المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة تسع وعشرين وخمسمائة - شذرات الذهب في أخبار من ذهب - جـ ٦

[ابن العماد الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السادس]

- ‌كلمة حول منتخب شذرات الذهب لابن شقدة

- ‌سنة إحدى وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وخمسمائة

- ‌سنة أربع وخمسمائة

- ‌سنة خمس وخمسمائة

- ‌سنة ست وخمسمائة

- ‌سنة سبع وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وخمسمائة

- ‌سنة تسع وخمسمائة

- ‌سنة عشر وخمسمائة

- ‌سنة إحدى عشرة وخمسمائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وخمسمائة

- ‌سنة أربع عشرة وخمسمائة

- ‌سنة خمس عشرة وخمسمائة

- ‌سنة ست عشرة وخمسمائة

- ‌سنة سبع عشرة وخمسمائة

- ‌سنة ثمان عشرة وخمسمائة

- ‌سنة تسع عشرة وخمسمائة

- ‌سنة عشرين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ست وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وعشرين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة ست وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وخمسمائة

- ‌سنة أربعين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة ست وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وأربعين وخمسمائة

- ‌سنة خمسين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ست وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وخمسين وخمسمائة

- ‌سنة ستين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وستين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وستين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وستين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وستين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وستين وخمسمائة

- ‌سنة ست وستين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وستين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وستين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وستين وخمسمائة

- ‌سنة سبعين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ست وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وسبعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمانين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة ست وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وثمانين وخمسمائة

- ‌سنة تسعين وخمسمائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة أربع وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة خمس وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ست وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة سبع وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ثمان وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة تسع وتسعين وخمسمائة

- ‌سنة ستمائة

الفصل: ‌سنة تسع وعشرين وخمسمائة

‌سنة تسع وعشرين وخمسمائة

فيها هجم على سرادق المسترشد بالله أبي منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن محمد بن القائم الهاشمي العبّاسي، سبعة عشر من الباطنية فقتلوه وقتلوا بظاهر مراغة، وكانت ولادته في ربيع الأول، سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وبويع له بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وكان ذا همة عالية، وشهامة زائدة، وإقدام، ورأي، وهيبة شديدة. ضبط الأمور- أي أمور الخلافة- ورتبها أحسن ترتيب، وأحيا رميمها، ونشر عظامها، وشيّد أركان الشريعة، وطرّز أكمامها، وباشر الحروب بنفسه، وخرج عدة نوب إلى الحلّة، والموصل، وطريق خراسان، إلى أن خرج النّوبة الأخيرة وكسر جيشه بقرب همذان، وأخذ أسيرا إلى أذربيجان في هذه السنة.

وكان قد سمع الحديث من أبي القاسم بن بيان، وعبد الوهاب بن هبة الله السبتي. وروى عنه محمد بن عمر بن مكّي الأهوازي، ووزيره علي ابن طراد، وإسماعيل بن طاهر الموصلي.

وذكره ابن الصلاح في «طبقات الشافعية» وناهيك بذلك، فإنه قال: هو الذي صنّف له أبو بكر الشاشي كتابه «العمدة» في الفقه، وبلقبه اشتهر الكتاب، فإنه كان حينئذ يلقب عمدة الدّنيا والدّين.

ص: 143

وذكره ابن السبكي في «طبقات الشافعية» [1] فقال: كان في أول أمره تنسّك، ولبس الصوف، وانفرد في بيت للعبادة، وكان مولده يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان سنة ست وثمانين وأربعمائة، وخطب له أبوه بولاية العهد، ونقش اسمه على السكّة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين، وكان مليح الخط، ما كتب أحد من الخلفاء قبله مثله، يستدرك على كتّابه ويصلح أغاليط في كتبهم. وأما شهامته وهيبته وشجاعته وإقدامه، فأمر أشهر من الشمس. ولم تزل أيامه مكدرة بكثرة التشويش والمخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك، إلى أن خرج الخرجة الأخيرة إلى العراق، فكسر [2] وأخذ، ورزق الشهادة.

