الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وسبعين وخمسمائة
فيها كما قال في «الشذور» وقعت زلزلة فوق بلاد إربل فتصادمت منها الجبال، وكان هناك نهر أحمر ماؤه من دماء الهالكين.
وفيها نزل صلاح الدّين على بانياس، وأغارت سراياه على الفرنج، ثم أخبر بمجيء الفرنج، فبادر في الحال وكبسهم، فإذا هم في ألف قنطارية وعشرة آلاف راجل، فحملوا على المسلمين فثبتوا لهم [1] ثم حمل المسلمون فهزموهم ووضعوا فيهم السيف، ثم أسروا مائتين وسبعين أسيرا، منهم مقدّم الدّيويّة [2] فاستفكّ نفسه بألف أسير وبجملة من المال، وأما ملكهم فانهزم جريحا.
وفيها توفي أحمد بن أبي الوفاء عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الصمد بن محمد بن الصائغ البغدادي [3] الفقيه الحنبلي الإمام، أبو الفتح، نزيل حرّان.
ولد ببغداد سنة تسعين وأربعمائة، ولزم أبا الخطّاب الكلوذاني وخدمه وتفقّه عليه، وسمع منه ومن ابن بيان، وسافر إلى حلب وسكنها، ثم استوطن
[1] في «العبر» بطبعتيه: «فبيتوا لهم» .
[2]
قال الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد في تعليقه على «العبر» : ويسمون أيضا: «الداوية» وهم المسلمون بالفرنسية.
[3]
انظر «العبر» (4/ 222) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 347- 348) .
حرّان إلى حين وفاته، وكان هو المفتي والمدرّس بها، وقرأ عليه الفقه جماعة، منهم: الشيخ فخر الدّين بن تيمية، وسمع منه جماعة، منهم: ابن عبدوس، والعماد المقدسي، وأبو الحسن بن القطيعي، وروى عنه في «تاريخه» .
قال: وأنشدني أبو الخطّاب الكلوذاني لنفسه:
أنا شيخ وللمشايخ بالآ
…
داب علم يخفى على الشبّان
فإذا ما ذكرتني فتأدّب
…
فهو فرض يردّ بالميزان
وفيها إسماعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن محمد بن الجواليقي [1] الأديب بن الأديب أبو محمد بن أبي منصور الحنبلي.
ولد في شعبان سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وسمع من أبي الحصين، وأبي الحسين بن الفرّاء وغيرهما، وقرأ القرآن والأدب على أبيه، وكان عالما باللغة، والعربية، والأدب، وله سمت حسن، وقام مقام أبيه في دار الخلافة.
قال ابن الجوزي: ما رأينا ولدا أشبه أباه مثله، حتّى في مشيه وأفعاله، وتوفي يوم الجمعة منتصف شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وقال ابن النجار: كان من أعيان العلماء بالأدب، صحيح النقل، كثير المحفوظ، حجّة ثقة نبيلا، مليح الخطّ.
وفيها أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم الغافقي [2] المقرئ. أخذ القراءات عن أبيه، وأبي الحسن شريح، وطائفة، وأقرأ بالإسكندرية، والقاهرة، واستملى عليه السلطان صلاح الدّين، وقرّبه واحترمه، وكان فقيها
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 346- 347) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 91) .
[2]
انظر «العبر» (4/ 222) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 544- 545) .
مفتيا محدّثا مقرئا نسابة أخباريا، بديع الخطّ، وقيل: هو أول من خطب بالدعوة العباسية بمصر، توفي في رجب.
وفيها تجنّي الوهبانية [1] أم عتب [2] . آخر من روى في الدّنيا بالسماع عن طراد، والنّعالي. توفيت في شوال.
