الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة سبع وثمانين وخمسمائة
فيها توفي الموفق أسعد بن المطران [1] الطبيب. كان نصرانيا فأسلم، وكان غزير المروءة، حسن الأخلاق، متعصبا للناس عند السلطان، وكان يتوالى أهل البيت، وكان يحب صبيا اسمه عمر، فقال ابن عنين:
قالوا الموفّق شيعيّ فقلت لهم
…
هذا خلاف الذي للنّاس منه ظهر
وكيف يصبح دين الرّفض مذهبه
…
وما دعاه إلى الإسلام غير عمر
وكان يعود المرضى من الفقراء، ويحمل إليهم الأشربة من عنده والأدوية، حتى أجرة الحمّام، وكان مليح الصورة، ومات بدمشق ودفن بقاسيون على قارعة الطريق عند دار زوجته واسمها جوزه، وبنت إلى جانب تربته مسجدا ويعرف بدار جوزه.
وفيها الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن المسلم اللّخمي الدمشقي الخرقي [2] الشافعي. روى عن ابن الموازيني، وعبد الكريم بن حمزة وجماعة، وكان فقيها متعبدا يتلو كلّ يوم وليلة ختمة، أعاد مدة بالأمينية، وتوفي في ذي القعدة وسنّه ثمان وثمانون سنة.
[1] انظر «مرآة الزمان» (8/ 263- 264)(مخطوط) وفيه: «ابن البطران» و «الأعلام» للزركلي (1/ 300) الطبعة الرابعة، ولقبه عندهما «موفق الدّين» .
[2]
انظر «العبر» (4/ 261) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 196- 197) .
وفيها الفقيه أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مغاور [1] الشّاطبي الكاتب، وهو آخر من سمع من أبي علي بن سكّرة، وسمع أيضا من جماعة، وكان منشئا بليغا مفوها شاعرا، وتوفي في صفر.
وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الحجري الأندلسي المريّيّ [2] أبو محمد عبد الله [3] المقرئ الصالح. كان حافظا غاية في الورع والصلاح والعدالة، برع في هذا الشأن. قاله ابن ناصر الدّين [4] .
وفيها أبو المعالي عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن المظفّر الفراوي النيسابوري [5] ، مسند خراسان. سمع من جدّه، وأبي بكر الشيروئي [6] وجماعة، وتفرّد في عصره، وتوفي في أواخر شعبان عن سنّ عالية.
وفيها تقي الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المظفّر [7] ، صاحب حماة وأحد الأبطال الموصوفين. كان عمه صلاح الدّين يحبه ويعتمد عليه، وكان يتطاول للسلطنة ولا سيما لما مرض صلاح الدّين، فإنه
[1] في «آ» و «ط» : «ابن مفاوز» والتصحيح من «العبر» (4/ 261) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 150) .
[2]
تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المري» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «التبيان شرح بديعة البيان» .
[3]
في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» وما أثبته هو الصواب.
[4]
في «التبيان شرح بديعة البيان» (170/ آ) وانظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 251- 255) .
[5]
انظر «العبر» (4/ 262) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 179- 180) .
[6]
في «آ» و «ط» و «العبر» : «الشيروي» وما أثبته من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 158) و «سير أعلام النبلاء» .
[7]
انظر «وفيات الأعيان» (3/ 456- 458) و «العبر» (4/ 262) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 202- 203) و «دول الإسلام» (2/ 99) .
كان نائبه على مصر، سار إلى ميّافارقين، وإلى خلاط فأخذهما، وحاصر منازكرد فمرض في رمضان ومات يوم الجمعة، وكان معه ولده المنصور محمد فكتم موته إلى ميّفارقين [1] وبنيت له مدرسة بظاهر حماة ودفن بها، واستقر ولده محمد المنصور بحماة.
وفيها قزل أرسلان بن إلدكز [2] ملك أذربيجان، وأرّان، وهمذان، وأصبهان، والرّيّ بعد أخيه البهلوان محمد، قتل غيلة على فراشه في شعبان.
وفيها السّهروردي الفيلسوف المقتول شهاب الدّين يحيى بن حبش ابن أميرك [3] . أحد أذكياء بني آدم. كان رأسا في معرفة علوم الأوائل، بارعا في علم الكلام، مناظرا محجاجا متزهدا زهد مردكة وفراغ، مزدريا للعلماء مستهزئا، رقيق الدّين. قدم حلب واشتهر اسمه، فعقد له الملك الظاهر غازي ولد السلطان صلاح الدّين مجلسا، فبان فضله وبهر علمه، فارتبط عليه الظاهر واختص به، وظهر للعلماء منه زندقة وانحلال، فعملوا محضرا بكفره وسيّروه إلى صلاح الدّين وخوّفوه من أن يفسد عقيدة ولده، فبعث إلى ولده بأن يقتله بلا مراجعة، فخيّره السلطان فاختار أن يموت جوعا، لأنه كان له عادة بالرياضة [4] ، فمنع من الطعام حتّى تلف، وعاش ستا وثلاثين سنة. قاله في «العبر» .
وقال السيف الآمدي: رأيته كثير العلم، قليل العقل، قال لي: لا بد لي أن أملك الأرض.
[1] قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» : وقيل: بل توفي ما بين خلاط وميّافارقين.
[2]
انظر «وفيات الأعيان» (5/ 209) و «العبر» (4/ 262) .
[3]
انظر «وفيات الأعيان» (6/ 268- 274) و «العبر» (4/ 263- 265) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 207- 211) .
[4]
في «العبر» بطبعتيه: «بالرياضيات» .