وقال الذهبي: مات السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه سنة خمس وعشرين، فأقيم ابنه داود مكانه، فخرج عليه عمه مسعود بن محمد، فاقتتلا ثم اصطلحا على الاشتراك بينهما، ولكلّ مملكة، وخطب لمسعود بالسلطنة ببغداد ومن بعده لداود، وخلع عليهما، ثم وقعت بين الخليفة ومسعود، وحشة [3] فخرج لقتاله، فالتقى الجمعان، وغدر بالخليفة أكثر عسكره، فظفر به مسعود، وأسر الخليفة وخواصّه، فحبسهم بقلعة بقرب همذان، فبلغ أهل بغداد ذلك، فحثوا في الأسواق على رؤوسهم التراب، وبكوا وضجوا، وخرج النساء حاسرات يندبن الخليفة، ومنعوا الصلاة والخطبة.

قال ابن الجوزي: وزلزلت بغداد مرارا كثيرة، ودامت كل يوم خمس مرّات أو ست مرات، والناس يستغيثون، فأرسل السلطان سنجر إلى ابن أخيه مسعود يقول: ساعة وقوف الولد غياث الدّنيا والدّين على هذا المكتوب، يدخل على أمير المؤمنين، ويقبّل الأرض بين يديه، ويسأله العفو والصفح،

[1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 258) .

[2]

في «تاريخ الخلفاء» ص (432) وهو مصدر المؤلف: «وانكسر» .

[3]

لفظة «وحشة» لم ترد في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي.

ص: 144

ويتنصل غاية التنصل، فقد ظهر عندنا من الآيات السماوية والأرضية ما لا طاقة لنا بسماع مثلها، فضلا عن المشاهدة: من العواصف، والبروق، والزلازل، ودوام [1] ذلك عشرين يوما، وتشويش العساكر، وانقلاب البلدان.

ولقد خفت على نفسي من جانب الله، وظهور آياته، وامتناع الناس من الصلوات في الجوامع، ومنع الخطباء ما لا طاقة لي بحمله، فالله الله، تتلافى [2] أمرك وتعيد أمير المؤمنين إلى مقرّ [3] عزّة، وتحمل الغاشية [4] بين يديه كما جرت عادتنا وعادة آبائنا، ففعل مسعود جميع ما أمر به، وقبّل الأرض بين يدي الخليفة، ووقف يسأل العفو.

ثم أرسل سنجر رسولا آخر ومعه عسكر يستحثّ مسعود على إعادة الخليفة إلى مقرّ عزّة، فجاء في العسكر سبعة عشر من الباطنية، فذكر أن مسعودا ما علم بهم، وقيل: بل هو الذي دسّهم، فهجموا على الخليفة في مخيّمه [5] ففتكوا به، وقتلوا معه جماعة من أصحابه، فما شعر بهم العسكر إلّا وقد فرغوا من شغلهم، فأخذوهم وقتلوهم إلى لعنة الله، وجلس السلطان للعزاء، وأظهر المساءة بذلك، ووقع النحيب والبكاء، وجاء الخبر إلى بغداد، فاشتد ذلك على الناس، وخرجوا حفاة مخرّقين الثياب، والنساء ناشرات الشعور يلطمن ويقلن المراثي، لأن المسترشد كان محببا فيهم [ببرّه] ، ولما فيه [6] من الشجاعة والعدل والرّفق بهم.

[1] في «تاريخ الخلفاء» : «ودام» .

[2]

تصحفت في «آ» و «ط» إلى «بتلاقي» والتصحيح من «المنتظم» (10/ 47) و «تاريخ الخلفاء» ص (433) .

[3]

في «المنتظم» : «مستعر» وفي «تاريخ الخلفاء» : «منرّ» وهي محرّفة من «مقرّ» .

[4]

في «آ» و «ط» : «الفاشية» وهو تحريف، والتصحيح من «المنتظم» و «تاريخ الخلفاء» .