وفيها المستضيء بأمر الله، أبو محمد الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر أحمد بن المقتدي العبّاسي [3] بويع بعد أبيه في ربيع الآخر سنة ست وستين، ونهض بخلافته الوزير عضد الدّين ابن رئيس الرؤساء فاستوزره، وكان ذا دين وحلم وأناة ورأفة ومعروف زائد، وأمه أرمنية، عاش خمسا وأربعين سنة، وخلّف ولدين أحمد الناصر وهاشما.
قال ابن الجوزي في «المنتظم» : أظهر من العدل والكرم ما لم نره في أعمارنا، وفرّق مالا عظيما في الهاشميين وفي المدارس، وكان ليس للمال عنده وقع.
وقال الذهبي: كان يطلب ابن الجوزي ويأمر بعقد مجلس الوعظ، ويجلس بحيث يسمع ولا يرى، وفي أيامه اختفى الرفض [ببغداد ووهى، وأما بمصر والشام فتلاشى، وزالت دولة العبيديين أولي الرفض][4] وخطب له بديار مصر وبعض المغرب واليمن.
وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» : ولما استخلف خلع على أرباب الدولة وغيرهم فحكى خيّاط المخزن أنه فصل ألفا وثلاثمائة قباء إبريسم،
[1] انظر «العبر» (4/ 223) - وقد تحرفت «الوهبانية» فيه وفي طبعة بيروت منه إلى «الوهّابية» - و «سير أعلام النبلاء» (20/ 550- 551) .
[2]
في «مشتبه النسبة» للذهبي (1/ 110) : «ويقال: أم الحباء» .
[3]
انظر «العبر» (4/ 223- 224) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 68- 72) و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (444- 448) .
[4]
ما بين حاصرتين سقط من «آ» .
وخطب له على منابر بغداد، ونثرت الدنانير كما جرت العادة، وولّى روح الحديثي القضاء، وأمر سبعة عشر مملوكا.
وللحيص بيص فيه:
يا إمام الهدى علوت عن الجو
…
د بمال وفضّة ونضار
فوهبت الأعمار والأمن والبل
…
دان في ساعة مضت من نهار
فبماذا نثني عليك وقد جا
…
وزت فضل البحور والأمطار
[1]
إنما أنت معجز مستقلّ
…
خارق للعقول والأفكار
جمعت نفسك الشريفة بالبأ
…
س وبالجود بين ماء ونار
قال ابن الجوزي: واحتجب المستضيء عن أكثر الناس فلم يركب إلّا مع الخدم، ولم يدخل عليه غير قيماز، وفي خلافته انقضت، دولة بني عبيد، وخطب له بمصر وضربت السكة باسمه، وجاء البشير بذلك، فغلّقت الأسواق ببغداد، وعملت القباب، وصنّفت كتابا سميته «النصر على مصر» . هذا كلام ابن الجوزي.
وللعماد الكاتب قصيدة في ذلك منها:
قد خطبنا للمستضيء بمصر
…
نائب المصطفى إمام العصر
وخذلنا لنصره العضد العا
…
ضد والقاصر الذي بالقصر
وتركنا الدّعيّ [2] يدعو ثبورا
…
وهو بالذّل تحت حجر وحصر
وتوفي المستضيء في ذي القعدة عن ست وثلاثين سنة.
وفيها أبو الحسين عبد الحقّ بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفيّ [3] الشيخ الثقة، عن إحدى وثمانين سنة. أسمعه أبوه الكثير من أبي القاسم
[1] في «آ» : «والأقطار» .
[2]
في «آ» : «المدعي» وهو تحريف، وأثبت لفظ «ط» و «تاريخ الخلفاء» .
[3]
انظر «العبر» (4/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 552- 554) و «دول الإسلام» (2/ 88) .
الرّبعي، وابن الطّيوري، وجعفر السرّاج، وطائفة، ولم يحدّث بما سمعه حضورا تورعا، وكان فقيرا، صالحا، متعففا، كثير التلاوة جدا، توفي في جمادى الأولى.
وفيها أبو الفضل عبد المحسن بن تريك [1] الأزجي البيّع. روى عن ابن بيان وجماعة. توفي يوم عرفة.
