الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة إحدى وثمانين وخمسمائة
فيها نازل صلاح الدّين الموصل، وقد سارت إلى خدمته ابنة الملك نور الدّين محمود زوجة عز الدّين صاحب البلد، وخضعت له، فردّها خائبة، وحصر الموصل، فبذل أهلها نفوسهم، وقاتلوا أشدّ قتال، فندم وترحّل عنهم لحصانتها، ثم نزل على ميّافارقين فأخذها بالأمان، ثم ردّ إلى الموصل وحاصرها أيضا، ثم وقع الصلح على أن يخطبوا له، وأن يكون صاحبها طوعه، وأن يكون لصلاح الدّين شهرزور وحصونها، ثم رحل، فمرض واشتد مرضه بحرّان، حتّى أرجفوا بموته، وسقط شعر لحيته ورأسه.
وفيها استولى ابن عائنة الملثّم على أكثر بلاد إفريقية، وخطب للناصر العبّاسي، وبعث رسوله يطلب التقليد بالسلطنة.
وفيها توفي صدر الإسلام أبو الطاهر بن عوف إسماعيل بن مكّي بن إسماعيل بن عيسى بن عوف الزّهري الإسكندراني المالكي [1] في شعبان، وله ست وتسعون سنة، تفقّه على أبي بكر الطّرطوشي، وسمع منه ومن أبي عبد الله الرّازي، وبرع في المذهب، وتخرّج به الأصحاب، وقصده السلطان صلاح الدّين وسمع منه «الموطأ» .
[1] انظر «العبر» (4/ 242) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 122- 123) .
وفيها محمد البهلوان بن إلدكز [1] الأتابك، شمس الدّين، صاحب أذربيجان، وعراق العجم، توفي في هذه السنة، وقام بعده أخوه قزل، وكان السلطان طغرل [2] السلجوقي من تحت حكم البهلوان كما كان أبوه أرسلان شاه من تحت حكم أبيه إلدكز [1] وكان له خمسة آلاف مملوك.
وفيها الشيخ الكبير، الولي الشهير، حياة بن قيس الحرّاني [3]، أحد الأربعة الذين قال فيهم أبو عبد الله القرشي: رأيت أربعة من المشايخ يتصرفون في قبورهم كحياتهم، الشيخ معروف الكرخي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ عقيل المنبجي، والشيخ حياة بن قيس الحرّاني، رضي الله عنهم، تخرّج بالشيخ حياة كثير من المريدين وأنجبوا، وله من الكرامات أحوال تذهل العقول، منها ما حكاه الشيخ الصالح غانم بن يعلى، قال:
انكسرت بنا سفينة في بحر الهند، فنجوت إلى جزيرة فوجدت فيها مسجدا فيه أربعة نفر متوجهون إلى الله تعالى، فلما كان وقت العشاء دخل الشيخ حياة الحرّاني فتبادروا للسلام، وتقدم فصلى بهم، ثم صلوا الفجر، وسمعته يقول في مناجاته: يا حبيب التائبين، ويا سرور العارفين، ويا قرّة عين العابدين، ويا أنس المنفردين، ويا حرز اللاجئين، ويا ظهير المنقطعين، يا من حنّت إليه قلوب الصّدّيقين، وأنست به أفئدة المحبين، وعلّقت عليه همة الخائفين. ثم بكى، فرأيت الأنوار قد حفّت بهم، ثم خرج من المسجد وهو يقول:
[1] في «آ» و «ط» : «الزكر» والتصحيح من «العبر» (4/ 242) .
[2]
في «آ» و «ط» : «طغربك» وفي «العبر» : «طغرل» وهو ما أثبته، وفي «سير أعلام النبلاء» (21/ 145) :«طغريل» .
[3]
انظر «العبر» (4/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 181- 182) و «مرآة الجنان» (3/ 419- 422) و «طبقات الأولياء» ص (430- 431) و «غربال الزمان» ص (465) .
سير المحبّ إلى المحبوب زلزال
…
والقلب فيه من الأهوال بلبال
[1]
أطوي المهامة [2] من قفر على قدم
…
إليك تدفعني [3] سهل وأجبال
فقالوا لي: اتبع الشيخ، فتبعته، فكانت الأرض تطوى لنا، فوافينا حرّان وهم يصلون الصبح. سكن- رحمه الله تعالى- حرّان إلى أن توفي. قاله ابن الأهدل.
وفيها أبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد التّنوخي المعرّي ثم الدّمشقي [4] ، صاحب ديوان الإنشاء في الدولة النّورية، عاش خمسا وثمانين سنة.
