الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة سبع وتسعين وخمسمائة
فيها كان الجوع المفرط والموت بالدّيار المصرية، وجرت أمور تتجاوز الوصف، ودام ذلك إلى نصف العام الآتي، فلو قال قائل: مات ثلاثة أرباع أهل الإقليم لما أبعد. وأكلت لحوم الآدميين.
وفي شعبان كانت الزلزلة العظمى التي عمّت أكثر الدّنيا.
قال أبو شامة [1] : مات بمصر خلق [كثير] تحت الهدم. قال: ثم تهدمت نابلس. وذكر خسفا عظيما، إلى أن قال: وأحصي من هلك في هذه السنة فكان ألف ألف ومائة ألف.
وفيها توفي اللبّان القاضي العدل أبو المكارم، أحمد بن محمد بن محمد التّميمي الأصبهاني [2] مسند العجم، مكثر عن أبي علي الحدّاد، وله إجازة من عبد الغفّار الشّيروي [3] ، توفي في آخر العام.
وفيها أبو القاسم تميم بن أحمد بن أحمد البندنيجيّ الأزجي [4] الحنبلي، مفيد بغداد ومحدّثها. كتب الكثير وعني بهذا الشأن، وحدّث عن
[1] انظر «ذيل الروضتين» ص (20) وما بين حاصرتين زيادة منه، و «العبر» (4/ 296) .
[2]
انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 362- 363) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (246) و «النجوم الزاهرة» (6/ 179) .
[3]
تحرفت في «آ» و «ط» إلى «السروي» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» .
[4]
انظر «العبر» (4/ 297) و «النجوم الزاهرة» (6/ 180) .
أبي بكر بن الزّاغوني وطبقته، وسمع منه ابن النجّار، وتكلّم فيه هو وشيخه ابن الأخضر، وأجاز للحافظ المنذري، وتوفي يوم السبت ثالث جمادى الآخرة عن أربع وخمسين سنة ودفن بمقبرة باب حرب.
وفيها ظافر بن الحسين أبو منصور الأزدي المصري [1] شيخ المالكية.
كان منتصبا للإفادة والفتيا، وانتفع به بشر كثير وتوفي بمصر في جمادى الآخرة.
وفيها أبو محمد بن الطّويلة عبد الله بن أبي بكر المبارك بن هبة الله البغدادي [2] . روى عن ابن الحصين وطائفة، وتوفي في رمضان.
وفيها أبو الفرج بن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله ابن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه القرشي التّيمي البكري البغدادي [3] الحنبلي الواعظ المتفنّن، صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة في أنواع العلم، من التفسير، والحديث، والفقه، والزهد، والوعظ، والأخبار، والتاريخ، والطب، وغير ذلك.
ولد سنة عشر وخمسمائة أو قبلها، وسمع من علي بن عبد الواحد الدّينوري، وابن الحصين، وأبي عبد الله البارع، وتتمّة سبعة وثمانين نفسا.
ووعظ من صغره وفاق فيه الأقران، ونظم الشعر المليح، وكتب بخطّه ما لا
[1] انظر «العبر» (4/ 297) و «حسن المحاضرة» (1/ 454) .
[2]
انظر «العبر» (4/ 297) .
[3]
انظر «العبر» (4/ 297- 298) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 365- 387) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 399- 433) ومقدمة كتابه «زاد المسير في علم التفسير» تحقيق الشيخين شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط. طبع المكتب الإسلامي بدمشق وبيروت. وكتابي «زهرات الياسمين» ص (91) طبع مكتبة دار العروبة في الكويت.
يوصف، ورأى من القبول والاحترام ما لا مزيد عليه.
وحكي غير مرّة أن مجلسه حزر بمائة ألف، وحضر مجلسه الخليفة المستضيء مرّات من وراء الستر.
وذكر هو أنه منسوب إلى محلّة بالبصرة تسمّى محلّة الجوز.
ولما ترعرع حملته عمته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر- وهو خاله- فاعتنى به وأسمعه الحديث، وحفظ القرآن وقرأه على جماعة من القرّاء بالروايات. وسمع بنفسه الكثير، وعني بالطلب، ونظر في جميع الفنون وألّف فيها، وعظم شأنه في ولاية ابن هبيرة.
قال في آخر كتاب «القصّاص والمذكّرين» له: ما زلت أعظ النّاس وأحرّضهم على التّوبة والتّقوى، فقد تاب على يدي [1] إلى أن جمعت هذا الكتاب أكثر من مائة ألف رجل، وقد قطعت من شعور الصبيان اللّاهين أكثر من عشرة آلاف طائلة، وأسلم على يدي أكثر من مائة ألف.
