت ربّ العزة في المنام، فقال: يا حسن [6] ! وقفت على مبتدع وسمعت كلامه، لأحرمنك النظر في الدّنيا، فاستيقظ وعيناه مفتوحتان لا يبصر بهما شيئا، ومات.
قال الحميدي: سمعت الفضيل بن عياض يقول: من وقّر صاحب بدعة
[1] انظر «فوات الوفيات» (1/ 337- 341) .
[2]
في «فوات الوفيات» : «ينشدني» .
[3]
في «آ» و «ط» : «الحسن بن عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي.
[4]
انظر «المنتظم» (10/ 219) و «الكامل في التاريخ» (11/ 323) و «العبر» (4/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 432- 435) و «الوافي بالوفيات» (12/ 61) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 64) و «البداية والنهاية» (12/ 251) .
[5]
في «آ» و «ط» : «علي ابن شاده» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (20/ 434) و (17/ 297) و «ما شاذة» لقب عرف به والده واسمه محمد. انظر «ذكر أخبار أصبهان» (2/ 24) .
[6]
في «آ» و «ط» : «يا أبا حسين» وما أثبته من «المنتظم» (10/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 434) .
أورثه الله تعالى العمى قبل موته.
وفيها الحسن بن عبّاس الأصبهاني [1] ، الفقيه الشافعي، مسند أصبهان. سمع أبا عمرو ابن مندة، ومحمود الكوسج، وطائفة، وتفرّد ورحل إليه، وكان زاهدا ورعا بكاء خاشعا فقيها مفتيا [2] محقّقا، تفقّه به جماعة.
وفيها عبد الله بن رفاعة بن غدير الشافعي أبو محمد السّعدي المصري [3] قاضي الحيرة. كان فقيها ماهرا في الفرائض والمقدرات، صالحا ديّنا، تفقّه على القاضي الخلعي ولازمه، وهو آخر من حدّث عنه، ثم ترك القضاء واعتزل في القرافة مشتغلا بها بالعبادة.
قال في «العبر» : توفي في ذي القعدة، عن أربع وتسعين سنة كاملة، وقد ولي القضاء بمصر وطلب أن يعفى فأعفي.
وفيها أبو محمد الأشيري- كالكريمي، نسبة إلى أشير، حصن بالمغرب- عبد الله بن محمد المقرئ الصنهاجي [4] الفقيه المالكي الحافظ.
روى عن أبي الحسن الجذامي، والقاضي عياض، وكان عالما بالحديث وطرقه، وبالنحو، واللغة، والنسب، كثير الفضائل، وقبره ظاهر ببعلبك.
وفيها أبو طالب بن العجمي، عبد الرحمن بن الحسن الحلبي [5] ، الفقيه الشافعي، تفقّه ببغداد على الشّاشي، وأسعد الميهني، وسمع من ابن بيان، وله بحلب مدرسة كبيرة، عاش إحدى وثمانين سنة، ومات في شعبان.
وفيها الشيخ عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست بن أبي عبد الله [بن] عبد الله بن يحيى بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله
[1] تنبيه: هذه الترجمة مكررة عن التي سبقتها، ولم ينتبه لذلك المؤلف رحمه الله تعالى.
[2]
في «آ» : «نقيبا» .
[3]
انظر «العبر» (4/ 174- 175) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 54) .
[4]
انظر «العبر» (4/ 174- 175) و «مرآة الجنان» (3/ 347) و «النجوم الزاهرة» (5/ 372) .
[5]
انظر «العبر» (4/ 175) .
ابن موسى الحوزي بن عبد الله المحصن بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب الجيلاني [1] ، نسبة إلى جيل، وهي بلاد متفرقة من وراء طبرستان، وبها ولد، ويقال لها أيضا جيلان وكيلان.
