المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة ستين وخمسمائة - شذرات الذهب في أخبار من ذهب - جـ ٦

[ابن العماد الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السادس]

- ‌كلمة حول منتخب شذرات الذهب لابن شقدة

- ‌سنة إحدى وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وخمسمائة

- ‌سنة أربع وخمسمائة

- ‌سنة خمس وخمسمائة

- ‌سنة ست وخمسمائة

- ‌سنة سبع وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وخمسمائة

- ‌سنة تسع وخمسمائة

- ‌سنة عشر وخمسمائة

- ‌سنة إحدى عشرة وخمسمائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وخمسمائة

- ‌سنة أربع عشرة وخمسمائة

- ‌سنة خمس عشرة وخمسمائة

- ‌سنة ست عشرة وخمسمائة

- ‌سنة سبع عشرة وخمسمائة

- ‌سنة ثمان عشرة وخمسمائة

- ‌سنة تسع عشرة وخمسمائة

- ‌سنة عشرين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ست وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة ست وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة أربعين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة ست وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة خمسين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ست وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ستين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وستين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وستين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وستين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وستين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وستين وخمسمائة

- ‌سنة ست وستين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وستين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وستين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وستين وخمسمائة

- ‌سنة سبعين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ست وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمانين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة ست وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة تسعين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ست وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ستمائة

الفصل: ‌سنة ستين وخمسمائة

‌سنة ستين وخمسمائة

فيها وقعت فتنة هائلة بأصبهان بين صدر الدّين عبد اللطيف بن الخجندي وغيره من أصحاب المذاهب، سببها التعصب للمذاهب [1] ، فخرجوا للقتال وبقي الشرّ والقتل ثمانية أيام، قتل فيها خلق كثير، وأحرقت أماكن كثيرة.

وفيها فوّض نور الدّين دمشق إلى صلاح الدّين يوسف بن أيوب، فأظهر السياسة وهذّب الأمور.

وفيها فتح نور الدّين بانياس عنوة.

وفيها توفي أبو العبّاس بن الحطيئة [2] أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام اللّخمي الفاسي، المقرئ الصالح الناسخ.

ولد سنة ثمان وسبعين، وحجّ، وقرأ القراءات على ابن الفحّام، وبرع فيها، وكان لأهل مصر فيه اعتقاد كثير، توفي في المحرم ودفن بالقرافة.

وفيها أمير ميران أخو السلطان نور الدّين [3] . أصابه سهم في عينه على حصار بانياس، فمات منه بدمشق، رحمه الله تعالى.

[1] في «آ» و «ط» : «للمذهب» وما أثبتناه من «العبر» (4/ 169) .

[2]

تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحطية» وفي «العبر» «الحطئة» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (20/ 344) وانظر التعليق عليه.

[3]

انظر «العبر» (4/ 169) و «النجوم الزاهرة» (5/ 367) .

ص: 314

وفيها أبو النّدى حسّان بن تميم الزّيّات [1] . رجل حاج صالح. روى عن نصر المقدسي، وتوفي في رجب عن بضع وثمانين سنة، وروت عنه كريمة.

وفيها أبو المظفّر الفلكي [2] سعيد بن سهل، الوزير النيسابوري ثم الخوارزمي، [وزير خوارزم] شاه [3] . روى مجالس عن أحمد المديني، ونصر الله الخشنامي، وحجّ وتزهد، وأقام بدمشق بالسميساطيّة، وكان صالحا متواضعا، توفي في شوال.

وفيها أبو المعمّر الهاطر حذيفة بن سعد الأزجي الوزّان [4] . روى عن أبي الفضل بن خيرون وجماعة، وتوفي في رجب.

وفيها رستم بن علي بن شهريار صاحب مازندران. استولى في العام الماضي على بسطام، وقومس، واتسعت مملكته، مات في ربيع الأول، وتملّك بعده ابنه علاء الدّين حسن.

وفيها عبد الله بن سعد بن الحسين بن الهاطر العطار الحنبلي، وهو حذيفة المتقدم. كان اسمه حذيفة فغيّره، وصار يكتب عبد الله. قرأ القرآن بالروايات على أبي الخطّاب بن الجرّاح وغيره، وسمع الحديث من ابن طلحة وغيره، وتفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وحدّث، وروى عنه أبو جعفر السهروردي وغيره. توفي يوم الاثنين ثامن رجب، وصلى عليه الشيخ عبد القادر الكيلاني من الغد، ودفن بباب حرب.

