الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة
فيها توفي أبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن البغدادي الصفّار المقرئ. روى عن ابن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون.
وفيها أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد الأنماطي الحافظ الحنبلي، مفيد بغداد. سمع الصّريفيني ومن بعده.
قال أبو سعد [1] : حافظ، متقن، كثير السماع.
وقال ابن رجب [2] : ولد في رجب سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وسمع الكثير من خلق كثير، وكتب بخطه الكثير، وسمع العالي والنازل، حتى إنه قرأ على ابن الطيّوري جميع ما عنده.
قال ابن ناصر عنه: كان بقية الشيوخ، وكان ثقة ولم يتزوج قطّ.
وقال الحافظ أبو موسى المديني في «معجمه» : هو حافظ عصره ببغداد.
وذكره ابن السمعاني فقال: حافظ، ثقة، متقن، واسع الرواية، دائم البشر، سريع الدمعة عند الذكر، حسن المعاشرة، جمع الفوائد، وخرّج
[1] يعني السمعاني، وقد نقل المؤلف كلامه عن «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 202) .
[2]
انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 201- 203) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
التخاريج، لعله ما بقي جزء مروي إلّا وقد قرأه، وكان متفرغا للتحديث إما أن يقرأ عليه، أو ينسخ [شيئا] .
وذكره تلميذه ابن الجوزي في عدة مواضع من كتبه، كمشيخته، و «طبقات الأصحاب المختصرة» و «التاريخ» و «صفة الصفوة» و «صيد الخاطر» وأثنى عليه كثيرا، وقال: كان ثقة ثبتا ذا دين وورع، وكنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته، وكان على طريقة السلف، وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره، ودخلت عليه في مرضه وقد بلي وذهب لحمه، فقال: إن الله- عز وجل لا يتّهم في قضائه. وما رأينا في مشايخ الحديث أكثر سماعا منه، ولا أكثر كتابة للحديث منه، مع المعرفة به، ولا أصبر على الإقراء، ولا أكثر دمعة وبكاء، مع دوام البشر وحسن اللقاء، وكان لا يغتاب أحدا ولا يغتاب عنده أحد. وكان سهلا في إعارة الأجزاء، لا يتوقف.
توفي- رحمه الله يوم الخميس حادي عشر المحرم، ودفن من الغد بالشونيزية وهي مقبرة أبي القاسم الجنيد، غربي بغداد.
وفيها علي بن طراد، الوزير الكبير، أبو القاسم الزّينبي العبّاسي، وزير المسترشد والمقتفي. سمع من عمه أبي نصر الزّينبي، وأبي القاسم بن البسري، وكان صدرا مهيبا نبيلا، كامل السؤدد، بعيد الغور، دقيق النظر، ذا رأي ودهاء وإقدام، نهض بأعباء بيعة المقتفي وخلع الراشد في نهار واحد، وكان الناس يتعجبون من ذلك، ولما تغيّر عليه المقتفي وهمّ بالقبض عليه، احتمى منه بدار السلطان مسعود، ثم خلّص ولزم داره، واشتغل بالعبادة والخير، إلى أن مات في رمضان، وكان يضرب المثل بحسنه في صباه.
وفيها محمد بن الخضر بن أبي المهزول المعروف بالسّابق [1] من
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 39- 41) و «فوات الوفيات» (3/ 347- 349) .
أهل المعرّة، كان شاعرا مجوّدا، دخل بغداد، وجالس ابن ناقيا [1] ، والأبيوردي، وأبا زكريا التبريزي، وأنشدهم، ولقي ابن الهبّارية، وعمل رسالة لقبها «تحية الندمان» .
ومن شعره في مليح حلقوا رأسه:
وجهك المستنير قد كان بدرا
…
فهو شمس لنفي صدغك عنه
ثبتت آية النهار عليه
…
إذ محا القوم آية الليل منه
وفيها أبو البركات محمد بن علي بن صدقة بن جلب، الصائغ الحنبلي [2] ، أمين الحكم بباب الأزج. سمع من أبي محمد التميمي، وقرأ الفقه على القاضي أبي خازم.