وفيها أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر بن عبد الله بن علي القرشي الزّبيري الدمشقي [2] القاضي الحافظ، نزيل بغداد، وسمع من أبي الدّرّ ياقوت الرّومي وطائفة بدمشق، ومن أبي الوقت والناس ببغداد، وصحب أبا النجيب السّهروردي، وولي قضاء الحريم. توفي في ذي الحجّة وله خمسون سنة.
قال ابن ناصر الدّين [3] : هو حافظ رحال ثقة مأمون.
وفيها أبو هاشم الدّوشابي- بضم الدال المهملة ومعجمة وباء موحدة، نسبة إلى الدّوشاب وهو الدّبس- عيسى بن أحمد الهاشمي العبّاسي البغدادي الهرّاس [4] . روى عن الحسين بن البسري وغيره، وتوفي في رجب.
وفيها أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللّمتوني الإشبيلي [5] ، المقرئ الحافظ، صاحب شريح. فاق الأقران في ضبط القراءات، وسمع الكثير من أبي مروان الباجي، وابن العربي، وخلق، وبرع
[1] في «آ» و «ط» : «ابن نزيك» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (4/ 224) و «النجوم الزاهرة» (6/ 86) .
[2]
انظر «العبر» (4/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 105- 106) و «النجوم الزاهرة» (6/ 86) .
[3]
في «التبيان شرح بديعة البيان» (168/ آ) .
[4]
انظر «العبر» (4/ 225) و «النجوم الزاهرة» (6/ 86) .
[5]
انظر «العبر» (4/ 225) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 85- 86) .
أيضا في الحديث، واشتهر بالإتقان وسعة المعرفة بالعربية. توفي في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة.
قال ابن ناصر الدّين [1] : لم يكن له نظير في الإتقان.
وفيها أبو بكر الباقداري- بكسر القاف بعد الموحدة والألف وبإهمال الدال والراء، نسبة إلى باقدارى بالقصر من قرى بغداد [2]- محمد بن أبي غالب ابن أحمد بن أحمد بن مرزوق بن أحمد الضرير [3] الحافظ. سمع أبا محمد سبط الخيّاط فمن بعده، وبرع في الحديث حتّى صار ابن ناصر يسأله ويرجع إلى قوله، وكان حنبليّ المذهب.
قال ابن الدّبيثي [4] : انتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه، وعليه كان المعتمد فيه، توفي كهلا لخمس بقين من ذي الحجّة ببغداد.
وفيها أبو عبد الله الوهراني محمد بن محرز ركن الدّين وقيل جمال الدّين [5] المقرئ الأديب الكاتب، صاحب المزاح والدعابة والمنام الطويل، الذي جمع أنواعا من المجون والأدب. مات في رجب بدمشق. قاله في «العبر» .
وقال ابن خلّكان: هو أحد الفضلاء الظرفاء، قدم من بلاده إلى البلاد المصرية في أيام السلطان صلاح الدّين- رحمه الله تعالى- وفنّه الذي يمتّ به صناعة الإنشاء، فلما دخل البلاد رأى بها القاضي الفاضل، وعماد الدّين الأصبهاني الكاتب، وتلك الحلبة علم من نفسه أنه ليس في طبقتهم ولا تنفق سلعته مع وجودهم، فعدل عن طريق الجدّ وسلك طريق الهزل، وعمل
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (167/ ب) .
[2]
انظر «معجم البلدان» (1/ 327) وهو مترجم فيه.
[3]
انظر «العبر» (4/ 225) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 146) .
[4]
في «آ» و «ط» : «ابن الزّينبي» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[5]
انظر «وفيات الأعيان» (4/ 385- 386) و «العبر» (4/ 225- 226) .