[1] انظر «العبر» (4/ 170) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 397) و «النجوم الزاهرة» (5/ 367) .

[2]

تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العلكي» والتصحيح من «العبر» (4/ 170) و «النجوم الزاهرة» (5/ 370) .

[3]

ما بين حاصرتين سقط من «آ» .

[4]

انظر «العبر» (4/ 170) .

ص: 315

وفيها أبو الحسين اللبّاد علي بن أحمد الأصبهاني. سمع أبا بكر بن ماجة، ورزق الله التميمي وطائفة، وأجاز له أبو بكر بن خلف، وتوفي في شوال.

وفيها أبو القاسم بن البزري، عمر بن محمد الشافعي جمال الإسلام، إمام جزيرة ابن عمر وفقيهها ومفتيها ومدرّسها. رحل إلى بغداد، وأخذ عن الغزالي وإلكيا [1] وجماعة، وبرع في المذهب ودقائقه، وصنّف كتابا في حلّ مشكلات «المهذّب» وكان من أهل العلم والدّين بمحلّ رفيع.

قال ابن خلّكان [2] : كان أحفظ من بقي في الدّنيا على ما يقال لمذهب الشافعي، انتفع به خلق كثير، ولم يخلّف بالجزيرة مثله.

ولد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وتوفي في أحد الربيعين.

والبزري: منسوب إلى عمل البزر، وهو الدّهن من حبّ الكتان.

وفيها أبو عبد الله الحرّاني محمد بن عبد الله بن العبّاس المعدّل [3] ببغداد. سمع رزق الله التميمي، وهبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري، وطراد ابن محمد [الزّينبي] ، وكان أديبا فاضلا ظريفا. توفي في جمادى الأولى.

وفيها القاضي أبو يعلى الصغير الحنبلي محمد بن أبي خازم محمد ابن القاضي أبي يعلى الكبير بن الفراء البغدادي [4] شيخ المذهب، تفقّه على أبيه وعمه أبي الحسين، وكان مناظرا فصيحا مفوّها ذكيا، ولي قضاء واسط مدة، ثم عزل منها، فلزم منزله وأضرّ بأخرة.

[1] تحرفت في «ط» إلى «والكبار» وإلكيا لقب الإمام علي بن محمد بن علي الهرّاسي، وقد تقدمت ترجمته في حوادث سنة (504) انظر ص (14- 17) .

[2]

انظر «وفيات الأعيان» (3/ 445) .

[3]

انظر «العبر» (4/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 352- 353) وما بين حاصرتين زيادة منه.

[4]

انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 353- 354) ، و «العبر» (4/ 171- 172) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 244- 250) و «المنهج الأحمد» (2/ 328- 330) .

ص: 316

قال ابن رجب: ولد يوم السبت لثمان عشرة من شعبان سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وسمع الحديث من أبي البركات العاقولي، وأبي علي الثّككيّ [1] وغيرهما، وأجازه الحريري صاحب «المقامات» ودرّس وناظر في شبيبته، وكان ذا ذكاء مفرط وذهن ثاقب وفصاحة وحسن عبارة [2] ، ظهر علمه في الآفاق، ورأى من تلاميذه من ناظر ودرّس وأفتى في حياته.

ومما كتبه [3] إلى بعض العلماء: فلو أن للكرم [4] مقلة لكان هو إنسانها، أو للمجد [5] لغة لكان هو لسانها، أو للسؤدد دهرا لكان هو ربيع أزمانه، وللشرف عمرا لكان [هو] صفو ريعانه، وللأجواد شهبا لكان هو الشمس التي إذا ظهرت خفيت الكواكب لظهورها، وإذا تأمّلها الراؤون ردّت أبصارهم عن شعاعها ونورها.

ولابن الجوزي فيه مدائح كثيرة، وله مصنفات كثيرة، منها:

«المفردات» و «التعليقة» في مسائل الخلاف، و «شرح المذهب» وكتاب «النّكت والإشارات» .