وذكر ابن القطيعي عن أبي الحسين بن أبي البركات الصائغ قال:
سمعت أبي قال: جاءت فتوى إلى القاضي أبي خازم وفيها مكتوب:
ما يقول الإمام أصلحه اللّ
…
هـ[إلهي] وللسبيل هداه
في محبّ أتى إليه حبيب
…
في ليالي صيامه فأتاه
أفتنا هل صباح ليلته أف
…
طر أم لا وقل لنا ما تراه
قال: فقال لي القاضي أبو خازم: أجب يا أبا البركات، فكتبت الجواب، وبالله التوفيق:
أيها السائلي عن الوطء في لي
…
لة الصيام الذي إليه دعاه
وجده بالذي أحب وقد أح
…
رق نار الغرام منه حشاه
كيف يعصي ولو تفكّر في قد
…
رة ربّي مفكّرا ما عصاه
[1] في «آ» و «ط» : «ابن ماقيا» وفي «الوافي بالوفيات» : «ابن باقيا» وهو خطأ، والتصحيح من «فوات الوفيات» و «وفيات الأعيان» (3/ 98- 99) .
[2]
انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 204) و «المنهج الأحمد» (2/ 292- 293) .
أأمنت الذي دحا الأرض أن يط
…
بق دون الورى عليك سماه
ليس فيما أتيت ما يبطل الصو
…
م جوابي فاعلم هداك الله
توفي ليلة الثلاثاء سابع عشر رجب، ودفن بباب حرب، وسبب موته أن زوجته سمّته في طعام قدمته له، وأكل معه منه رجلان، فمات أحدهما من ليلته والآخر من غده، وبقي أبو البركات مريضا مديدة، ثم مات، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الفتوح الإسفراييني محمد بن الفضل بن محمد، ويعرف أيضا بابن المعتمد، الواعظ المتكلم. روى عن أبي الحسن بن الأخرم المديني، ووعظ ببغداد، وجعل شعاره إظهار مذهب الأشعري، وبالغ في ذلك، حتى هاجت فتنة كبيرة بين الحنابلة والأشعرية، فأخرج من بغداد، فغاب مدة ثم قدم وأخذ يثير الفتنة ويبث اعتقاده ويذم الحنابلة، فأخرج من بغداد، وألزم بالإقامة ببلده، فأدركه الموت ببسطام في ذي الحجة، وكان رأسا في الوعظ أوحد في مذهب الأشعري، له تصانيف في الأصول والتصوف.
قال ابن عساكر: أجرأ من رأيته لسانا وجنانا، وأسرعهم جوابا، وأسلسهم خطابا. لازمت حضور مجلسه، فما رأيت مثله واعظا ولا مذكّرا.
قاله في «العبر» [1] .
وفيها أبو القاسم الزّمخشري، محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي النحوي اللغوي المفسر المعتزلي، صاحب «الكشاف» و «المفصّل» عاش إحدى وسبعين سنة، وسمع ببغداد من ابن البطر [2] ، وصنّف عدة تصانيف،
[1](4/ 105) .
[2]
في «ط» : «ابن الطبر» وهو خطأ.
