الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وثمانين وخمسمائة
فيها أخذ سيف الدّين يافا بالسيف، ثم هادن الفرنج ثلاثة أعوام وثمانية أشهر.
وفيها توفي أحمد بن الحسين بن أحمد بن محمد البغدادي المقرئ أبو العبّاس، المعروف بالعراقي [1] نزيل دمشق. قرأ القرآن على أبي محمد سبط الخيّاط، وسمع الحديث من ابن سهلون وغيره، ومهر في علم القراءات، ولقي المهذّب بن منير الشاعر بحلب وروى عنه، وقدم دمشق فسكنها من سنة أربعين إلى أن مات، وقعد للإقراء تحت قبة النسر، وكان حنبليا.
قال الشيخ موفق الدّين: كان إماما في السّنّة، داعيا إليها، إماما في القراءة، وكان ديّنا يقول الشعر الحسن.
وروى عنه الشيخ موفق الدّين وغيره، وتوفي في شعبان.
وفيها الجنزوي [2] أبو الفضل إسماعيل بن علي الشافعي الشّروطي
[1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 180) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 561) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 376- 377) وعنه نقل المؤلف الترجمة.
[2]
في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه: «الخبزوي» وهو خطأ والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/ 234) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 370) و «النجوم الزاهرة» (6/ 119) ويقال
الفرضي من أعيان المحدّثين بدمشق وبها ولد. تفقّه على جمال الإسلام بن المسلم وغيره، وسمع من هبة الله بن الأكفاني وطبقته، ورحل إلى بغداد، فسمع أبا علي بن الباقرحي، وابن مرزوق والزّعفراني والكبار، وكتب الكثير، وكان بصيرا بعقد الوثائق والسجلات، وتوفي في جمادى الأولى عن تسعين سنة.
وفيها موفق الدّين خالد بن الأديب [1] البارع محمد بن نصر القيسراني أبو البقاء [2] الكاتب، صاحب الخط المنسوب. كان صدرا نبيلا وافر الحشمة، وزر للسلطان نور الدّين الشهيد، وسمع بمصر من عبد الله بن رفاعة، وتوفي بحلب.
وفيها أبو جعفر بن السّمين عبيد الله بن أحمد بن علي البغدادي الورّاق [3] الحنبلي المقرئ المحدّث الزاهد، نزيل الموصل.
ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وسمع الكثير من أبي منصور القزّاز وغيره، وتفقّه على أبي الحسن، وأبي بكر ابني الزّاغوني، وغيرهما، وحدّث بالكثير ببغداد والموصل، وكان صالحا ثقة ديّنا صدوقا، من أهل التقشف والصلاح والنسك، يأكل من كسب يده، توفي في العشر الأخير من شهر رمضان بالموصل، ودفن بتل توبه.
وفيها أبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبّة البغدادي الطحّان [4] . روى عن ابن الحصين، وزاهر، وقدم حرّان، فورى بها «المسند» في نسبته:«الجنزي» أيضا نسبة إلى «جنزة» بلدة من العجم، بين أذربيجان وإرمينية، وهي التي يقال لها «كنجة» .
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الوليد» والتصحيح من «العبر» .
[2]
انظر «العبر» (4/ 266) .
[3]
انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 175) .
[4]
انظر «العبر» (4/ 266- 267) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 227- 229) .
وكان فقيرا صبورا، توفي في ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة.
وحبّة: بباء موحدة.
وفيها علي بن مكّي بن جرّاح بن علي البغدادي [1] الفقيه الحنبلي الزاهد، أبو الحسن، تفقّه على أبي الفتح بن المنّي وأبي يعلى بن أبي خازم، وبرع في الفقه، وأفتى وناظر، وكان زاهدا عابدا، توفي في حادي عشري صفر ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها أبو الحسن علي بن أبي العزّ بن عبد الله الباجرّائي- بفتح الموحدة والجيم، وتشديد الراء، نسبة إلى باجرّا قرية بالجزيرة [2]- الفقيه الحنبلي الزاهد.