وقرأ عليه المذهب جماعة كثيرة، منهم أبو إسحاق الصقّال، وأبو العبّاس القطيعي، وأبو البقّال العكبري، ويحيى بن الرّبيع الشافعي، وسمع منه جماعة كثيرة أيضا، وتوفي ليلة السبت سحر خامس جمادى الأولى.

وفيها أبو طالب العلويّ الشريف محمد بن محمد بن محمد بن أبي

[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الثكلى» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (19/ 259) و «ذيل طبقات الحنابلة» .

[2]

في «ط» : «حسن العبارة» .

[3]

في «آ» : «ومن كتبه» .

[4]

كذا في «آ» و «ط» : «للكرم» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «الكرم» .

[5]

في «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «المجد» .

ص: 317

زيد الحسني البصري [1] ، نقيب الطالبيين بالبصرة. روى عن أبي علي التّستري، وجعفر العبّاداني، وجماعة، واستقدمه [2] ابن هبيرة لسماع «السنن» [3] . توفي في ربيع الأول عن إحدى وتسعين سنة.

وفيها أبو الحسن بن التلميذ، أمين الدولة هبة الله بن صاعد المصري البغدادي، شيخ قومه وقسّيسهم- لعنهم الله- وشيخ الطب وجالينوس العصر، وصاحب التصانيف. مات في ربيع الأول وله أربع وتسعون سنة. قاله في «العبر» [4] .

وقال صاحب «أنموذج الأعيان» : كان شيخا زيني المنظر، عذب المجتلى والمجتنى، لطيف الرّوح، ظريف الشخص، مصنّف الفكر، حازم الرأي، والله يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يريد بعدله، وله لغز في ميزان:

ما واحد مختلف الأسماء

يعدل في الأرض وفي السماء

يحكم بالقسط بلا مراء [5]

أعمى يري الإرشاد كل راء

أخرس لا من علّة وداء

يغني عن التصريح بالإيماء

يجيب إن ناداه ذو امتراء

بالخفض والرّفع عن النداء

يفصح إن علّق في الهواء

وقوله مختلف الأسماء: يعني ميزان الشمس الأسطرلاب، وميزان الكلام النحو، وميزان الشعر العروض.

[1] انظر «العبر» (4/ 72) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 423- 425) .

[2]

في «آ» و «ط» : «واستفاد به» والتصحيح من «العبر» .

[3]

يعني «سنن أبي داود» كما في «سير أعلام النبلاء» .

[4]

انظر «العبر» (4/ 172) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 354) .

[5]

في «وفيات الأعيان» (6/ 69) : «بلا رياء» .

ص: 318

وفيها ياغي [1] أرسلان بن الداشمند صاحب ملطية، جرى بينه وبين جاره قلج أرسلان حروب عديدة، ثم مات وولى بعده ابن أخيه إبراهيم بن محمد، فصالح قلج أرسلان.

وفيها الوزير عون الدّين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد الشيباني [2] وزير المقتفى وابنه. ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة بالسواد، ودخل بغداد شابا فطلب العلم وتفقّه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وسمع الحديث، وقرأ القراءات، وشارك في الفنون، وصار من فضلاء زمانه. ثم احتاج فدخل في الكتابة، وولي مشارفة الخزانة، ثم ترقّى وولي ديوان الخواص [3] ثم استوزره المقتفي، فبقي وزيرا إلى أن مات، وكان شامة بين الوزراء لعدله ودينه وتواضعه ومعرفته. روى عن أبي عثمان بن ملّة وجماعة، ولما ولّاه المقتفي امتنع من لبس خلعة الحرير وحلف أن لا يلبسها، وذا شيء لا يفعله قضاة زماننا ولا خطباؤهم [4] وكان مجلسه معمورا بالعلماء والفقهاء، والبحث وسماع الحديث، شرح «صحيحي» البخاري ومسلم، وألّف كتاب «العبادات في مذهب أحمد» ومات شهيدا مسموما في جمادى الأولى، ووزر بعده شرف الدّين أبو جعفر بن البلدي. قاله في «العبر» .