المنامات والرسائل المشهورة والمنسوبة إليه، وهي كثيرة بأيدي الناس، وفيها دلالة على خفة روحه ورقة حاشيته وكمال ظرفه، ولو لم يكن فيها إلّا المنام الكبير لكفاه، فإنه أتى فيه بكل حلاوة، ولولا طوله لذكرته، ثم إن الوهراني المذكور تنقل في البلاد وأقام بدمشق زمانا، وتوفي في رجب.
ونقلت من خطّ القاضي الفاضل: وردت الأخبار من دمشق في سابع عشر رجب بوفاة الوهراني، رحمه الله تعالى.
والوهراني: بفتح الواو وسكون الهاء وفتح الراء وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى وهران مدينة كبيرة على أرض القيروان، بينها وبين تلمسان مسافة يوم وهي على البحر الشامي [1] ، خرج منها جماعة من العلماء وغيرهم.
وفي بعض نسخ ابن خلّكان، ثم إن الوهرانيّ المذكور تنقل في البلاد وأقام بدمشق زمانا، وتولى الخطابة بداريّا، وهي قرية على باب دمشق في الغوطة، وتوفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة بداريّا، ودفن على باب تربة الشيخ أبي سليمان الدّاراني، رحمه الله تعالى. انتهى ما أورده ابن خلّكان.
وفيها أبو محمد بن الطبّاخ المبارك بن علي بن الحسين بن عبد الله ابن محمد الطبّاخ البغدادي [2] نزيل مكّة وإمام الحنابلة بالحرم، المحدّث الحافظ. سمع الكثير ببغداد من ابن الطّيوري، وابن كادش وغيرهما، وتفقّه بالقاضي أبي الحسين، وابن الزّاغوني، وكان صالحا دينا ثقة، حافظ مكّة في زمانه والمشار إليه بالعلم بها، وأخذ عنه ابن عبدوس وغيره، وتوفي في ثاني شوال بمكّة، وكان يوم جنازته مشهودا، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو الفضل متوجهر بن محمد بن تركانشاه [3] الكاتب. كان أديبا
[1] قلت: وهي الآن في الجزائر المعاصرة إلى الشمال الغربي منها على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
[2]
انظر «العبر» (4/ 226) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 554) .
[3]
في «العبر» (4/ 226) : «ابن تركشاه» ولم يرد للفظة ذكر في «مرآة الجنان» (3/ 402) .
فاضلا، مليح الإنشاء، حسن الطريقة، كتب للأمير قايماز المستنجدي، وروى «المقامات» عن الحريري مرارا، وروى عن هبة الله بن أحمد الموصلي وجماعة، وتوفي في جمادى الأولى، وله ست وثمانون سنة.
وفيها أبو منصور المظفّر بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين ابن محمد بن خلف بن الفرّاء [1] .
ولد سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وسمع الحديث، وبرع في مذهب الحنابلة أصولا وفروعا، وناظر وتأدب، وقال الشعر الجيد.
ومن شعره:
لست أنسى من سليمى قولها
…
يوم جدّ البين مني وبكت
قطع الله يد الدّهر لقد
…
قرطست إذ بالنّوى شملي رمت
فجرى دمعي لمّا سمعت [2]
…
ووعت أذناي منها ما وعت
يا لها من قولة عن ناظري
…
نومة طول حياتي قد نفت
توفي في عنفوان شبابه يوم الجمعة، لخمس عشرة خلت من شوال، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
وفيها أبو عمر بن عيّاد الأستاذ المقرئ المحقّق، يوسف بن عبد الله ابن سعيد [3] الأندلسي الحافظ. قدم بلنسية وأخذ القراءات عن أبي مروان بن الصّيقل [4] ، وابن هذيل، وسمع من طارق بن يعيش وجماعة، وعني بصناعة الحديث، وكتب العالي والنازل، وبرع في معرفة الرجال، وصنّف التصانيف الكثيرة، وعاش سبعين سنة.
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 343- 344) .
[2]
في «آ» و «ط» : «لما قد سمعت» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3]
في «آ» و «ط» : «ابن سعد» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/ 181) .
[4]
تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الصقيل» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» .