كان يسكن بمدرسة الشيخ عبد القادر، وسمع الكثير من أبي الوقت، وابن البطي، وغيرهما، وحدّث باليسير، وسمع منه جماعة من الفقهاء، وكان صالحا ورعا متدينا، ذا عبادة وزهد، وجمع كتابا في تفسير القرآن الكريم في أربع مجلدات، وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذي القعدة، ودفن بباب حرب.
وفيها الأمير سيف الدّين المشطوب، مقدّم الجيوش، علي بن أحمد ابن صاحب قلاع الهكّارية أبي الهيجاء الهكّاري [3] ، نائب عكا. لما أخذت الفرنج عكا أسروه، ثم اشتري بمبلغ عظيم، وكان شجاعا صابرا في الحرب، مطاعا في قبيلته، دخل مع أسد الدّين شيركوه إلى مصر، وشهد فتحها، وأقطعه السلطان نابلس، فجار نوابه على أهلها فشكوا إلى السلطان
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 378) .
[2]
وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «الباجسرائي» وهي نسبة إلى «باجسرا» قرية كبيرة بنواحي بغداد. انظر «الأنساب» (2/ 17) .
[3]
انظر «العبر» (4/ 267) .
وهو مار بهم واستغاثوا، فقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: يتظلمون من ابن المشطوب وأصحابه، وهو راكب بين يديه، فقال له السلطان: لو كان هؤلاء يدعون لك هيهات أن يسمع الله، فكيف وهم يدعون عليك؟ ثم أقطعه صلاح الدّين القدس، فتوفي بها في شوال، وكان ابنه عماد الدّين بن المشطوب من كبراء الأمراء بمصر.
وفيها راشد الدّين أبو الحسن سنان بن سلمان [1] ، مقدّم الإسماعيلية، وصاحب الدعوة بقلاع الشام، وأصله من البصرة.
قدم إلى الشام في أيام نور الدّين الشهيد، وأقام في القلاع ثلاثين سنة، وجرت له مع السلطان صلاح الدّين وقائع وقصص، ولم يعط طاعة قطّ، وعزم السلطان على قصده بعد صلح الفرنج، وكان قد قرأ كتب الفلسفة والجدل.
قال المنتجب: أرسلني السلطان إلى سنان مقدّم الإسماعيلية ومعي القطب النيسابوري، وأرسل معنا تخويفا وتهديدا فلم يجبه، بل كتب على طرّة كتاب السلطان:
يا ذا الذي بقراع السيف هدّدني
…
لا قام مصرع جنبي حين تصرعه
قام الحمام على البازي يهدّده [2]
…
وكشّرت لأسود الغاب أضبعه
إنّا منحناك عمرا كي تعيش به
…
فإن رضيت وإلّا سوف ننزعه
أضحى يسدّ فم الأفعى بإصبعه
…
يكفيه ماذا تلاقي منه أصبعه
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 182- 190) و «دول الإسلام» (2/ 100) وفيهما مات سنة (589) وراجع ما كتبه العلّامة الزركلي في هامش ترجمته من كتابه «الأعلام» (3/ 141) فهو مفيد نافع.
[2]
رواية هذه الشطرة في «سير أعلام النبلاء» :
جاء الغراب إلى البازي يهدده
ولكنها أدرجت في سياق الكلام النثري والأصح أن تفصل في سطر مستقل وأن تثبت نقط مكان الشطرة الثانية من البيت ويثبت قول المؤلف: «وذكر الأبيات» في سطر مستقل، ثم يثبت قوله:«وقال: هذا جوابه إلخ» في سطر جديد.
ثم كتب بعد الأبيات خطبة بليغة مضمونها عدم الخوف والطاعة، فلما يئس صلاح الدّين منه، جنح إلى صلحه فصالحه، ودخل في مرضاته.
قال اليونيني في «تاريخه» : إن سنانا سيّر رسولا وأمره أن لا يؤدي رسالته إلّا خلوة، ففتشه السلطان صلاح الدّين فلم يجد معه ما يخافه، فأخلى له المجلس إلّا نفرا يسيرا، فامتنع من أداء الرسالة حتّى يخرجوا، فخرجوا كلهم غير مملوكين صغيرين، فقال: هات رسالتك، فقال: أمرت أن لا أقولها إلّا في خلوة، فقال: هذان ما يخرجان، قال: ولم؟ قال: لأنهما مثل أولادي، فالتفت الرسول إليهما وقال: إذا أمرتكما عن مخدومي بقتل هذا السلطان تقتلانه؟ قالا: نعم. وجذبا سيفهما، فبهت السلطان، وخرج الرسول وأخذهما معه، فجنح صلاح الدّين إلى الصلح وصالحه ودخل في مرضاته.