وقال ابن رجب [5] : صحب أبا عبد الله محمد بن يحيى الزّبيدي الواعظ الزاهد من حداثته، وكمّل عليه فنونا من العلوم الأدبية وغيرها، وأخذ عنه التأله والعبادة، وانتفع بصحبته حتّى إن الزبيدي كان يركب جملا ويعتم

[1] في «آ» و «ط» : «باغي» بالباء الموحدة، وما أثبته من «العبر» (4/ 172) .

[2]

انظر «العبر» (4/ 172- 173) .

[3]

في «العبر» بطبعتيه: «ديوان الخاص» .

[4]

في «العبر» بطبعتيه: «وخطباؤه» .

[5]

انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 251- 289) .

ص: 319

بفوطة، ويلويها تحت حنكه، وعليه جبّة صوف، وهو مخضوب بالحناء، فيطوف بأسواق بغداد ويعظ الناس، وزمام جمله بيد [أبي المظفّر] بن هبيرة، وهو أيضا معتم بفوطة من قطن، قد لواها تحت حنكه، وعليه قميص قطن خام، قصير الكم والذيل، وكلما وصل الزّبيدي موضعا أشار ابن هبيرة بمسبحته، ونادى برفيع صوته: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.

وقال ابن الجوزي: كانت له معرفة حسنة بالنحو، واللغة، والعروض، وصنّف في تلك العلوم، وكان شديدا في اتباع السّنّة وسير السلف.

وقال ابن رجب: صنّف الوزير أبو المظفّر كتاب «الإفصاح عن معاني الصحاح» في عدة مجلدات، وهو شرح «صحيحي» البخاري ومسلم، ولما بلغ فيه إلى حديث:«من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» [1] شرح الحديث، وتكلّم على معنى الفقه، وآل به الكلام إلى ذكر [2] مسائل الفقه المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين، وقد أفرده الناس من الكتاب وجعلوه بمفرده مجلدة وسموه بكتاب «الإفصاح» وهو قطعة منه، وهذا الكتاب صنّفه في ولايته الوزارة، واعتنى به، وجمع عليه أئمة المذاهب، وأوفدهم من البلدان إليه لأجله، بحيث أنفق على ذلك مائة ألف دينار، وثلاثة عشر ألف دينار، وحدّث به، واجتمع الخلق العظيم لسماعه عليه.

[1] قطعة من حديث رواه البخاري رقم (71) في العلم: باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدّين، و (3116) في فرض الخمس: باب قول الله تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ 8: 41 [الأنفال: 41] و (7312) في الاعتصام: باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهم أهل العلم» ومسلم رقم (1037)(2/ 718) في الزكاة: باب النهي عن المسألة. و (1037)(175)(3/ 1524) باب قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم» من حديث معاوية رضي الله عنه.

[2]

في «آ» : «إلى أن ذكر» .

ص: 320

واشتغل به الفقهاء في ذلك الزمان على اختلاف مذاهبهم.

واستدعاه المقتفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة إلى داره، وقلّده الوزارة، وخلع عليه، وخرج في أبهة عظيمة، ومشى أرباب الدولة وأصحاب المناصب كلهم [1] بين يديه، وهو راكب. وحضر القراء والشعراء، وكان يوما مشهودا. وقرئ عهده، وخوطب فيه بالوزير العالم العادل عون الدّين جلال الإسلام صفي الإمام، شرف الأنام، معزّ الدولة، مجير الملّة، عماد الأمة مصطفى الخلافة، تاج الملوك والسلاطين، صدر الشرق والغرب، سيد الوزراء.

وقال يوما: لا تقولوا في ألقابي سيد الوزراء، فإن الله تعالى سمّى هارون وزيرا، وجاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّ وزيريه من أهل السّماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر» [2] .

وقال مرّة في وزارته: والله لقد كنت أسأل الله الدنيا لأخدم بما يرزقنيه منها العلم وأهله.

وكان سبب هذا أنه ذكر في مجلسه مفردات الإمام أحمد، التي تفرّد

[1] لفظة «كلهم» سقطت من «ط» .

[2]

أقول: وذلك فيما رواه الترمذي رقم (3680) في المناقب: باب رقم (17) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وإسناده ضعيف وذكره أيضا أبو نعيم في «حلية الأولياء» (8/ 160) والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (3/ 298) والهيثمي في «مجمع الزوائد» .

