الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة سبع وستين وخمسمائة
فيها تجاسر صلاح الدّين بن أيوب وقطع خطبة العاضد العبيدي، وكان قبل هذا كالمتحكم له، وخطب للخليفة العبّاسي المستضيء، فمات العاضد عقيب ذلك. قيل: إنه مات غبنا، وأظهر صلاح الدّين الحزن عليه، وجلس للعزاء، ثم تسلّم القصر وما حوى، ثم حوّل أولاد المعتضد وخاصته إلى مكان آخر ورتّب لهم كفايتهم، ولما وصل أبو سعد بن أبي عصرون رسولا بذلك إلى بغداد، زيّنت، وكان يوما مشهودا، وكانت الخطبة العبّاسية قد قطعت من مصر منذ مائتي سنة وتسع سنين بخطبة بني عبيد أهل المذهب الرديء، ثم أرسل الخليفة بالخلع الفائقة الرائقة لنور الدّين محمود بن زنكي، ولنائبه صلاح الدّين، وكان فيما أرسل لنور الدّين طوق ذهب وزنه ألف مثقال، وحصانان وسيفان، قلد بهما، إشارة إلى الجمع له بين مصر والشام.
وفيها وقعت الوحشة بين نور الدّين وصلاح الدّين، وعزم على قصده، فكتب إليه صلاح الدّين بالطاعة، فزالت الوحشة بينهما.
وفيها اتخذ نور الدّين الحمام الهوادي في جميع البلاد في الأبراج، تنقل الأخبار، فكانت من بلاد النوبة إلى همذان، وكان أهم ما عنده قلع الفرنج من السواحل.
وفيها توفي أحمد بن محمد الحريمي العطّار [1] . روى عن النّعالي وجماعة، ومات في صفر عن خمس وثمانين سنة.
وفيها حسّان بن نمير [الكلبيّ] ، عرف بعرقلة [2] . كان شيخا خليعا مطبوعا، أعور العين، منادما. اختص بصلاح الدّين. وكان قد وعده صلاح الدّين أنه إذا أخذ مصر يعطيه ألف دينار، فلما أخذها كتب إليه:
قل للصلاح معيني عند إعساري
…
يا ألف مولاي أين الألف دينار
أخشى من الأسر إن حاولت [3] أرضكم
…
وما تفي جنّة الفردوس بالنّار
فجد بها عاضديّات موفّرة
…
من بعض ما خلّف [4] الطاغي أخو العاري
حمرا كأسيافكم غرّا كخيلكم
…
عتقا ثقالا كأعدائي وأطماري
فجهز له ألفا وأخذ له من إخوته مثلها، فجاءه الموت فجأة فلم ينتفع بفجأة الغنى [5] .
ومن شعره:
يقولون لم أرخصت شعرك في الورى
…
فقلت لهم إذ مات أهل المكارم
أجازى [6] على الشعر الشعير وإنّه
…
كثير إذا حصّلته [7] من بهائم
وفيها العلّامة أبو محمد بن الخشّاب عبد الله بن أحمد بن أحمد بن
[1] انظر «العبر» (4/ 196) .
[2]
انظر «فوات الوفيات» (1/ 313- 318) و «النجوم الزاهرة» (6/ 64) .
[3]
في «فوات الوفيات» : «إن وافيت» وانظر التعليق عليه.
[4]
في «آ» : «أخلف» .
[5]
في «آ» و «ط» : «الغناء» وهو تحريف والتصحيح من «فوات الوفيات» .
[6]
في «فوات الوفيات» : «أجاز» .
[7]
في «فوات الوفيات» : «إذا خلّصته» وانظر التعليق عليه.
عبد الله بن نصر البغدادي [1] النحوي المحدّث الفقيه الحنبلي.
ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وسمع من علي بن الحسين الرّبعي، وابن النّرسي، ثم طلب بنفسه، وأكثر عن أبي الحصين وطبقته، وقرأ الكثير، وكتب بخطه المليح المتقن، وأخذ العربية عن ابن الشّجري، وابن الجواليقي، وأتقن العربية واللغة والهندسة وغير ذلك، وصنّف التصانيف، وكان إليه المنتهى في حسن القراءة وسرعتها وفصاحتها، مع الفهم والعذوبة، وانتهت إليه الإمامة في النحو، وكان ظريفا مزّاحا قذرا، وسخ الثياب، يستقي في جرة مكسورة، وما تأهل قطّ ولا تسرى. توفي في رمضان. قاله في «العبر» .