وهو سبط أبي عبد الله الصومعي من جلّة مشايخ جيلان، أمّه أم الخير بنت أبي عبد الله، وأخوه الشيخ أبو أحمد عبد الله أصغر منه سنا، نشأ في العلم والخير، ومات بجيلان شابا وعمته الصالحة أم عائشة استسقى بها أهل جيلان فلم يسقوا، فكنست رحبة بيتها وقالت: يا ربّ كنّست رحبة بيتي فرّش أنت، فمطروا كأفواه القرب.
كان شيخ الشيوخ الشيخ عبد القادر نحيف الجسم، عريض الصدر، عريض اللّحية، أسمر، مدور الحاجبين، ذا صوت جهوريّ وسمت بهيّ.
ولما ترعرع وعلم [2] أن طلب العلم فريضة، شمّر ساق الاجتهاد في تحصيله، وسارع في تحقيق فروعه وأصوله، بعد أن اشتغل بالقرآن حتّى أتقنه.
ثم تفقّه في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، على أبي الوفاء بن عقيل، وأبي الخطّاب، وأبي الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى، والمبارك المخرّمي.
وسمع الحديث من جماعة، وعلوم الأدب من آخرين.
وصحب حماد الدبّاس، وأخذ عنه علم الطريقة بعد أن لبس الخرقة من
[1] انظر «المنتظم» (10/ 219) و «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (304- 307) طبع مؤسسة الرسالة، و «سير أعلام النبلاء» (20/ 439- 451) و «فوات الوفيات» (2/ 373- 374) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 290- 301) ولفظة «ابن» التي بين حاصرتين مستدركة منه، و «الأعلام» للزركلي (4/ 47) وفيه:«عبد القادر بن موسى» .
[2]
لفظة «وعلم» سقطت من «آ» .
أبي سعد المبارك المخرّمي، وفاق أهل وقته في علوم الديانة، ووقع له القبول التّام، مع القدم الراسخ في المجاهدة وقطع دواعي الهوى والنفس.
ولما أراد الله إظهاره أضيف إلى مدرسة أستاذه أبي سعد [1] المخرّمي، فعمرها وما حولها، وأعانه الأغنياء بأموالهم والفقراء بأنفسهم، فكملت في سنة ثمان وعشرين، ثم تصدّر فيها للتدريس، والوعظ، والتذكير، وقصد بالزيارات والنذور من الآفاق، وصنّف وأملى، وسارت بفضله الركبان، ولقب بمجمع الفريقين، وموضح الطريقين، وكريم الجدّين، ومعلّم العراقين، وتلمذ له أكثر الفقهاء في زمنه، ولبس منه الخرقة المشايخ الكبار، وصار قطب الوجود، وأكبر شيوخ اليمن وغيرها تنتسب إليه، وكراماته تخرج عن الحدّ وتفوت الحصر والعدّ، وله نظم فائق رائق. وتاب على يده معظم أهل بغداد، وأسلم معظم اليهود والنصارى على يديه.
قال الشيخ موفق الدّين- وقد سئل عن الشيخ عبد القادر-: أدركناه في آخر عمره، فأسكننا مدرسته، إلى أن قال: ولم أسمع عن أحد يحكى عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عنه، ولا رأيت أحدا يعظمه الناس من أجل الدّين أكثر منه.
وقال الشيخ عز الدّين بن عبد السّلام: ما نقلت إلينا كرامات أحد بالتواتر إلّا الشيخ عبد القادر.
وقال ابن النجار: قال الشيخ عبد القادر: فتشت الأعمال كلها، فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام، أودّ لو كانت الدّنيا بيدي فأطعمها الجياع.
وقال: الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجاب عن ربّك، ما دمت
[1] أقول: وهو المبارك بن علي شيخ الحنابلة، توفي سنة (513) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 428)(ع) .
ترى الخلق لا ترى نفسك، وما دمت ترى نفسك لا ترى ربّك.
وقال ابن السمعاني: هو إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، فقيه صالح ديّن خيّر، كثير الذّكر، دائم الفكر، سريعة الدمعة، كتبت عنه، وكان يسكن بباب الأزج في المدرسة التي بنيت له.