(9/ 51) من حديث عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما بلفظ: «إن الله عز وجل أيدني بأربعة وزراء نقباء» قلنا يا رسول الله من هؤلاء الأربع؟ قال: «اثنين من أهل السماء واثنين من أهل الأرض» فقلت: من الاثنين من أهل السماء؟ قال: «جبريل وميكائيل» قلنا من الاثنين من أهل الأرض؟ قال: «أبو بكر وعمر» وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه محمد بن محبب الثقفي وهو كذاب، ورواه البزار بمعناه، وفيه عبد الرحمن بن مالك بن مغول وهو كذاب، ومع ذلك فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وهذا من تساهله، رحمه الله تعالى.

ص: 321

بها [1] عن الثلاثة [2] فادعى أبو محمد الأشيري [3] المالكي: أنها رواية عن مالك، ولم يوافقه على ذلك أحد، وأحضر الوزير كتب مفردات أحمد، وهي منها، والمالكي مقيم على دعواه، فقال له الوزير: بهيمة أنت؟ أما تسمع هؤلاء يشهدون بانفراد أحمد بها، والكتب المصنّفة، وأنت تنازع، وتفرّق المجلس، فلما كان المجلس الثاني، واجتمع الخلق للسماع، أخذ ابن شافع في القراءة، فمنعه الوزير، وقال: كان الفقيه أبو محمد جريء في مسألة أمس على ما لا يليق به من العدول عن الأدب والانحراف عن نهج النظر، حتى قلت تلك الكلمة- أي قوله أنت بهيمة- وها أنا فليقل لي كما قلت له، فلست بخير منكم، ولا أنا إلّا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، وارتفعت الأصوات بالدعاء والثناء، وأخذ الأشيري يعتذر ويقول: أنا المذنب والأولى بالاعتذار من مولانا الوزير، ويقول القصاص القصاص، فقال يوسف الدمشقي: إذا فالفداء، فقال له الوزير: له حكمه، فقال الأشيري: نعمك عليّ كثيرة، فأيّ حكم بقي لي؟ فقال: قد جعل الله لك الحكم علينا، فقال:

على بقية دين منذ كنت بالشام، فقال الوزير: يعطى مائة دينار لإبراء ذمته وذمتي، فأحضرت له.

وقال ابن الجوزي: كان يتحدث بنعم الله عليه، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم، فيقول: نزلت يوما إلى دجلة، وليس معي رغيف أعبر به.

ودخل عليه يوما تركي، فقال لحاجبه: أما قلت [4] لك: أعط هذا

[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «مفردة للإمام أحمد تفرّد بها» ولفظة «بها» أثبتها منه وكانت في «آ» و «ط» : «لها» .

[2]

يعني عن الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي، رحمهم الله تعالى.

[3]

في «آ» : «الأشير» وفي «ط» : «الأشيري» وهو ما أثبته وهو الصواب، وانظر سير أعلام النبلاء (20/ 466) و «اللباب في تهذيب الأنساب» (1/ 68) .

[4]

في «آ» و «ط» : «ما قلت» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .

ص: 322

عشرين دينارا، وكرّا [1] من الطعام، وقل له: لا تحضر هاهنا فقال: قد أعطيناه. فقال: عد وأعطه، وقل له: لا تحضر، ثم التفت إلى الجماعة فقال: هذا كان شحنة [2] في القرى، فقتل قتيل قريبا [3] من قريتنا، فأخذ مشايخ القرى وأخذني مع الجماعة، وأمشاني مع الفرس، وبالغ في أذاي وأوثقني ثم أخذ من [كل] واحد شيئا وأطلقه، ثم قال لي: أي شيء معك؟

قلت: ما معي شيء [4][، فانتهرني، وقال: اذهب. فأنا لا أريد اليوم أذاه، وأبغض رؤيته، وذكر: أن الوزير قال:][5] وما نقمت عليه إلّا أني سألته في الطريق أن يمهلني حسبما أصلي الفرض، فما أجابني وضربني [على رأسي وهو مكشوف عدة مقارع][6] .