وسقطت رجله، فكان يمشي في جاون خشب، وكان داعية إلى الاعتزال، كثير الفضائل. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن خلّكان [2] : الإمام الكبير في التفسير، والحديث، والنحو، واللغة، وعلم البيان. كان إمام عصره من غير مدافع، تشد إليه الرحال في فنونه. أخذ النحو عن أبي مضر [3] منصور، وصنّف التصانيف البديعة، منها «الكشاف» في تفسير القرآن العظيم، لم يصنّف قبله مثله، و «الفائق» في تفسير [4] الحديث، و «أساس البلاغة» في اللغة، و «ربيع الأبرار وفصوص الأخبار» و «متشابه أسامي الرواة» و «النصائح الكبار» و «النصائح الصغار» و «ضالة الناشد» و «الرائض في علم الفرائض» و «المفصل» في النحو، وقد اعتنى بشرحه خلق كثير، و «الأنموذج» في النحو، و «المفرد والمؤلّف» في النحو، و «رؤوس المسائل» في الفقه، و «شرح أبيات سيبويه» و «المستقصى في أمثال العرب» و «صميم العربية» و «سوائر الأمثال» و «ديوان التمثيل» [5] و «شقائق النعمان» [6] و «شافي العيّ [7] من كلام الشافعي» و «القسطاس» في العروض، و «معجم الحدود» و «المنهاج» في الأصول، و «مقدمة من الآداب» و «ديوان الرسائل» و «ديوان الشعر» و «الرسالة الناصحة» والأمالي في كل فنّ، وغير ذلك.
[1](4/ 106) .
[2]
انظر «وفيات الأعيان» (5/ 168- 174) .
[3]
تحرفت في «آ» إلى «مظفر» .
[4]
لفظة «تفسير» سقطت من «ط» .
[5]
في «آ» و «ط» و «كشف الظنون» : «ديوان التمثل» وما أثبته من «معجم الأدباء» لياقوت (19/ 134) و «وفيات الأعيان» .
[6]
واسمه الكامل كما في «معجم الأدباء» (19/ 135) و «وفيات الأعيان» : «شقائق النعمان في حقائق النّعمان» وقد خصصه للكلام على مناقب أبي حنيفة النعمان رحمه الله تعالى.
[7]
في «آ» و «ط» : «العيي» وما أثبته من «معجم الأدباء» و «وفيات الأعيان» .
وكان قد سافر إلى مكّة- حرسها الله تعالى- وجاور بها زمانا، فصار يقال له «جار الله» لذلك، فكان هذا الاسم علما عليه. وسمعت من بعض المشايخ أن إحدى رجليه كانت ساقطة [1] و [أنّه] كان يمشي في جاون خشب، وكان سبب سقوطها أنه في بعض أسفاره في بلاد خوارزم أصابه ثلج كثير وبرد شديد في الطريق فسقطت منه رجله، وأنه كان بيده محضر فيه شهادة خلق كثير ممن اطلعوا على حقيقة ذلك، خوفا من أن يظن من لم [2] يعلم الحال أنها قطعت لريبة.
ورأيت في تاريخ [بعض] المتأخرين، أن الزّمخشري لما دخل بغداد واجتمع بالفقيه الحنفي الدامغاني سأله عن [سبب] قطع رجله، فقال: دعاء الوالدة، وذلك أنني في صباي أمسكت عصفورا وربطته بخيط في رجله، وأفلت من يدي، فأدركته وقد دخل في خرق، فجذبته فانقطعت رجله في الخيط، فقالت والدتي: قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله، فلما وصلت إلى سنّ الطلب رحلت [3] إلى بخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي، وعملت عليّ عملا [4] أوجب قطعها.
وكان الزّمخشري المذكور معتزلي الاعتقاد متظاهرا به، حتّى نقل عنه أنه كان إذا قصد صاحبا له واستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن: قل له أبو القاسم المعتزلي بالباب. وأول ما صنّف كتاب «الكشّاف» استفتح الخطبة بقوله: «الحمد لله الذي خلق القرآن» فيقال: إنه قيل متى تركته على هذه الهيئة هجره الناس ولا يرغب أحد فيه، فغيّره بقوله:
[1] في «آ» و «ط» : «سقطت» وما أثبته من «وفيات الأعيان» وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2]
لفظة «لم» سقطت من «ط» .
[3]
في «آ» و «ط» «دخلت» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» .
[4]
في «آ» و «ط» : «عمل» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» .
«الحمد لله الذي جعل القرآن» وجعل عندهم بمعنى خلق. ورأيت في كثير من النسخ «الحمد لله الذي أنزل القرآن» وهذا إصلاح الناس لا إصلاح المصنّف.