[5]

في «تاريخ الخلفاء» : «خيمته» .

[6]

لفظة «ببرّه» سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «تاريخ الخلفاء» وقوله: «لما فيه» تحرف في «ط» إلى «بمرة شافية» .

ص: 145

وقتل المسترشد بمراغة يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة.

وقال الذهبي: وقد خطب المسترشد [1] بالناس يوم عيد أضحى، فقال:

الله أكبر ما سحّت [2] الأنواء، وأشرق الضياء، وطلعت ذكاء، وعلت على الأرض السماء، الله أكبر ما همع [3] سحاب، ولمع سراب، وأنجح طلاب، وسرّ قادما إياب. وذكر خطبة بليغة ثم جلس، ثم قام فخطب وقال: اللهم أصلحني في ذريتي وأعني على ما ولّيتني وأوزعني شكر نعمتك، ووفقني وانصرني، فلما فرغ منها وتهيأ للنزول بدره أبو المظفر الهاشمي فأنشده:

عليك سلام الله يا خير من علا

على منبر قد حفّ أعلامه النّصر

وأفضل من أمّ الأنام وعمّهم

بسيرته الحسنى وكان له الأمر

وهي طويلة.

وبالجملة فإنه كان من حسنات الخلفاء، رحمه الله تعالى.

وفيها، أو في التي قبلها، الحسن بن أحمد بن جكّينا [4] ، الشاعر المشهور.

قال العماد الكاتب: أجمع أهل بغداد على أنه لم يرزق أحد من الشعراء لطافة طبعه، وكان يلقب بالبرغوث ومن شعره:

لافتضاحي في عوارضه

سبب والنّاس لوّام

كيف يخفى ما أكابده

والذي أهواه نمّام

وله أيضا:

[1] لفظة «المسترشد» لم ترد في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي.

[2]

كذا في «آ» و «ط» : «ما سحّت» أي ما سالت الأمطار وفي «تاريخ الخلفاء» : «ما سبحت» .

[3]

في «آ» : «ماهع» وفي «تاريخ الخلفاء» : «ما همى» . وجاء في «مختار الصحاح» (همع) :

وسحاب همع، أي ماطر.

[4]

تصحفت في «آ» و «ط» إلى «حكّينا» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» (11/ 387) و «فوات الوفيات» (1/ 319) .

ص: 146

لمّا بدا خطّ العذا

ريزين عارضه [1] بمشق

وظننت أنّ سواده

فوق البياض كتاب عتقي [2]

فإذا به من سوء حظ

ي عهدة كتبت برقّي

وفيها- أو في التي قبلها- علي بن عطية اللّخمي البلنسي، الشاعر المشهور، عرف بابن الزقّاق. كان شاعرا مفلقا حسن السبك رشيق العبارة.

ومن شعره قوله في غلام أصابته جراحة في وجنته:

وما شق وجنته عابثا

ولكنها آية للبشر

جلاها لنا الله كيما نرى

بها كيف كان انشقاق القمر

وفيها- أو في التي قبلها، وبه جزم ابن خلّكان وابن شهبة [3]- محمد ابن عبد الله بن أحمد أبو نصر الأرغياني- بالفتح، فالسكون، فكسر المعجمة، وفتح التحتية، نسبة إلى أرغيان، من نواحي نيسابور- الشافعي صاحب «الفتاوى» المعروفة، وهي في مجلدين ضخمين، يعبر عنها تارة ب «فتاوى الأرغياني» وتارة ب «فتاوى إمام الحرمين» لأنها أحكام مجرّدة، أخذها مصنّفها من «النهاية» . قرأ على إمام الحرمين. وسمع من أبي الحسن الواحدي المفسر، وروى عنه في تفسير قوله تعالى: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ 12: 94 [يوسف: 94] فقال: إن ريح الصبا استأذنت ربها أن تأتي يعقوب عليه السلام بريح يوسف عليه السلام، قبل أن يأتيه البشير بالقميص، فأذن لها فأتته بذلك، فلذلك يتروح كل محزون بريح الصبا، وهي من ناحية المشرق إذا هبّت على الأبدان نعمتها ولينتها، وهيّجت الأشواق إلى الأوطان والأحباب. انتهى.