وفيها المهذّب بن الدّهّان عبد الله بن أسعد بن علي الموصلي [5] الفقيه الشافعي الأديب الشاعر النحوي، ذو الفنون، دخل يوما على نور الدّين الشهيد، فقال له: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت كما لا يريد الله ولا رسوله، ولا أنت ولا أنا، ولا ابن عصرون، فقال نور الدّين: كيف ذلك؟
فقال: لأن الله ورسوله يريدان مني الإعراض عن الدّنيا والإقبال على الآخرة ولست كذلك، وأنت تريد منّي أن لا أسألك شيئا ولست كذلك، وأنا أريد من نفسي أن أكون أسعد الناس ولست كذلك، وابن عصرون يريد مني أن أكون مقطّعا إربا إربا ولست كذلك، فضحك منه وأمر له بصلة.
وقال العماد الكاتب: لما وصل السلطان صلاح الدّين إلى حمص، خرج إلينا ابن الدّهّان، فقدّمته وقلت: هذا الذي يقول في قصيدة يمدح بها ابن رزّيك:
[1] البلبال: الهم ووسواس الصدر. انظر «مختار الصحاح» (بلل) .
[2]
المهامه: المفاوز. انظر «مختار الصحاح» (مهه) .
[3]
في «غربال الزمان» : «ترفعني» .
[4]
انظر «العبر» (4/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 145) .
[5]
انظر «العبر» (4/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 176- 177) .
أأمدح التّرك أبغي الفضل عندهم
…
والشّعر ما زال عند التّرك متروكا
فأعطاه السلطان مائة دينار، وقال: حتى لا تقول إنه متروك عند التّرك، فامتدحه بقصيدته العينية التي يقول فيها:
أعلمت بعدك وقفتي بالأجرع
…
ورضا طلولك عن دموعي الهمّع
لا قلب لي فأعي الكلام فإنني
…
أودعته بالأمس عند مودّعي
قل للبخيلة بالسلام تورّعا
…
كيف استبحت دمي ولم تتورّعي
هل تسمحين ببذل أيسر نائل
…
أن أشتكي وجدي إليك وتسمعي
أو سائلي جسدي ترى أين العنا
…
أو فاسألي إن شئت شاهد أدمعي
فالسّقم آية ما أجنّ من الجوى
…
والدّمع بيّنة على ما أدّعي
وله في غلام لسبته [1] نحلة في شفته:
بأبي من لسبته نحلة
…
آلمت أكرم شيء وأجل
أثّرت لسبتها في شفة
…
ما براها الله إلّا للقبل
حسبت أنّ بفيه بيتها
…
إذ رأت ريقته مثل العسل
توفي بحمص في شعبان، وكان مدرسا بها.
وفيها عبد الحقّ بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو محمد الأزدي الإشبيلي [2] الحافظ، ويعرف بابن الخرّاط، أحد الأعلام، ومؤلف «الأحكام الكبرى» و «الصغرى» و «الجمع بين الصحيحين» وكتاب «الغريبين في اللغة» وكتاب «الجمع بين [الكتب] الستة» [3] وغير ذلك. روى عن أبي الحسن شريح وجماعة، نزل بجاية، وولي خطابتها، وبها توفي بعد محنة لحقته من
[1] جاء في «لسان العرب» (لسب) : لسبته الحيّة والعقرب الزّنبور
…
لدغته.
[2]
انظر «العبر» (4/ 243- 244) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 198- 202) .
[3]
تصحفت لفظة «الستة» في «آ» و «ط» إلى «السنة» ولفظة «الكتب» سقطت منهما والتصحيح من «العبر» و «كشف الظنون» (1/ 600) وانظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 199) .
الدولة في ربيع الآخر عن إحدى وسبعين سنة، وكان مع جلالته في العلم قانعا متعفّفا موصوفا بالصلاح والورع ولزوم السّنّة.
وفيها الإمام السّهيلي أبو زيد، وأبو القاسم، وأبو الحسن، عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد العلّامة الأندلسي [1] المالقي النّحوي، الحافظ العلم، صاحب التصانيف، منها «الروض الأنف في شرح سيرة ابن هشام» و « [التعريف و] الإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام» [2] وكتاب «نتائج الفكر» [3] ومسألة رؤية الله- عز وجل في المنام، وروية النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومسألة السرّ في عور الدّجال، ومسائل كثيرة، وله أبيات الفرج المشهورة.
قال ابن دحية أنشدنيها، وقال: ما يسأل الله بها أحد حاجة إلّا أعطاه إيّاها، وهي:
يا من يرى ما في الضّمير ويسمع
…
أنت المعدّ لكلّ ما يتوقّع
يا من يرجّى للشدائد كلّها
…
يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن
…
أمنن فإنّ الخير عندك أجمع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة
…
فلئن رددت فأي باب أقرع
[4]
[1] انظر «إنباه الرواة» (2/ 162- 164) و «وفيات الأعيان» (3/ 143- 144) و «العبر» (4/ 244) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 157) و «البداية والنهاية» (12/ 318- 319) .
[2]
نقوم بتحقيقه أنا وصديقي الأستاذ حسن مروة بالاعتماد على نسختين خطيتين، ونرجو الله عز وجل أن يعيننا على الانتهاء منه ودفعه إلى الطبع قريبا إن شاء الله تعالى.