قال: ولا يكاد يذكر لي حديث إلّا ويمكنني [أن] أقول: صحيح، أو حسن، أو محال. ولقد أقدرني الله على أن أرتجل المجلس كله من غير ذكر محفوظ.
وقال سبطه أبو المظفّر [2] : كان زاهدا في الدّنيا متقللا منها. وما مازح أحدا قطّ، ولا لعب مع صبيّ، ولا أكل من جهة لا يتيقّن حلّها. وما زال على ذلك الأسلوب إلى أن توفاه الله تعالى.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان ابن الجوزي لطيف الصوت، حلو الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه
مائة ألف أو يزيدون، لا يضيّع من زمانه شيئا. يكتب في اليوم أربع كراريس، ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدا إلى ستين، وله في كل علم مشاركة. وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوة وذهنه حدة، يعتاض عن الفاكهة بالمفاكهة. لباسه الأبيض الناعم المطيّب.
ونشأ يتيما على العفاف والصلاح، وله مجون لطيف ومداعبات حلوة، ولا ينفك من جارية حسناء.
وذكر غير واحد أنه شرب حبّ البلادر فسقطت لحيته، فكانت قصيرة جدا، وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات. وصنّف في جواز الخضاب بالسواد مجلدا وسئل عن عدد تصانيفه فقال: زيادة على ثلاثمائة وأربعين مصنفا، منها ما هو عشرون مجلدا وأقل.
وقال الحافظ الذهبي: ما علمت أن أحدا من العلماء صنّف ما صنّف هذا الرجل.
وقال يوما في مناجاته: إلهي لا تعذب لسانا يخبر عنك، ولا عينا تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدما تمشي إلى خدمتك، ولا يدا تكتب حديث رسولك، فبعزتك لا تدخلني النّار، فقد علم أهلها أني كنت أذبّ عن دينك.
وقال ابن رجب [1] : نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكيرهم [2] عليه في ذلك، ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف، وهو وإن كان مطلعا على الأحاديث والآثار فلم يكن [خبيرا] بحلّ شبه المتكلمين وبيان فسادها، وكان معظما لأبي الوفاء ابن عقيل، متابعا لأكثر ما يجده من كلامه، وإن كان قد ردّ [3] عليه في بعض
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 414) .
[2]
في «ذيل طبقات الحنابلة» : «نكرهم» ولفظة «خبيرا» مستدركة منه.
[3]
تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ورد» فتصحح.
المسائل، وكان ابن عقيل بارعا في الكلام. ولم يكن تامّ الخبرة بالحديث والآثار، فلهذا يضطرب في هذا الباب وتتلون فيه آراؤه. وأبو الفرج تابع له في هذا التلون.
قال الشيخ موفق الدين المقدسي: كان ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنّف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب فنون، وكان يدرّس الفقه ويصنف فيه، وكان حافظا للحديث، وصنّف فيه، إلّا أننا لم نرض تصانيفه في السّنّة ولا طريقته فيها. انتهى.
توفي ليلة الجمعة بين العشاءين من شهر رمضان، وكان في تموز فأفطر بعض من حضر جنازته لشدة الزحام والحرّ.
وفيها ابن ملّاح الشطّ عبد الرحمن بن محمد بن أبي ياسر البغدادي [1] . روى عن ابن الحصين وطبقته، ومات في عشر المائة.
وفيها عمر بن علي الحربي الواعظ أبو علي البغدادي [2] . روى عن ابن الحصين أيضا والكبار، وتوفي في شوال.
وفيها قراقوش الأمير الكبير الخادم بهاء الدّين الأبيض [3] فتى الملك أسد الدّين شيركوه، وقد وضعوا عليه خرافات لا تصحّ، ولولا وثوق صلاح الدّين بعقله لما سلّم إليه عكا وغيرها، وكانت له رغبة في الخير وآثار حسنة.
قال ابن شهبة: أسر في عكا ففداه السلطان بستين ألف دينار، وهو الذي بنى قلعة القاهرة والسور على مصر والقاهرة، والقنطرة التي عند
[1] انظر «العبر» (4/ 298) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 310- 311) .
[2]
انظر «العبر» (4/ 298) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 353- 354) .
[3]
انظر «وفيات الأعيان» (4/ 91- 92) و «العبر» (4/ 298- 299) و «النجوم الزاهرة» (6/ 180) .
الأهرام، وله مع المصريين وقعات عجيبة، حتّى صنّفوا له كتاب «الفافوش في أحكام قراقوش» . انتهى.