[1] في «الوافي بالوفيات» و «فوات الوفيات» : «يزين خدّيه» .

[2]

في «آ» و «ط» : «عتق» وما أثبته من «الوافي بالوفيات» و «فوات الوفيات» .

[3]

انظر «وفيات الأعيان» (4/ 221- 222) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 348- 349) .

ص: 147

قال ابن السمعاني: ولد المذكور بأرغيان سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وقدم نيسابور، وتفقّه على إمام الحرمين، وبرع في الفقه، وكان إماما متنسكا، كثير العبادة، حسن السيرة، مشتغلا بنفسه، توفي في ذي القعدة بنيسابور وله شعر.

وفيها طراد السّلمي السّنبسي البلنسي، عرف بزربول الأدب، وفيه يقول بعضهم، وقد أرسل معه كتاب جراب الدولة لصديق له يداعبه:

وما يهدى مع الزّربول يوما

إلى خلّ بأظرف من جراب

ومن شعره هو:

بادروا بالفرار من مقلتيه

قبل أن تخسروا النّفوس عليه

واعلموا أنّ للغرام ديونا

ما لها الدّهر منقذ من يديه

وفيها شمس الملوك، أبو الفتح إسماعيل بن تاج الملوك بوري بن طغتكين، ولي دمشق بعد أبيه، وكان وافر الحرمة، موصوفا بالشجاعة، كثير الإغارة على الفرنج. أخذ منهم عدة حصون، وحاصر أخاه ببعلبك مدّة، لكنه كان ظالما مصادرا، جبّارا [مسودنا] . رتّبت أمّه زمرّد خاتون من وثب عليه من قلعة دمشق في ربيع الأول، وكانت دولته نحو ثلاث سنين، وترتّب بعده في الملك أخوه محمود، وصار أتابكه معين الدّين أنر الطّغتكيني، فبقي أربع سنين وقتله غلمانه. قاله في «العبر» [1] .

وفيها الحسن بن الحافظ لدّين الله عبد المجيد العبيدي المصري، ولي عهد أبيه ووزيره، ولي ثلاثة أعوام، فظلم، وغشم، وفتك، حتّى إنه قتل في ليلة أربعين أميرا، فخافه أبوه، وجهز لحربه جماعة، فالتقاهم واختبطت مصر، ثم دسّ عليه أبوه من سقاه سمّا فهلك.

[1](4/ 77- 78) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

ص: 148

وفيها دبيس بن صدقة ملك العرب نور الدولة أبو الأعزّ [1] ولد الأمير سيف الدولة الأسدي، صاحب الحلّة. كان فارسا، شجاعا، مقداما، جوادا، ممدحا، أديبا، كثير الحروب والفتن، خرج على المسترشد بالله غير مرة، ودخل خراسان، والشام، والجزيرة، واستولى على كثير من العراق، وكان مسعّر حرب وجمرة بلاء. قتله السلطان مسعود بمراغة في ذي الحجة، وأظهر أنه قتله أخذا بثأر المسترشد، فلله الحمد على قتله.

وله نظم حسن منه:

تمتّع بأيام السّرور فإنما

عذار الأماني بالهموم يشيب

ونسب العماد الكاتب في «الخريدة» إليه الأبيات اللّامية التي من جملتها:

أسلمه حبّ سليمانكم

إلى هوى أيسره القتل

وفيها ظافر بن القاسم بن منصور بن عبد الله بن خلف بن عبد الغني أبو المنصور الجذامي الإسكندري، المعروف بالحداد، الشاعر المشهور.