وقال ابن النجار [2] : كان أعلم أهل زمانه بالنحو، حتّى يقال: إنه كان في درجة أبي علي الفارسي. قال: وكانت له معرفة بالحديث، واللغة، والمنطق، والفلسفة، والحساب، والهندسة، وما من علم من العلوم إلّا كانت [3] له فيه يد حسنة.
وقال ياقوت الحموي: رأيت قوما من نحاة بغداد يفضلونه على أبي علي الفارسي. قال: وسمع الحديث الكثير، وتفقّه فيه، وعرف صحيحه من سقيمه، وبحث عن أحكامه وتبحر في علومه.
وقال ابن الأخضر: دخلت عليه يوما وهو مريض، وعلى صدره كتاب ينظر فيه، قلت: ما هذا؟ قال: ذكر ابن جنّي مسألة في النحو، واجتهد أن يستشهد عليها ببيت من الشعر فلم يحضره، وإني لأعرف على هذه المسألة
[1] انظر «العبر» (4/ 196- 197) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 523- 528) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 316- 323) .
[2]
انظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» للدمياطي ص (257) طبع مؤسسة الرسالة.
[3]
لفظة «كانت» سقطت من «آ» .
سبعين بيتا من الشعر، كلّ بيت من قصيدة.
وكان عالما بالتفسير، والحديث، والفرائض، والحساب، والقراءات.
وقال ابن القطيعي: انتهت [1] إليه معرفة علوم جمّة، أنهاها، وشرح الكثير من علومه، وكان ضنينا بها مع لطف مخالطة وعدم تكبر، واطّراح تكلّف، مع تشدّد في السّنّة، وتظاهر بها في محافل علومه، ينتصر لمذهب أحمد، ويصرّح ببراهينه وحججه على ذلك.
وقال مسعود بن البادر: كنت يوما بين يدي المستضيء، فقال لي: كلّ من نعرفه [2] قد ذكّرنا بنفسه، ووصل إليه برّنا إلّا ابن الخشّاب، فاعتذرت عنه بعذر اقتضاه الحال، ثم خرجت، فعرّفت ابن الخشّاب ذلك، فكتب إليه هذين البيتين:
ورد الورى سلسال جودك فارتووا
…
فوقفت دون الورد وقفة حائم
ظمآن أطلب خفّة من زحمة
…
والورد لا يزداد غير تزاحم
قال ابن البادر: فعرضتهما على المستضيء، فأرسل إليه بمائتي دينار، وقال: لو زادنا زدناه.
وقال ابن رجب: ويقال: إنه كان بخيلا مقترا على نفسه، وكان يعتمّ العمّة، فيبقي معتّما أشهرا تتسخ أطرافها من عرقه، فتسود وتتقطع من الوسخ، وترمي عليها العصافير ذرقها، وكان إذا رفعها عن رأسه ثم أراد لبسها تركها على رأسه كيف اتفق، فتجيء عذبتها تارة من تلقاء وجهه، وتارة عن يمينه، وتارة عن شماله [3] ، ولا يغيرها، فإذا قيل له في ذلك يقول: ما استوت العمّة على رأس عاقل قطّ.
[1] في «ط» : «انتهى» .
[2]
تصحفت في «ط» إلى «تعرفه» .
[3]
في «آ» : «عن يساره» .
وكان- رحمه الله تعالى- ظريفا، مزّاحا، ذا نوادر.
فمن نوادره أن بعض أصحابه سأله يوما، فقال: القفا يمد أو يقصر؟
فقال: يمد ثم يقصر.
ولابن الخشّاب شعر كثير حسن، فمنه ما ألغزه في كتابه:
وذي أوجه لكنه غير بائح
…
بسرّ وذو الوجهين للسرّ يظهر
[1]
تناجيك [2] بالأسرار أسرار وجهه
…
فتسمعها ما دمت بالعين تبصر
[3]
ومنه لغز في شمعة:
صفراء لا من سقم مسّها
…
كيف وكانت أمّها الشافية؟
عارية باطنها مكتس
…
فاعجب لها عارية كاسيه
قال ابن الجوزي: مرض ابن الخشّاب نحوا من عشرين يوما، فدخلت عليه قبل موته بيومين وقد يئس من نفسه، فقال لي: عند الله أحتسب نفسي.
وتوفي يوم الجمعة ثالث رمضان، ودفن بمقبرة الإمام أحمد قريبا من بشر الحافي، رضي الله عنهما.
وفيها أبو محمد عبد الله بن منصور بن الموصلي البغدادي [4] المعدّل. سمع من النّعالي، وتفرّد ب «ديوان المتنبي» عن أبي البركات الوكيل، وعاش ثمانين سنة.
وفيها العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بن الظاهر بن الحاكم العبيدي
[1] في «آ» و «ط» : «ليس يطهر» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
[2]
في «ط» : «تناديك» .
[3]
في «ذيل طبقات الحنابلة» : «تنظر» .
[4]
انظر «العبر» (4/ 197) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 529) و «النجوم الزاهرة» (6/ 66) .
المصري [1] الرافضي، خاتمة خلفاء الباطنية.
ولد في أول سنة ست وأربعين وخمسمائة، وأقامه الصالح بن رزّيك، بعد هلاك الفائز.
وفي أيامه قدم حسين بن نزار بن المستنصر العبيدي في جموع من الغرب [2] ، فلما قرب غدر به أصحابه وقبضوا عليه، وحملوه إلى العاضد فذبحه صبرا.
ورد أن موت العاضد كان بإسهال مفرط، وقيل: مات غما لما سمع بقطع خطبته، وقيل: بل كان له خاتم مسموم فامتصه وخسر نفسه، وعاش إحدى وعشرين سنة.
وفيها أبو الحسن بن النّعمة علي بن عبد الله بن خلف الأنصاري الأندلسي المرّيي ثم البلنسي [3] أحد الأعلام. توفي في رمضان، وهو في عشر الثمانين. روى عن أبي علي بن سكّرة وطبقته، وتصدر ببلنسية لإقراء القراءات، والفقه، والحديث، والنحو.
قال [ابن] الأبّار: كان عالما حافظا للفقه والتفاسير ومعاني الآثار، مقدّما في علم اللّسان، فصيحا مفوّها ورعا فاضلا معظّما، دمث الأخلاق. انتهت إليه رئاسة الفتوى والإقراء، وصنّف كتابا كبيرا في «شرح سنن النسائي» بلغ فيه الغاية، وكان خاتمة العلماء بشرق الأندلس.
وفيها أبو المطهّر القاسم بن الفضل بن عبد الواحد بن الفضل
[1] انظر «العبر» (4/ 197- 198) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 207- 215) و «النجوم الزاهرة» (5/ 334- 357) .
[2]
تصحفت في «آ» و «ط» إلى «العرب» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» وفي «العبر» :
«المغرب» .
[3]
انظر «العبر» (4/ 198) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 584- 585) .
الأصبهاني الصّيدلاني [1]- بفتح أوله وسكون الياء التحتية، نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير- روى عن رزق الله التميمي، والقاسم بن الفضل الثقفي، وتوفي في جمادى الأولى، وقد نيّف على التسعين.
وفيها أبو عبد الله بن الفرس محمد بن عبد الرحيم الأنصاري الخزرجي الغرناطي [2] . تفقّه على أبيه، وقرأ عليه القراءات، وسمع أبا بكر بن عطيّة، وسمع بقرطبة من أبي محمد بن عتّاب وطبقته، وصار رأسا في الفقه، والحديث، والقراءات، توفي في شوال ببلنسية وله ست وستون سنة.