وفيها الكرّاني أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن أحمد الأصبهاني الخبّاز [1] المعمّر، توفي في شوال وقد استكمل مائة عام، وسمع الكثير من الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وغيرهما.
وكرّان محلّة معروفة بأصبهان [2] .
وفيها العماد الكاتب، الوزير العلّامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني ويعرف بابن أخي العزيز [3] .
ولد سنة تسع عشرة بأصبهان، وتفقّه ببغداد في مذهب الشافعي على ابن الرزّاز، وأتقن الفقه، والخلاف، والعربية، وسمع من علي بن الصبّاغ وطبقته، وأجاز له ابن الحصين والفراوي، ثم تعانى الكتابة والترسّل والنظم، ففاق الأقران، وحاز قصب السبق، وولاه ابن هبيرة نظر واسط وغيرها، ثم قدم دمشق بعد الستين وخمسمائة وخدم في ديوان الإنشاء، فبهر الدولة ببديع نثره ونظمه، وترقّى إلى أعلى المراتب، ثم عظمت رتبته في الدولات الصلاحيّة وما بعدها، وصنّف التصانيف الأدبية، وختم به هذا الشأن.
وكانت بينه وبين القاضي الفاضل مطارحات ومداعبات [4] .
قال يوما للقاضي الفاضل: سر فلا كبا بك الفرس. وكانا تلاقيا في الطريق وإنما أراد أنه يقرأ طردا وعكسا، فأجابه الفاضل في الحال: دام علا العماد، وهو أيضا يقرأ طردا وعكسا.
[1] انظر «العبر» (4/ 299) و «النجوم الزاهرة» (6/ 180) .
[2]
انظر «معجم البلدان» (4/ 444) .
[3]
انظر «وفيات الأعيان» (5/ 147- 152) و «العبر» (4/ 299) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 345- 350) و «الوافي بالوفيات» (1/ 132- 140) .
[4]
في «وفيات الأعيان» : «مكاتبات ومحاورات» .
واجتمعا يوما في موكب [1] السلطان وقد انتشر الغبار لكثرة الفرسان، فأنشد العماد:
أمّا الغبار فإنّه
…
ممّا أثارته السّنابك
والجوّ منه مظلم
…
لكن أنار به السّنا [2] بك
يا دهر لي عبد الرحي
…
م فلست أخشى مسّ نابك
ولما صنّف «خريدة القصر» أرسلها إلى [القاضي] الفاضل، فوقف عليها فلم تعجبه، وكانت في ثمانية أجزاء، فقال: أين الآخران لأنه سمّاها «خريدة» يعني خرى عشرة، وهذه ثمانية لأن ده بالعجمي عشرة، ومن ها هنا أخذ ابن سناء الملك قوله:
خريدة أفّيّة من نتنها
…
كأنّها من بعض أنفاسه
فنصفها الأول في ذقنه
…
ونصفها الآخر في رأسه
توفي العماد- رحمه الله تعالى- في أول رمضان، ودفن بمقابر الصوفية.
وفيها ابن الكيّال أبو عبد الله محمد بن محمد بن هارون البغدادي ثم الحليّ البزّار [3] . أحد القراء الأعيان.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة، وقرأ القراءات على سبط الخيّاط، وأبي الكرم الشّهرزوري، وأقرأ بالحلّة زمانا، وتوفي في ذى الحجّة.
وفيها أبو شجاع بن المقرون محمد [بن أبي محمد] بن أبي المعالي البغدادي [4] ، أحد أئمة القراء. قرأ على سبط الخيّاط، وأبي الكرم، وسمع
[1] في «ط» : «في مجلس» .
[2]
جاء في «مختار الصحاح» (سنا) : السّنا، مقصور ضوء البرق.
[3]
انظر «العبر» (4/ 300) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 256- 257) .
[4]
انظر «العبر» (4/ 300) وما بين الحاصرتين زيادة منه.
من أبي الفتح بن البيضاوي وطائفة، ولقن خلقا لا يحصون، وكان صالحا عابدا ورعا، مجاب الدعوة، يتقوت من كسب يده، وكان من الآمرين بالمعروف النّاهين عن المنكر، توفي في ربيع الآخر.
وفيها أبو الحجّاج يوسف بن عبد الرّحمن بن غصن الإشبيلي [1] .
أخذ القراءات عن شريح وجماعة، وحدّث عن ابن العربي، وتصدّر للإقراء، وكان آخر من قرأ القراءات على شريح، توفي في هذا العام أو في حدوده.
قاله في «العبر» .
[1] انظر «العبر» (4/ 300) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 570) .