كان من الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر أكثره [2] جيد، ومدح جماعة من المصريين، وروى عنه الحافظ أبو طاهر السّلفي وغيره من الأعيان، ومن مشهور شعره قوله:

لو كان بالصبر الجميل ملاذه

ما سحّ وابل دمعه ورذاذه

ما زال جيش الحبّ يغزو قلبه

حتّى وهي وتقطّعت أفلاذه

لم يبق فيه مع الغرام بقيّة

إلّا رسيس يحتويه جذاذه

من كان يرغب في السلامة فليكن

أبدا من الحدق المراض عياذه

[1] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» (19/ 612) : «أبو الأعز» وفي «المنتظم» (10/ 52) ، و «وفيات الأعيان» (2/ 263) و «العبر» (4/ 78) طبع الكويت، و (2/ 435) طبع بيروت، و «النجوم الزاهرة» (5/ 256) :«أبو الأغرّ» .

[2]

كذا في «ط» و «وفيات الأعيان» (2/ 540) : «أكثره» وفي «آ» : «كثيره» .

ص: 149

لا تخدعنّك بالفتور فإنّه

نظر يضرّ بقلبك استلذاذه

يا أيها الرّشأ الذي من طرفه

سهم إلى حبّ القلوب نفاذه

درّ يلوح بفيك من نظّامه؟

خمر يجول عليه من نبّاذه

وقناة ذاك القدّ كيف تقوّمت؟

وسنان ذاك اللحظ ما فولاذه؟

رفقا بجسمك لا يذوب فإنني

أخشى بأن يجفو عليه لاذه

هاروت يعجز عن مواقع سحره

وهو الإمام فمن ترى أستاذه؟

تالله ما علقت محاسنك امرأ

إلّا وعزّ على الورى استنقاذه

أغريت حبّك بالقلوب فأذعنت

طوعا وقد أودى بها استحواذه

ما لي أتيت الحظّ من أبوابه

جهدي فدام نفوره ولواذه

إيّاك من طمع المنى فعزيزه

كذليله وغنيّه شحّاذه

ذالّية ابن دريد استهوى بها

قوما [1] غداة نبت به بغداذه

دانوا [2] لزخرف قوله فتفرّقت

طمعا بهم صرعاه أو جذّاذه

من قدّر الرزق السنيّ لك آنما [3]

قد كان ليس يضرّه إنفاذه

وهذه القصيدة من غرر القصائد.

ومن شعره:

رحلوا فلولا أنّني

أرجو الإياب قضيت نحبي

والله ما فارقتهم

لكنني فارقت قلبي

وذكره علي بن ظافر بن أبي المنصور في كتابه «بدائع البدائه» وأثنى

[1] في «آ» و «ط» : «قوم» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (2/ 541) .

[2]

في «آ» و «ط» : «دانت» وأثبت لفظ «ديوانه» ص (129) بتحقيق الدكتور حسين نصّار، و «وفيات الأعيان» .

[3]

كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» وفي «ديوانه» : «أينما» .

ص: 150

عليه، وأورد فيه عن القاضي أبي عبد الله محمد بن الحسين الآمدي النائب.

كان في الحكم بثغر الإسكندرية، قال: دخلت على الأمير السعيد بن ظفر أيام ولايته الثغر، فوجدته يقطر دهنا على خنصره، فسألته عن سببه، فذكر ضيق خاتمه عليه، وأنّه ورم بسببه، فقلت له: الرأي قطع حلقته قبل أن يتفاقم الأمر به، فقال: اختر من يصلح لذلك، فاستدعيت أبا المنصور ظافر الحداد فقطع الحلقة وأنشد بديها:

قصّر عن أوصافك العالم

وكثّر [1] الناثر والناظم

من يكن البحر له راحة

يضيق عن خنصره الخاتم

فاستحسنه الأمير ووهب له الحلقة، وكانت من ذهب. وكان بين يدي الأمير غزال مستأنس، وقد ربض وجعل رأسه في حجره، فقال ظافر بديها:

عجبت لجرأة هذا الغزال

وأمر تخطّى له واعتمد

وأعجب به إذ بدا جاثما

وكيف اطمأن وأنت الأسد

فزاد الأمير والحاضرون في الاستحسان، وتأمل ظافر شيئا على باب المجلس يمنع الطير من دخولها فقال:

رأيت ببابك هذا المنيف

شباكا فأدركني بعض شكّ

وفكرت [2] فيما رأى خاطري

فقلت البحار مكان الشبك

ثم انصرف وتركنا متعجبين من حسن بديهته، رحمه الله تعالى.