ولابن عسكر كتاب سمّاه «التكملة والإتمام لكتاب التعريف والإعلام» استدرك به ما فات السّهيلي ذكره، وفي النية تحقيقه عقب الفراغ من تحقيق «التعريف والإعلام» إن شاء الله تعالى.
[3]
تحرف اسم الكتاب في «آ» و «ط» إلى «نتائج النظر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «البداية والنهاية» .
[4]
تأخر هذا البيت في «وفيات الأعيان» و «البداية والنهاية» إلى ما بعد البيت الذي يليه.
ما لي سوى فقري إليك وسيلة
…
وبالافتقار إليك فقري أدفع
من ذا الذي أدعو وأهتف باسمه
…
إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لمجدك أن تقنّط عاصيا
…
الفضل أجزل والمواهب أوسع
[1]
وله أشعار كثيرة نافعة، وكان مالكيا ضريرا، أخذ القراءات عن جماعة، وروى عن ابن العربي والكبار، وبرع في العربية واللغات والأخبار والأثر، وتصدّر للإفادة، وكان مشهورا بالصلاح، والورع، والعفاف، والقناعة بالكفاف، وأقام ببلده إلى أن نمى خبره إلى مرّاكش، فطلبه وإليها وأحسن إليه، وأقبل [بوجه الإقبال] عليه، وأقام بها نحو ثلاثة أعوام.
وهو منسوب إلى السّهيل، قرية بالقرب من مالقة بالأندلس.
وتوفي في شعبان في اليوم الذي توفي فيه شيخ الإسكندرية أبو الطاهر ابن عوف، وعاش اثنتين وسبعين سنة.
وفيها عبد الرزاق بن نصر بن المسلم الدّمشقي النجّار [2] . روى عن ابن الموازيني وغيره، وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة.
وفيها ابن شاتيل أبو الفتح، عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا الدّبّاس [3] مسند بغداد. سمع الحسين بن البسري، وأبا غالب بن الباقلاني وجماعة، وتفرّد بالرواية عن بعضهم، ووهم من قال: إنه سمع من [ابن] البطر، توفي في رجب عن تسعين سنة.
وفيها عصمة الدّين الخاتون [4] بنت الأمير معين الدّين أنر زوجة
[1] وزاد ابن فرحون في «الدّيباج المذهب» ص (151) طبع دار الكتب العلمية:
ثم الصّلاة على النّبيّ وآله
…
خير الأنام ومن به يتشفّع
[2]
انظر «العبر» (4/ 244) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 130) .
[3]
انظر «العبر» (4/ 244- 245) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «سير أعلام النبلاء» (21/ 117- 118) .
[4]
انظر «العبر» (4/ 245) .
نور الدّين ثم صلاح الدّين، وواقفة المدرسة التي بدمشق للحنفية، وبنت خانقاه للصوفية على الشرف القبلي خارج باب النصر، وبنت تربة بقاسيون على نهر يزيد تجاه قبة جركس ودفنت بها، وهي في يومنا هذا داخل جامع الجديد بالصالحية، وأوقفت على هذه الأماكن أوقافا كثيرة.
وفيها الميّانشي [1] أبو حفص، عمر بن عبد المجيد القرشي، شيخ الحرم، تناول من أبي عبد الله الرّازي، وسمع من جماعة، وله كرّاس في علم الحديث. توفي بمكّة.
وفيها أبو المجد البانياسي الفضل بن الحسين الحميري عفيف الدّين الدمشقي [2] . روى عن أبي القاسم الكلابي، وأبي الحسن بن الموازيني.
توفي في شوال وله ست وثمانون سنة.
وفيها صاحب حمص الملك ناصر الدّين محمد بن الملك أسد الدّين شيركوه [3] ، وابن عم السلطان صلاح الدّين. كان فارسا شجاعا جريئا متطلعا إلى السلطنة، قيل: إنه قتله الخمر، وقيل: بل سقي السّمّ، مات يوم عرفة.
وفيها أبو سعد الصّائغ محمد بن عبد الواحد الأصبهاني [4] المحدّث. روى عن غانم البرجي، والحداد، وخلق.
[1] في «آ» و «ط» : «الماشي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (4/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 157) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) و «منتخب مخطوطات الحديث في الظاهرية» للأستاذ المحدّث الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني ص (416) .
[2]
انظر «العبر» (4/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 157) .
[3]
انظر «وفيات الأعيان» (2/ 480) و «العبر» (4/ 246) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) .
[4]
انظر «العبر» (4/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 129- 130) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) .
وفيها أبو موسى المدينيّ [1] محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الحافظ، صاحب التصانيف، وله ثمانون سنة. سمع من غانم البرجي وجماعة من أصحاب أبي نعيم، ولم يخلّف بعده مثله. مات في جمادى الأولى، وكان مع براعته في الحفظ والرّجال صاحب ورع وعبادة وجلالة وتقى.
[1] انظر «العبر» (4/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 152- 159) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) .