وقال ابن الجوزي: كنا نجلس إلى ابن هبيرة فيملي علينا كتابه «الإفصاح» فبينا نحن كذلك إذ قدم علينا رجل ومعه رجل ادعى عليه أنه قتل أخاه، فقال له عون الدّين [7] : أقتلته؟ قال: نعم. جرى بيني وبينه كلام فقتلته، فقال الخصم: سلّمه إلينا حتّى نقتله فقد أقرّ بالقتل، فقال عون الدّين: أطلقوه ولا تقتلوه، قالوا: كيف ذلك، وقد قتل أخانا؟ قال: فتبيعونيه، فاشتراه منهم بستمائة دينار، وسلّم الذهب إليهم وذهبوا، وقال للقاتل: اقعد عندنا

[1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : و «كذا» والكرّ: واحد أكرار الطعام، والكرّ ستّون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف. انظر «لسان العرب» (كرر) .

[2]

في «آ» و «ط» : «سجنه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . وانظر التعليق على «دول الإسلام» (2/ 76) .

[3]

في «آ» و «ط» : «قريب» .

[4]

في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ما معي شيئا» .

[5]

ما بين حاصرتين لم يرد في «آ» و «ط» وأثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .

[6]

ما بين حاصرتين تقدم في «آ» و «ط» إلى عدة أسطر من النص فأعدته إلى مكانه كما في «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.

[7]

يعني ابن هبيرة، وعون الدّين لقبه كما تقدم أول الترجمة.

ص: 323

لا تبرح. قال: فجلس عندهم وأعطاه الوزير خمسين دينارا. قال: فقلنا للوزير:

لقد أحسنت إلى هذا وعملت معه أمرا عظيما وبالغت في الإحسان إليه. فقال الوزير: منكم أحد يعلم أن عيني اليمنى لا أبصر بها شيئا؟ فقلنا: معاذ الله، فقال: بلى والله. أتدرون ما سبب ذلك؟ قلنا: لا. قال: هذا الذي خلّصته من القتل جاء إليّ وأنا في الدور ومعي كتاب من الفقه أقرأ فيه ومعه سلّة فاكهة، فقال: احمل هذه السلّة، قلت له: ما هذا شغلي فاطلب غيري، فشاكلني، ولكمني، فقلع عيني ومضى، ولم أره بعد ذلك إلى يومي هذا.

فذكرت ما صنع بي فأردت أن أقابل إساءته إليّ بالإحسان مع القدرة.

وقال صاحب سيرته: كنا عنده يوما والمجلس غاص بولاة الدّين والدّنيا، والأعيان [1] الأماثل، وابن شافع يقرأ عليه الحديث، إذ فجأنا من باب السّتر وراء ظهر الوزير صراخ بشع وصياح مرتفع، فاضطرب له المجلس، فارتاع الحاضرون والوزير ساكن ساكت، حتى أنهى ابن شافع قراءة الإسناد ومتنه، ثم أشار الوزير إلى الجماعة أن على رسلكم، وقام ودخل السّتر، ولم يلبث أن خرج فجلس وتقدم بالقراءة، فدعا له ابن شافع والحاضرون، وقالوا: قد أزعجنا ذلك الصياح، فإن رأى مولانا أن يعرّفنا سببه؟ فقال الوزير: حتى ينتهي المجلس، وعاد ابن شافع إلى القراءة حتّى غابت الشمس وقلوب الجماعة متعلقة بمعرفة الحال، فعاودوه، فقال: كان لي ابن صغير مات حين سمعتم الصياح عليه ولولا تعين الأمر عليّ بالمعروف في الإنكار عليهم ذلك الصياح لما قمت عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعجب الحاضرون من صبره.

وقال في كتابه «الإفصاح» في الخضر الذي لقيه موسى عليه السلام:

[1] في «آ» و «ط» : «وأعيان» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .

ص: 324

قيل: كان ملكا وقيل بشرا وهو الصحيح، ثم قيل: إنه عبد صالح ليس بنبيّ وقيل: بل نبيّ هو الصحيح. والصحيح عندنا أنه حيّ، وأنه يجوز أن يقف على باب أحدنا مستعطيا له، أو غير ذلك.