وقال ابن رجب [1] : ظهر الشيخ عبد القادر للناس، وجلس للوعظ بعد العشرين وخمسمائة، وحصل له القبول التام من الناس، واعتقدوا ديانته وصلاحه، وانتفعوا [به و] بكلامه، وانتصر أهل السّنّة بظهوره، واشتهرت أحواله وأقواله وكراماته ومكاشفاته، وهابه الملوك فمن دونهم.
وصنّف الشّطنوفي [2] المصري في أخبار عبد القادر ومناقبه ثلاث مجلدات، ذكر فيه بإسناده إلى موسى ابن الشيخ عبد القادر قال: سمعت والدي يقول: خرجت في بعض سياحاتي إلى البرّيّة ومكثت أياما لا أجد ماء فاشتد بي العطش، فأظلّتني سحابة ونزل عليّ منها شيء يشبه النّدى فرويت، ثم رأيت نورا أضاء به الأفق، وبدت لي صورة، ونوديت منها يا عبد القادر أنا ربّك وقد حللّت لك المحرمات- أو قال ما حرّمت على غيرك- فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اخسأ يا لعين، فإذا ذلك النور ظلام وتلك الصورة دخان، ثم خاطبني وقال: يا عبد القادر نجوت مني بعلمك بحكم ربّك وقوتك في أحوال منازلاتك، ولقد أضللت بهذه الواقعة سبعين من أهل
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 291- 292) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2]
في «آ» : «الصطنوفي» وفي «ط» : «السطيوفي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 585) و «الدرر الكامنة» (4/ 167) و «حسن المحاضرة» (1/ 506) و «الأعلام» (5/ 34) وهو علي بن يوسف بن حريز اللّخمي الشّطنوفي، شيخ الإقراء بالديار المصرية في عصره. مات سنة (713) هـ، واسم كتابه الذي ألمح إليه المؤلف «بهجة الأسرار ومعادن الأنوار» وهو مطبوع كما ذكر الزركلي رحمه الله.
الطريق، فقلت: لربّي الفضل والمنّة. قال: فقيل له: كيف علمت أنه شيطان؟
قال: بقوله: قد حلّلت لك المحرمات.
وذكر فيه أيضا الحكاية المعروفة عن الشيخ عبد القادر أنه قال قدمي هذه على رقبة كل وليّ لله، ساقها عنه من طرق متعددة.
قال ابن رجب: أحسن ما قيل في هذا الكلام ما ذكره السهروردي في «عوارفه» أنه من شطحات الشيوخ التي لا يقتدى بهم فيها، ولا تقدح في مقاماتهم ومنازلهم، فكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلّا المعصوم [صلى الله عليه وسلم] .
وقال ابن رجب أيضا: وكان الشيخ عبد القادر متمسكا في مسائل الصفات والقدر ونحوهما بالسّنّة، مبالغا في الردّ على من خالفها.
قال في كتابه «الغنية» [1] المشهور: وهو بجهة العلو، مستو على العرش، محتو على الملك، يحيط [2] علمه بالأشياء إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 35: 10 [فاطر: 10] . يُدَبِّرُ الْأَمْرَ من السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ 32: 5 [السجدة: 5] ولا يجوز وصفه بأنه في كلّ مكان، بل يقال: إنه في السماء على العرش، كما قال: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 [طه: 5] وذكر آيات وأحاديث إلى أن قال: وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش.
قال: وكونه على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كلّ نبيّ أرسل بلا كيف. وذكر كلاما طويلا، وذكر نحو هذا في سائر الصفات.
وذكر الشيخ أبو زكريا يحيى بن يوسف الصّرصري، الشاعر المشهور،
[1] انظر «الغنية» (1/ 54- 55) مصورة دار الألباب بدمشق، ولكن نقل المؤلف عن «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 296) ووقع في النقل عند ابن رجب تصرف واختصار.
[2]
في «الغنية» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «محيط» .
عن شيخه العارف علي بن إدريس، أنه سأل الشيخ عبد القادر فقال: يا سيدي هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟ فقال: ما كان، ولا يكون.