انتهى.
وفيها قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش ابن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق التّركي السلجوقي [1] صاحب الرّوم، وحمو الناصر لدين الله. امتدت أيامه وشاخ وقويت [2] عليه أولاده وتصرفوا في ممالكه في حياته، وهي قونية، وأقسر، وسيواس، وملطية، وعاش سلطانا أكثر من ثلاثين سنة، وتملّك بعده ابنه غياث الدّين.
وفيها ابن مجبر [3] الشاعر أبو بكر بن يحيى بن عبد الجليل الفهري ثم الإشبيلي، صاحب الأندلس في عصره، وهو كثير القول في يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن.
[1] انظر «العبر» (4/ 267) و «دول الإسلام» (2/ 100) و «النجوم الزاهرة» (6/ 117) .
[2]
في «العبر» بطبعتيه: «وقوي» .
[3]
تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن مجير» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/ 215) و «فوات الوفيات» (4/ 275) و «نفح الطيب» (3/ 237) .
وفيها أبو المرهف وأبو الفتح أيضا، نصر بن منصور بن الحسن النّميري [1] الأديب الشاعر الحنبلي.
ولد يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسمائة بالرافقة بقرب رقّة الشام، وكان من أولاد أمراء العرب. نشأ بالشام وخالط أهل الأدب، وقال الشعر الفائق وهو مراهق، وأصابه جدري، وله أربع عشرة سنة فضعف بصره حتّى كان لا يبصر إلّا ما قرب منه، ثم قدم بغداد لمعالجة بصره، فأيس [2] الأطباء منه، فعمي، وأقام ببغداد، وسكن باب الأزج، فحفظ القرآن العظيم، وسمع الحديث من أبي الحصين، والقاضي أبي بكر، وابن ناصر، وغيرهم، وتفقّه وقرأ العربية والأدب على ابن الجواليقي، وصحب العلماء والصالحين، كالشيخ عبد القادر وغيره، ومدح الخلفاء والوزراء، وله ديوان شعر حدّث به، وكان فصيح القول، حسن المعاني، ذا دين وصلاح وتصلب في السّنّة، وسمع منه القطيعي وغيره، وروى عنه جماعة.
ومن شعره- وقد سئل عن مذهبه واعتقاده-:
أحبّ عليا والبتول وولدها
…
ولا أجحد الشيخين حقّ التّقدّم
وأبرأ ممّن نال عثمان بالأذى
…
كما كنت أبرا من ولاء ابن ملجم
ويعجبني أهل الحديث بصدقهم
…
فلست إلى قوم سواهم بمنتمي
[3]
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 213- 214) و «البداية والنهاية» (12/ 353) و «النجوم الزاهرة» (6/ 118) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 374) - 376) .
[2]
في «ذيل طبقات الحنابلة» : «فآيسه» .
[3]
كذا هي الشطرة الثانية من البيت في «آ» و «ط» و «البداية والنهاية» و «ذيل طبقات الحنابلة» .
وفي «سير أعلام النبلاء» :
مدى الدهر في أفعالهم والتكلّم
ومن شعره أيضا:
سبرت شرائع العلماء طرّا
…
فلم أر كاعتقاد الحنبليّ
فكن من أهله سرّا وجهرا
…
تكن أبدا على النهج السّويّ
هم أهل الحديث وما عرفنا
…
سوى القرآن والنّص الجليّ
ومنه أيضا:
وزهّدني في جميع الأنا
…
م قلّة إنصاف من يصحب
هم النّاس ما لم تجرّبهم
…
وطلس الذئاب إذا جرّبوا
ولم تك تسلم عند البعا
…
د منهم، فكيف إذا قرّبوا
[1]
توفي يوم الثلاثاء ثامن عشري ربيع الآخر، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد.
[1] في «آ» و «ط» : «إذا تقرّبوا» وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» .