وقال ابن الجوزي: أنشدنا لنفسه:

يلذّ بهذا العيش من ليس يعقل

ويزهد فيه الألمعيّ المحصّل

ما عجب نفس أن ترى الرأي إنما ال

عجيبة نفس مقتضى الرأي تفعل

إلى الله أشكو همّة دنيوية

ترى النصّ إلّا أنها تتأوّل

ينهنهها موت الشباب فترعوي

ويخدعها روح الحياة فتغفل

وفي كل جزء ينقضي من زمانها

من الجسم جزء مثله يتحلل

فنفس الفتى في سهوها وهي تنقضي

وجسم الفتى في شغله وهو يعمل

قال: وأنشدنا لنفسه:

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه

وأراه أسهل ما عليك يضيع

قال: وأنشدنا لنفسه أيضا:

الحمد لله هذا العين لا الأثر

فما الذي باتّباع الحقّ ينتظر

وقت يفوت وأشغال معوّقة

وضعف عزم ودار شأنها الغير

والنّاس ركضى إلى مهوى مصارعهم

وليس عندهم من ركضهم خبر

تسعى بها خادعات من سلامتهم

فيبلغون إلى المهوى وما شعروا

والجهل أصل فساد النّاس كلهم

والجهل أصل عليه يخلق البشر

وإنما العلم عن ذي الرشد يطرحه

كما عن الطفل يوما تطرح السّرر

وأصعب الداء داء لا يحس به

كالدّقّ يضعف حسّا وهو يستعر

وإنما لم يحسّ المرء موقعها [1]

لأن أجزاءه قد عمّها الضرر

ص: 325

وذكر ياقوت الحموي في «معجمه» بإسناد له أن الوزير عرضت عليه جارية فائقة الحسن، وأظهر له في المجلس من أدبها وحسن كتابتها وذكائها وظرفها ما أعجبه، فأمر فاشتريت له بمائة وخمسين دينارا، وأمر أن يهيأ لها منزل وجارية، وأن يحمل لها من الفرش والآنية والثياب ما تحتاج إليه، ثم بعد ثلاثة أيام جاءه الذي باعها وشكا له ألم فراقها، فضحك وقال له: لعلك تريد ارتجاع الجارية؟ قال: إي والله، وهذا الثمن بحاله لم أتصرف فيه وأبرزه، فقال الوزير: ولا نحن تصرفنا في المثمّن، ثم قال لخادمه: ادفع إليه الجارية وما عليها وجميع ما في حجرتها، ودفع إليه الخرقة التي فيها الثمن، وقال استعينا به على شأنكما، فأكثرا من الدعاء له، فأخذها وخرج.

وحكي عنه أنه كان إذا مدّ السماط أكثر ما يحضره الفقراء والعميان، فلما كان ذات يوم وأكل الناس وخرجوا، بقي رجل ضرير يبكي ويقول:

سرقوا متاعي وما لي غيره، وو الله ما أقدر على ثمن مداس، فقام الوزير من مجلسه، ولبس مداسه وجاء إلى الضرير، فوقف عنده وخلع مداسه والضرير لا يعرف، وقال له: البس هذا وأبصره قدر رجلك؟ فلبسه وقال: نعم كأنه مداسي، ومضى الضرير ورجع الوزير إلى مجلسه وهو يقول: سلمت منه أن يقول: أنت سرقته.

وأخبار الوزير- رحمه الله تعالى- ومناقبه كثيرة جدا. وقد مدحه الشعراء فأكثروا. منهم الحيص بيص، وابن بختيار الأبله، وابن التّعاويذي، والعماد الكاتب، وخلق كثير.

قال ابن الجوزي: كان الوزير يتأسف على ما مضى من زمانه، ويندم على ما دخل فيه، ثم صار يسأل الله عز وجل الشهادة، ونام ليلة الأحد ثالث عشر جمادى الأولى في عافية، فلما كان وقت السحر، حضر طبيب كان يخدمه، فسقاه شيئا، فيقال: إنه سمّ فمات، وسقي الطبيب بعده بنحو ستة

ص: 326

أشهر سما، فكان يقول: سقيت كما سقيت.

وحملت جنازة الوزير إلى جامع القصر وصلّي عليه، ثم حمل إلى مدرسته التي أنشأها بباب البصرة، فدفن بها، وغلّقت يومئذ أسواق بغداد، وخرج جمع لم نره لمخلوق قطّ، وكثر البكاء عليه، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

ص: 327