وقال ابن خلّكان [1] : هو يحيى بن حبش، وقيل اسمه أحمد، وقيل اسمه كنيته، أبو الفتوح، وقيل عمر، والأول أصح، كان من علماء عصره.
قرأ الحكمة وأصول الفقه على الشيخ مجد الدّين الجيلي بمدينة مراغة من أعمال أذربيجان، إلى أن برع فيهما، وهذا مجد الدّين الجيلي هو شيخ فخر الدّين الرازي، وعليه تخرّج وبصحبته انتفع، وكان إماما في فنونه.
قال في «طبقات الأطباء» [2] : كان السّهروردي أوحد أهل زمانه في علوم الحكمية، جامعا للفنون الفلسفية [3] ، بارعا في أصول الفقه مفرط الذكاء، [فصيح العبارة]، وكان علمه أكثر [4] من عقله. قال: ويقال عنه إنّه كان يعرف علم السيمياء. حكى بعض فقهاء العجم: أنه كان في صحبته، وقد خرجوا من دمشق، قال: فلما وصلنا إلى القابون، الذي هو على باب دمشق في طريق من يتوجه إلى حلب، لقينا قطيع غنم مع تركماني، فقلنا للشيخ: يا مولانا نريد من هذا الغنم رأسا نأكله، فقال: هذه عشرة دراهم خذوها واشتروا بها رأس غنم، فاشترينا من أحدهم رأسا ومشينا قليلا، فلحقنا رفيق لمن باعنا وقال: ردوا هذا الرأس وخذوا أصغر منه، فإن هذا ما عرف يبيعكم، وتقاولنا نحن وإيّاه، فلما عرف الشيخ ذلك قال لنا: خذوا الرأس وامشوا وأنا أقف معه [5] وأرضيه، فتقدمنا نحن، وبقي الشيخ يتحدث معه ويطيّب قلبه، فلما مضينا قليلا تركه وتبعنا، وبقي التركماني يمشي خلفه ويصيح به وهو لا يلتفت إليه، ولما لم
[1] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 268- 272) .
[2]
يعني «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» والكلام فيه ص (641 وما بعدها) طبع مكتبة دار الحياة ببيروت.
[3]
في «آ» و «ط» : «في العلوم الحقيقية والفلسفة» والتصحيح من «عيون الأنباء» و «وفيات الأعيان» وما بين حاصرتين زيادة منهما.
[4]
في «آ» و «ط» : «أكبر» وما أثبته من «عيون الأنباء» و «وفيات الأعيان» .
[5]
تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وأضيعه» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
يكلمه لحقه بغيظ وجذب يده اليسرى وإذا بيد الشيخ انخلعت من عند كتفه وبقيت بيد التركماني. ودمها يجري، فبهت التركماني وتحيّر في أمره، ورمى اليد وخاف، فأخذ الشيخ اليد بيده اليمنى ولحقنا، فلما وصل إلينا رأينا في يده اليمنى منديلا لا غير.
ويحكى عنه أشياء مثل هذه كثيرة، والله أعلم بصحتها.
وله تصانيف، فمن ذلك «التنقيحات» في أصول الفقه، و «التلويحات» و «الهياكل» وغير ذلك.
وله أشعار، فمن ذلك ما قاله في النفس على مثال أبيات ابن سينا:
خلعت هياكلها بجرعاء الحمى
…
وصبت لمغناها القديم تشوقا
وتلفّتت نحو الدّيار فشاقها
…
ربع عفت أطلاله فتمزّقا
وقفت تسائله فردّ جوابها
…
رجع الصدى أن لا سبيل إلى اللّقا
فإذا بها برق تألّق بالحمى
…
ثم انطفى [1] فكأنه ما أبرقا
ومن شعره المشهور أيضا:
أبدا تحن إليكم الأرواح
…
ووصالكم ريحانها والرّاح
وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم
…
وإلى لذيذ لقائكم ترتاح
وا رحمتا للعاشقين تكلّفوا
…
ستر المحبة والهوى فضّاح
وهي طويلة.
وله في النظم والنثر أشياء لطيفة، وكان شافعي المذهب، وكان يتّهم بانحلال العقيدة والتعطيل، ويعتمد مذهب الحكماء المتقدمين واشتهر ذلك عنه. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
[1] في «وفيات الأعيان» : «ثم انطوى» .
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان دنيء الهمّة، زري الخلقة، دنس الثياب، وسخ البدن، لا يغسل له ثوبا ولا جسما ولا يدا، ولا يقصّ ظفرا ولا شعرا، وكان القمل يتناثر على وجهه ويسعى على ثيابه، وكل من يراه يهرب منه، وهذه الأشياء تنافي الحكمة والعقل والشرع.
وقال ابن الأهدل: قيل: قتل وصلب أياما، وقيل: خيّر في أنواع القتل، فاختار القتل بالجوع، لاعتياده الرياضة [1] ، فمنع من الطعام حتّى تلف.
وقال ابن شدّاد: أقمت بحلب فرأيت أهلها مختلفين فيه، منهم من يصدقه ومنهم من يزندقه، والله أعلم.
وفيها أبو طاهر يحيى بن مقبل بن أحمد بن بركة بن عبد الملك التيمي القرشي الحريمي البغدادي [2] الحنبلي، المعروف بابن الصدر، وهو لقب جده عبد الواحد، ويعرف أيضا بابن الأبيض.
ولد في شعبان سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع من ابن الحصين، وأبي بكر الأنصاري، وغيرهما، وتفقّه في المذهب، وناظر في حلق الفقهاء وحدّث.
قال ابن القطيعي: كتبت عنه وكان ثقة، قال: وتوفي يوم الاثنين في شهر شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد.