الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وخمسمائة
فيها توفي أبو محمد بن الآبنوسي، عبد الله بن علي البغدادي، الوكيل المحدّث، أخو الفقيه أحمد بن علي. سمع من أبي القاسم التّنوخي، والجوهري، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو الحسن العلّاف، علي بن محمد بن علي بن محمد البغدادي، الحاجب، مسند العراق، وآخر من روى عن الحمّامي، وكان يقول: ولدت في المحرم سنة ست وأربعمائة، وسمعت من أبي الحسين بن بشران، وتوفي في المحرم عن مائة إلّا سنة، وكان أبوه واعظا مشهورا.
وفيها الإمام [الغزّالي][1] زين الدّين، حجّة الإسلام، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطّوسي [2] الشافعي، أحد الأعلام. تلمذ لإمام الحرمين، ثم ولّاه نظام الملك تدريس مدرسته ببغداد، وخرج له أصحاب، وصنّف التصانيف، مع التصوّن والذكاء المفرط والاستبحار في
[1] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» مصدر المؤلف.
قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (1/ 98) : الغزّالي: بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاي المعجمة وبعد الألف لام، هذه النسبة إلى الغزّال، على عادة أهل خوارزم وجرجان، فإنهم ينسبون إلى القصار القصّاري، وإلى العطار العطّاري، وقيل: إن الزاي مخففة، نسبة إلى غزالة وهي قرية من قرى طوس، وهو خلاف المشهور، لكن هكذا قاله السمعاني في كتاب «الأنساب» والله أعلم. قلت: ولم أقف على نسبة الغزّالي في «الأنساب» المطبوع واستدركها المحقق في الحاشية (9/ 140) .
[2]
انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 322- 346) و «الأمصار ذوات الآثار» ص (79) طبع دار ابن كثير.
العلم، وبالجملة ما رأى الرجل مثل نفسه. توفي في رابع عشر جمادى الآخرة بالطّابران، قصبة بلاد طوس، وله خمس وخمسون سنة.
والغزّالي: هو الغزّال، وكذا العطّاري والخبّازي [1] ، على لغة أهل خراسان. قاله في «العبر» [2] .
وقال الإسنوي في «طبقاته» [3] : الغزّالي إمام باسمه تنشرح الصدور، وتحيا النفوس، وبرسمه تفتخر المحابر وتهتزّ الطّروس، وبسماعه تخشع الأصوات وتخضع الرؤوس.
ولد بطوس، سنة خمسين وأربعمائة، وكان والده يغزل الصّوف ويبيعه في حانوته، فلما احتضر أوصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له صوفي صالح، فعلمهما الخطّ وأدبهما، ثم نفد منه ما خلّفه أبوهما، وتعذّر عليه القوت، فقال: لكما أن تلجئا إلى المدرسة، قال الغزالي: فصرنا إلى المدرسة نطلب الفقه لتحصيل القوت، فاشتغل بها مدة ثم ارتحل إلى أبي نصر الإسماعيلي بجرجان، ثم إلى إمام الحرمين بنيسابور، فاشتغل عليه ولازمه، حتّى صار أنظر أهل زمانه، وجلس للإقراء في حياة إمامه، وصنّف. وكان الإمام في الظاهر يظهر التبجح به، وفي الباطن عنده منه شيء لما يصدر منه من سرعة العبارة وقوة الطبع. وينسب إليه تصنيفان ليسا له بل وضعا عليه، وهما «السرّ المكتوم» و «المضنون به على غير أهله» وينسب إليه شعر، فمن ذلك ما نسبه إليه ابن السمعاني في «الذيل» والعماد الأصبهاني في «الخريدة» :
حلّت عقارب صدغه في خدّه
…
قمرا فجلّ به عن التّشبيه
ولقد عهدناه يحلّ ببرجها
…
فمن العجائب كيف حلّت فيه
[1] تصحفت في «آ» إلى «الجنازي» وأثبت لفظ «ط» .
[2]
(4/ 10) .
[3]
انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 242- 245) .
وأنشد العماد له أيضا:
هبني صبوت كما ترون بزعمكم
…
وحظيت منه بلثم ثغر أزهر
إني اعتزلت فلا تلوموا أنّه
…
أضحى يقابلني بوجه أشعري
فلما مات إمامه خرج إلى العسكر وحضر مجلس نظام الملك [وكان مجلسه محطّ رحال العلماء، ومقصد الأئمة والفصحاء، فوقع للغزّاليّ أمور تقتضي علو شأنه من ملاقاة الأئمة ومجاراة الخصوم اللّد، ومناظرة الفحول، ومناطحة الكبار، فأقبل عليه نظام الملك وحلّ منه][1] محلا عظيما، فعظمت منزلته، وطار اسمه في الآفاق، وندب للتدريس بنظاميّة بغداد، سنة أربع وثمانين، فقدمها في تجمل كبير، وتلقاه النّاس، ونفذت كلمته، وعظمت حشمته، حتّى غلبت على حشمة الأمراء والوزراء، وضرب به المثل، وشدت إليه الرّحال، إلى أن شرفت نفسه عن رذائل الدّنيا فرفضها واطّرحها، وأقبل على العبادة والسياحة، فخرج إلى الحجاز في سنة ثمان وثمانين، فحجّ ورجع إلى دمشق واستوطنها عشر سنين بمنارة الجامع، وصنّف فيها كتبا، يقال إن «الأحياء» منها، ثم صار إلى القدس والإسكندرية، ثم عاد إلى وطنه بطوس، مقبلا على التصنيف والعبادة، وملازمة التّلاوة، ونشر العلم، وعدم مخالطة الناس.
ثم إن الوزير فخر الدّين بن نظام الملك حضر إليه وخطبه إلى نظامية نيسابور، وألحّ عليه كل الإلحاح، فأجاب إلى ذلك، وأقام عليه مدة، ثم تركه وعاد إلى وطنه، على ما كان عليه، وابتنى إلى جواره خانقاه للصوفية، ومدرسة للمشتغلين، ولزم الانقطاع، ووظف أوقاته على وظائف الخير، بحيث لا يمضي لحظة منها إلّا في طاعة من التلاوة، والتدريس،
[1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي.
والنظر في الأحاديث، خصوصا البخاري، وإدامة الصيام، والتهجّد، ومجالسة أهل القلوب، إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى، وهو قطب الوجود، والبركة الشاملة لكل موجود، وروح خلاصة أهل الإيمان، والطريق الموصلة إلى رضا الرحمن، يتقرب إلى الله تعالى به كل صديق، ولا يبغضه إلّا ملحد أو زنديق، قد انفرد في ذلك العصر عن أعلام الزمان كما انفرد في هذا الفصل، فلم يترجم فيه معه في الأصل لإنسان. انتهى كلام الإسنوي [1] .
وقال ابن قاضي شهبة [2] : ومن تصانيفه «البسيط» وهو كالمختصر للنهاية، و «الوسيط» ملخص منه، وزاد فيه أمورا من «الإبانة» للفوراني، ومنها أخذ هذا الترتيب الحسن الواقع في كتبه، وتعليق القاضي حسين، و «المهذّب» واستمداده منه كثير، كما نبّه عليه في المطلب، ومن تصانيفه أيضا «الوجيز» و «الخلاصة» مجلد دون «التنبيه» وكتاب «الفتاوى» له مشتمل على مائة وتسعين مسألة، وهي غير مرتبة وله فتاوى أخرى غير مشهورة، أقل من تلك، وصنّف في الخلاف المآخذ جمع مأخذ [3] ، ثم صنّف كتابا آخر في الخلاف سماه «تحصيل المأخذ» [4] وصنّف في المسألة السريجية مصنفين، اختار في أحدهما عدم وقوع الطلاق وفي الآخر الوقوع، وكتاب «الإحياء» وهو الأعجوبة العظيم الشأن، و «بداية الهداية» في التصوف، و «المستصفى» في أصول الفقه، و «إلجام العوام عن علم الكلام» ، و «الرد على الباطنية» ، و «مقاصد الفلاسفة» ، و «تهافت الفلاسفة» و «جواهر القرآن» و «شرح الأسماء
[1] أقول: كلام الإسنوي في مدح الإمام الغزالي فيه مبالغات لا يرضاها الشرع، ولا يقرها الغزالي نفسه. (ع) .
[2]
انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 327- 328) .
[3]
في «آ» : «المآجد جمع ماجد» وأثبت لفظ «ط» وهو موافق لما في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[4]
في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «تحصين المأخذ» .
الحسنى» ، و «مشكاة الأنوار» و «المنقذ من الضلال» وغير ذلك. انتهى.
وذكر الشيخ علاء الدّين علي بن الصيرفي في كتابه «زاد السالكين» أن القاضي أبا بكر بن العربي قال: رأيت الإمام الغزالي في البريّة وبيده عكازة، وعليه مرقعة، وعلى عاتقه ركوة، وقد كنت رأيته ببغداد يحضر مجلس درسه نحو أربعمائة عمامة من أكابر الناس وأفاضلهم، يأخذون عنه العلم. قال:
فدنوت منه وسلّمت عليه، وقلت له: يا إمام! أليس تدريس العلم ببغداد خير من هذا؟ قال: فنظر إلي شزرا [1] وقال: لما طلع بدر السعادة في فلك الإرادة- أو قال سماء الإرادة- وجنحت شمس الوصول في مغارب الأصول:
تركت هوى ليلى وسعدى [2] بمعزل
…
وعدت إلى تصحيح أول منزل
ونادت بي الأشواق مهلا فهذه
…
منازل من تهوى رويدك فانزل
غزلت لهم غزلا دقيقا فلم أجد
…
لغزلي نسّاجا فكسّرت مغزلي
انتهى.
[1] قال في «مختار الصحاح» (شزر) : نظر إليه شزرا، وهو نظر الغضبان بمؤخر عينيه.
[2]
في «آ» : «وشعري» ..