وكانت وفاته بمصر في المحرم. قاله ابن خلّكان [3] .

[1] في «آ» و «ط» : «وأكثر» وفي «النجوم الزاهرة» (5/ 376) : «فاعترف» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (2/ 543) و «ديوانه» ص (299) .

[2]

في «وفيات الأعيان» : «وفكّر» .

[3]

في «وفيات الأعيان» (2/ 540- 543) .

ص: 151

وفيها ثابت بن منصور بن المبارك الكيلي [1] المقرئ المحدّث الحنبلي أبو العزّ.

سمع من أبي محمد التميمي، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، وغيرهما.

وعني بالحديث، وسمع الكثير، وكتب الكثير، وخرّج تخاريج لنفسه عن شيوخه في فنون، وحدّث وسمع منه جماعة، وروى عنه السّلفي، والمبارك ابن أحمد، وابن الجوزي، وغيرهم.

وقال أبو الفرج: كان ديّنا ثقة صحيح الإسناد، ووقف كتبه قبل موته.

وقال السّلفيّ عنه: فقيه مذهب أحمد. كتب كثيرا، وسمع معنا وقبلنا على شيوخ، وكان ثقة وعر الأخلاق.

وتوفي يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة.

قال ابن رجب: قيل توفي سنة ثمان وعشرين، ورأيت جماعة من المحدّثين وغيرهم نعتوه في طباق السماع بالإمام الحافظ، رحمه الله.

وهو منسوب إلى كيل [2] قرية على شاطئ دجلة على مسيرة يوم من بغداد مما يلي طريق واسط ويقال لها جيل أيضا. انتهى.

ومنها [3] الشيخ عبد القادر [4] .

وفيها أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد الفارسي، الحافظ الأديب، صاحب «تاريخ نيسابور» ومصنّف «مجمع الغرائب» ومصنّف «المفهم في شرح مسلم» كان إماما في الحديث، واللغة،

[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 93- 94) .

[2]

انظر «معجم البلدان» (4/ 498) .

[3]

يعني من «كيل» ، أو من «جيل» .

[4]

هو شيخ الشيوخ الإمام عبد القادر الكيلاني، ويقال: الجيلاني، المتوفى سنة (561) هـ، وسوف ترد ترجمته في ص (329- 335) من هذا المجلد.

ص: 152

والأدب، والبلاغة، فقيها شافعيا، أكثر الأسفار، وحدّث عن جدّه لأمه أبي القاسم القشيري وطبقته، وأجاز له أبو محمد الجوهري وآخرون.

وتفقّه بإمام الحرمين، لازمه أربع سنين، وأخذ عنه الخلاف والفقه، ورحل فأكثر الأسفار، ولقي العلماء، ثم رجع إلى نيسابور، وولي خطابتها، وأخذ التفسير والأصول عن خالية أبي سعيد عبد الله، وأبي سعيد عبد الواحد، ابني أبي القاسم القشيري، ومات بنيسابور عن ثمان وسبعين سنة.

وفيها قاضي الجماعة أبو عبد الله بن الحاج التّجيبي القرطبي [1] المالكي، محمد بن أحمد بن خلف. روى عن أبي علي الغسّاني وطائفة، وكان من جلّة العلماء وكبارهم، متبحرا في العلوم والآداب، ولم يكن أحد في زمانه أطلب للعلم منه، مع الدّين، والخشوع، قتل ظلما بجامع قرطبة في صلاة الجمعة، عن إحدى وسبعين سنة.

[1] انظر «العبر» (4/ 79) .

ص: 153