الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أربع وثمانين وخمسمائة
دخلت وصلاح الدّين يصول ويجول بجنوده على الفرنج، حتّى دوّخ بلادهم، وبثّ سراياه، وافتتح أخوه الملك العادل الكرك بالأمان في رمضان، وسلّموها لفرط القحط.
وفيها توفي أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ، الأمير الكبير، مؤيد الدولة، أبو المظفر، الكناني الشّيزري [1] . كان من أكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيزر [2] وعلمائهم وشجعانهم، له تصانيف عديدة في فنون الأدب والأخبار والنظم، وفيه تشيع.
قال العماد الكاتب في «الخريدة» : سكن دمشق ثم نبت به كما تنبو الدار بالكريم، فانتقل إلى مصر، فبقي فيها مؤمّرا مشارا إليه بالتعظيم إلى أيام الصالح بن رزّيك، ثم عاد إلى الشام وسكن دمشق، ثم رماه الزمان إلى حصن كيفا، فأقام به حتّى ملك السلطان صلاح الدّين دمشق، فاستدعاه وهو شيخ قد جاوز الثمانين.
وقال ابن خلّكان [3] : له ديوان شعر في جزأين موجود بأيدي الناس، ورأيته بخطّه ونقلت منه:
[1] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الشيرازي» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[2]
قال ياقوت: «شيزر» قلعة تشتمل على كورة بالشام قرب المعرّة. انظر «معجم البلدان» (3/ 383) .
[3]
انظر «وفيات الأعيان» (1/ 196- 199) وقد نقل المؤلف كلام العماد الكاتب المتقدم عنه.
لا تستعر جلدا على هجرانهم
…
فقواك تضعف عن صدود دائم
واعلم بأنّك إن رجعت إليهم
…
طوعا وإلّا عدت عودة راغم
وله جواب عن أبيات كتبها أبوه إليه:
وما أشكو تلوّن أهل ودّي
…
ولو أجدت شكيّتهم شكوت
مللت [1] عتابهم ويئست منهم
…
فما أرجوهم فيمن رجوت
إذا أدمت قوارضهم فؤادي
…
كظمت على أذاهم وانطويت
ورحت عليهم طلق المحيّا
…
كأنّي ما سمعت ولا رأيت
تجنّوا لي ذنوبا ما جنتها
…
يداي ولا أمرت ولا نهيت
ولا والله ما أضمرت غدرا
…
كما قد أظهروه ولا نويت
ويوم الحشر موعدنا فتبدو
…
صحيفة ما جنوه وما جنيت
وله وقد قلع ضرسه، وقال: عملتهما ونحن بظاهر خلاط، وهو معنى غريب، ويصلح أن يكون لغزا في الضرس:
وصاحب لا أملّ الدّهر صحبته
…
يشقى لنفعي ويسعى سعي مجتهد
لم ألقه مذ تصاحبنا فمذ وقعت
…
عيني عليه افترقنا فرقة الأبد
[2]
توفي يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان، ودفن من الغد شرقي جبل قاسيون.
وفيها عبد الرّحمن بن محمد بن حبيش القاضي أبو القاسم الأنصاري المريّيّ [3] ، نزيل مرسية، عاش ثمانين سنة، وقرأ القراءات على
[1] في «آ» و «ط» : «ملكت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وديوانه ص (115) .
[2]
رواية البيت في «وفيات الأعيان» :
لم ألقه مذ تصاحبنا فحين بدا
…
لناظريّ افترقنا فرقة الأبد
[3]
في «آ» و «ط» : «المري» والتصحيح من «العبر» (4/ 252) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 119) .
جماعة، ورحل بعد ذلك، فسمع بقرطبة من يونس بن محمد بن مغيث والكبار، وكان من أئمة الحديث، والقراءات، والنحو، واللغة، ولي خطابة مرسية وقضاءها مدة، واشتهر ذكره وبعد صيته، وكانت الرحلة إليه في زمانه، وقد صنّف كتاب «المغازي» في عدة مجلدات [1] .
وفيها عمر بن بكر بن محمد بن علي القاضي عماد الدّين بن الإمام شمس الأئمة الجابريّ [2] الزّرنجري- بفتح الزاي والراء الأولى والجيم، وسكون النون، نسبة إلى زرنجرا قرية ببخارى [3]- شيخ الحنفية في زمانه بما وراء النهر، ومن انتهت إليه رئاسة الفقه، توفي في شوال عن نحو تسعين سنة.
وفيها التّاج المسعودي محمد بن عبد الرحمن البنجديهي [4]- بفتح الموحدة وسكون النون، وفتح الجيم، وبعد الدال المهملة تحتية، نسبة إلى بنج دية خمس قرى بمرو الرّوذ [5]- الخراساني الصّوفي الشافعي، الرحّال الأديب، مات عن اثنتين وثمانين سنة بدمشق، وسمع من أبي الوقت وطبقته، وأملى بمصر مجالس، وعني بهذا الشأن، وكتب وسعى، وجمع فأوعى، وصنّف شرحا طويلا للمقامات.
قال يوسف بن خليل الحافظ: لم يكن في نقله بثقة.