انتهى ما أورده [1] ابن رجب.
ونقل عن الشيخ عبد القادر أنه قال: كنت أقتات الخرنوب والشوك، وقامة البقل، وورق الخس من جانب النهر والشطّ، وبلغت بي الضائقة في غلاء نزل ببغداد إلى أن بقيت أياما لم آكل فيها طعاما، بل كنت أتتبع المنبوذات أطعمها، فخرجت يوما من شدة الجوع إلى الشطّ لعلي أجد ورق الخس أو البقل أو غير ذلك، فأتقوت به، فما ذهبت إلى موضع إلّا وغيري قد سبقني إليه، وإذا وجدت الفقراء يتزاحمون عليه فأتركه حياء، فرجعت أمشي وسط البلد فلا أدرك منبوذا إلّا وقد سبقت إليه، حتى وصلت إلى مسجد بسوق الريحانيين ببغداد، وقد أجهدني الضعف وعجزت عن التماسك، فدخلت إليه وقعدت في جانب منه، وقد كدت أصافح الموت، إذ دخل شاب أعجمي ومعه خبز رصافي وشواء، وجلس يأكل، فكنت أكاد كلما رفع يده باللقمة أن أفتح في من شدة الجوع، حتّى أنكرت ذلك على نفسي وقلت:
ما هذا! إذ التفت إليّ العجمي فرآني، فقال: باسم الله يا أخي، فأبيت، فأقسم عليّ، فبادرت نفسي فخالفتها، وأقسم أيضا فأجبته، فأكلت، فأخذ يسائلني من أين أنت وبمن تعرف؟ فقلت: أنا متفقّه من جيلان، فقال: وأنا من جيلان، فهل تعرف شابا جيلانيا يسمى عبد القادر يعرف بأبي عبد الله الصومعي الزاهد؟ فقلت: أنا هو، فاضطرب وتغير وجهه، وقال: والله لقد وصلت إلى بغداد ومعي بقية نفقة لي، فسألت عنك فلم يرشدني أحد، ونفدت نفقتي، ولي ثلاثة أيام لا أجد ثمن قوتي إلّا مما كان لك معي، وقد حلّت لي الميتة، وأخذت من وديعتك هذا الخبز والشواء، فكل طيبا، فإنما هو لك وأنا ضيفك
[1] في «ط» : «ما أورد» .
الآن بعد أن كنت ضيفي، فقلت له: وما ذاك؟ فقال: أمّك وجهت لك معي ثمانية دنانير، فاشتريت منها هذا للاضطرار وأنا معتذر إليك، فسكّنته وطيّبت نفسه، ودفعت إليه باقي الطعام وشيئا من الذهب برسم النفقة فقبله وانصرف.
قال: وكنت أشتغل بالعلم فيطرقني الحال فأخرج إلى الصحارى ليلا أو نهارا وأصرخ وأهج على وجهي، فصرخت ليلة فسمعني العيّارون ففزعوا، فجاؤوا فعرفوني، فقالوا: عبد القادر المجنون أفزعتنا، وكان ربما أغشي عليّ فيلفوني ويحسبون أني مت من الحال التي تطرقني.
وربما أردت الخروج من بغداد فيقال لي: ارجع فإن للناس فيك منفعة.
وقال ابن النجار: سمعت عبد الرزاق [1] بن الشيخ عبد القادر يقول:
ولد والدي تسعا وأربعين ولدا، سبع وعشرون ذكورا، والباقي إناث.
ومات الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى بعد عتمة ليلة السبت عاشر ربيع الآخر، وفرغ من تجهيزه ليلا، وصلى عليه ولده عبد الوهاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه وتلامذته، ثم دفن في رواق مدرسته ولم يفتح باب المدرسة حتّى علا النهار، وأهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته، وكان يوما مشهودا.
انتهى.
وبلغ تسعين سنة.
[1] تحرف في «ط» إلى «عبد الرزاق» .