وفيها أبو حامد البرّوي الطّوسي [3] الفقيه الشافعي محمد بن محمد تلميذ محمد بن يحيى وصاحب «التعليقة» المشهورة في الخلاف. كان إليه المنتهى في معرفة الكلام والنظر والبلاغة والجدل، بارعا في معرفة مذهب الأشعري. قدم بغداد وشغّب على الحنابلة، وأثار الفتنة، ووعظ بالنظامية، وبعد صيته، فأصبح ميّتا، فيقال: إنّ الحنابلة أهدوا له مع امرأة صحن حلوى مسمومة، وقيل: إن البرّوي قال: لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية. قاله في «العبر» .
والبرّوي: بفتح الموحدة وتشديد الراء المضمومة، نسبة إلى برّوية جدّ.
وفيها أبو المكارم الباذرائي [4] المبارك بن محمد بن المعمّر، الرجل الصالح. روى عن ابن البطر، والطّرثيثي، وتوفي في جمادى الآخرة.
[1] انظر «العبر» (4/ 199) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 528- 529) .
[2]
انظر «العبر» (4/ 199) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 529) و «الوافي بالوفيات» (3/ 245) .
[3]
انظر «العبر» (4/ 200) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 260- 263) .
[4]
تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الباوراي» والتصحيح من «العبر» (4/ 200) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 494) .
وفيها أبو جعفر مكّي بن محمد بن هبيرة البغدادي [1] الأديب الحنبلي. كان فاضلا عارفا بالأدب، نظم «مختصر الخرقي» وقرئ [2][عليه] مرّات. [توفي] بنواحي الموصل.
قال ابن رجب: وأظنه أخا [3] الوزير أبي المظفر. وكان يلقب فخر الدولة، وكأنه [4] خرج من بغداد بعد موت الوزير.
وفيها أبو الفتوح [5] نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن قلاقس [6] الأزهري الإسكندري [7] ، الملقب القاضي الأعز، كان سناطا [8] لا لحية له.
وكان شاعرا مجيدا مدحه السّلفيّ، وصحب السّلفيّ وانتفع بصحبته، ودخل اليمن وامتدح أمير عدن فأجزل عطيته، ثم غرق ما معه وعاد إليه عريانا، فأنشده قصيدته التي أولها:
صدرنا وقد نادى السّماح ببادئ
…
فعدنا إلى مغناك والعود أجمل
فأحسن إليه أيضا.
ومن شعره:
الفكر في الرّزق كيف يأتي
…
شيء به تتعب القلوب
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 323) .
[2]
في «آ» و «ط» : «وقرأ» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[3]
في «آ» و «ط» : «أخو» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[4]
في «ذيل طبقات الحنابلة» : «وكان» .
[5]
في «آ» و «ط» و «غربال الزمان» ص (448)«أبو الفتح» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[6]
في «آ» و «ط» : «ابن ملامس» وفي «غربال الزمان» إلى «قلانس» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[7]
انظر «وفيات الأعيان» (5/ 385- 389) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 546) و «مرآة الجنان» (3/ 383) و «البداية والنهاية» (12/ 269- 270) و «حسن المحاضرة» (1/ 564) .
[8]
تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سباطا» والتصحيح من «وفيات الأعيان» والسّناط: الكوسج الذي لا لحية له أصلا وكذا السّنوط والسّنوطي. انظر «مختار الصحاح» (سنط) .
وحامل الهمّ ذو دعاء
…
في علم ما تحجب الغيوب
فإن ألمّت بك الرّزايا
…
أو قرعت بابك الخطوب
فجانب النّاس وادع من لا
…
تكشف إلّا به الكروب
من يسأل النّاس يحرموه
…
وسائل الله لا يخيب
وفيها الإمام أبو بكر يحيى بن سعدون الأزدي القرطبي [1] المقرئ النحوي، نزيل الموصل وشيخها. قرأ القراءات على جماعة، منهم ابن الفحّام بالإسكندرية، وسمع بقرطبة من أبي محمد بن عتّاب، وبمصر من أبي صادق المديني، وببغداد من ابن الحصين، وقد أخذ عن الزمخشري، وبرع في العربية والقراءات، وتصدّر فيهما، وكان ثقة ثبتا، صاحب عبادة وورع وتبحر في العلوم. توفي يوم الفطر عن اثنتين وثمانين سنة.
[1] انظر «العبر» (4/ 200- 201) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 546- 548) .