وكان الحافظ أبو الطاهر السّلفي كتب إليه من الإسكندرية وهو يومئذ مجاور بمكة يستجيزه في مسموعاته ومصنفاته، فردّ جوابه بما لا يشفي الغليل، فلما كان في العام الثاني كتب إليه أيضا مع بعض الحجّاج استجازة أخرى، ثم قال في آخرها: ولا يحوج- أدام الله توفيقه- إلى المراجعة، فالمسافة بعيدة، وقد كاتبه في السنة الماضية فلم يجبه بما يشفي الغليل، وفي ذلك الأجر الجزيل. فكتب [إليه] الزّمخشري جوابه بأفصح عبارة وأبلغها، ولم يصرح له بمقصوده.
ومن شعره السائر قوله:
ألا قل لسعدى ما لنا فيك [1] من وطر
…
وما النّجل [2] من أعين البقر
فإنّا اقتصرنا بالذين تضايقت
…
عيونهم والله يجزي من اقتصر
مليح ولكن عنده كلّ [3] جفوة
…
ولم أر في الدّنيا صفاء بلا كدر
ولم أنس إذ غازلته قرب روضة
…
إلى جنب حوض فيه للماء منحدر [4]
فقلت له: جئني بورد وإنما
…
أردت به ورد الخدود وما شعر
فقال: انتظرني رجع طرف أجئ به
…
فقلت له: هيهات ما لي منتظر
فقال: ولا ورد سوى الخدّ حاضر
…
فقلت له: إنّي قنعت بما حضر
[1] في «آ» و «ط» : «فيه» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
[2]
في «آ» و «ط» : «وما بطنين النحل» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و «العقد الثمين» (7/ 147) والنجل: سعة فتحة العين. ورواية البيت في «سير أعلام النبلاء» (20/ 155) :
ألا قل لسعدى ما لنا فيك من وطر
…
وما تطّبينا النّجل من أعين البقر
[3]
لفظة «كل» سقطت من «آ» .
[4]
في «آ» و «ط» : «منحصر» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و «سير أعلام النبلاء» .
ومن شعره يرثي شيخه أبا مضر [1] منصورا:
وقائلة: ما هذه الدّرر التي
…
تساقط من عينيك سمطين سمطين؟
فقلت لها: الدّر الذي كان قد حشا
…
أبو مضر أذني تساقط من عيني
ومن شعره:
أقول لظبي مرّ بي وهو راتع
…
أأنت أخو ليلى فقال: يقال
فقلت وفي حكم الصبابة والهوى
…
يقال أخو ليلى فقال: يقال
فقلت وفي ظل الأراكة والحمى
…
يقال ويستسقي فقال: يقال
ومما أنشد لغيره في كتاب «الكشّاف» [2] في سورة البقرة، عند قوله تعالى: إِنَّ الله لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها 2: 26 [البقرة:
26] فإنه قال: أنشدت لبعضهم:
يا من يرى مدّ البعوض جناحها
…
في ظلمة اللّيل البهيم الأليل
ويرى مناط عروقها في نحرها
…
والمخّ في تلك العظام النّحل
اغفر لعبد تاب عن فرطاته
…
ما كان منه في الزمان الأول
وكانت ولادة الزمخشري يوم الأربعاء سابع عشري رجب، سنة سبع وستين وأربعمائة بزمخشر، وتوفي ليلة عرفة بجرجانيّة خوارزم، بعد رجوعه من مكّة. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا [3] .
وقال ابن الأهدل: كان من أئمة الحنفية، معتزلي العقيدة، عظم صيته في علوم الأدب، وسلّم مناظروه له. انتهى ملخصا أيضا.
[1] لفظة «مضر» سقطت من «آ» .
[2]
انظر «الكشاف» (1/ 265) مصورة دار المعرفة ببيروت.
[3]
لفظة «ملخصا» لم ترد في «آ» .