وقال بن النجار: كان من الفضلاء في كلّ فنّ، في الفقه، والحديث، والأدب، وكان من أظرف المشايخ وأجملهم.
[1] في «سير أعلام النبلاء» : «في خمس مجلدات» .
[2]
في «آ» و «ط» : «الخابوري» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[3]
انظر «العبر» (4/ 253) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 172- 173) و «الجواهر المضية» (2/ 640- 641) .
[4]
انظر «العبر» (4/ 253) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 173- 175) .
[5]
انظر «معجم البلدان» (1/ 498) .
وفيها أبو الفتح بن التّعاويذي [1] محمد بن عبيد الله [2] ، الكاتب الشاعر المشهور، نسب إلى التّعاويذي لأنه نشأ في حجره، وهو جدّه لأمه، كان شاعرا لطيفا، عذب الكلام، سهل الألفاظ، سار نظمه في الآفاق، وتقدم على شعراء العراق وعمي في آخر عمره، وجمع ديوانه بنفسه.
قال ابن خلّكان: كان شاعر وقته، لم يكن فيه مثله، جمع شعره بين جزالة الألفاظ وعذوبتها، ورقة المعاني ودقتها، وهو في غاية الحسن والحلاوة، وفيما أعتقده لم يكن قبله بمائتي سنة من يضاهيه، وله في عماه أشياء كثيرة يرثي عينيه وزمان شبابه ونضرته. وكان قد جمع ديوانه بنفسه قبل العمى، وعمل له خطبة ظريفة، ورتبه أربعة فصول، وكل ما جدده بعد ذلك سماه الزيادات، فلهذا يوجد ديوانه خاليا من الزيادات، وفي بعضها مكملا بالزيادات، ولما عمي كان باسمه راتب في الديوان، فالتمس أن ينقل باسم أولاده فنقل، وكان وزير الديوان ابن البلدي قد عزل أرباب الدواوين وحبسهم وحاسبهم وصادرهم وعاقبهم، فقال فيه ابن التّعاويذي:
يا ربّ أشكو إليك ضرّا
…
أنت على كشفه قدير
أليس صرنا إلى زمان
…
فيه أبو جعفر وزير
وكانت ولادة ابن التّعاويذي في العاشر من رجب يوم الجمعة، سنة تسع عشرة وخمسمائة، وتوفي في ثاني شوال.
والتّعاويذي: نسبة إلى كتب التّعاويذ وهي الحروز.
وفيها أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم، المعروف
[1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 466- 473) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 175- 176) و «العبر» (4/ 253) .
[2]
في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» والتصحيح من مصادر الترجمة المذكورة في التعليق السابق.
بالحازمي- بالحاء المهملة نسبة إلى جدّه- الهمذاني [1] الشافعي الملقب زين الدّين. كان فقيها حافظا زاهدا ورعا متقشفا، حافظا للمتون والأسانيد، غلب عليه علم الحديث، وصنّف فيه تصانيفه المشهورة، منها «الناسخ والمنسوخ» في الحديث، لم يصنّف في فنّه مثله، وكتاب «المشتبه» وكتاب «سلسلة الذهب» فيما روى الإمام أحمد عن الشافعي، وفي شروط الأئمة وغيرها من التصانيف النافعة، واستوطن بغداد، ولازم الاشتغال والتعبد إلى أن مات ليلة الاثنين الثامن والعشرين من جمادى الأولى، ودفن في الشونيزية مقابل الجنيد، وكان قد فرّق كتبه على أصحاب الحديث.
قال الإسنوي [2] : ولا نعلم أحدا ممن ترجمنا له توفي أصغر سنا منه، [وذلك] عكس القاضي أبي الطيب، وأبي طاهر الزّيّادي. نقل عنه في «الروضة» في أثناء كتاب القضاء، أن الذين أدركتهم من الحفّاظ كانوا يميلون إلى جواز إجازة غير المعين بوصف العموم، كأجزت [3] للمسلمين ونحوه، ثم صحّحه النّووي. انتهى.
وفيها ابن صدقة الحرّاني [4] أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن صدقة، التّاجر السفّار. راوي «صحيح مسلم» عن الفراوي. شيخ صالح صدوق، كثير الأسفار، سمع في كهولته الكتاب المذكور، وعمّر سبعا وتسعين سنة، توفي في ربيع الأول بدمشق، وله بها أوقاف وبرّ.
وفيها يحيى بن محمود بن سعد الثقفي أبو الفرج الأصبهاني [5]
[1] انظر «العبر» (4/ 254) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 167- 172) .
[2]
انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 414) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[3]
تحرفت في «طبقات الشافعية» للإسنوي إلى «كأجرة» فتصحح من هنا.
[4]
انظر «العبر» (4/ 254) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 193- 194) .
[5]
انظر «العبر» (4/ 254) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 134- 135) .
الصوفي، حضر في أول عمره على الحداد وجماعة، وسمع من جعفر بن عبد الواحد الثقفي، وفاطمة الجوزدانية، وجدّه لأمه أبي القاسم، صاحب «الترغيب والترهيب» . وروى الكثير بأصبهان، والموصل، وحلب، ودمشق، وتوفي بنواحي همذان، وله سبعون سنة.