الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وستين وخمسمائة
فيها سار أسد الدّين شيركوه المسير الثاني إلى مصر بمعظم جيش نور الدّين، فنازل الجزيرة شهرين، واستنجد وزير مصر شاور بالفرنج، فدخلوا في النيل من دمياط، والتقوا، فانتصر أسد الدّين وقتل ألوف من الفرنج.
قال ابن الأثير [1] : هو من أعجب ما ورّخ، أنّ ألفي فارس تهزم عساكر مصر والفرنج.
وقال في «العبر» : ثم استولى أسد الدّين على الصعيد وتقوّى بخراجها، وأقامت الفرنج بالقاهرة حتى استراشوا [2] ، ثم قصدوا الإسكندرية وقد أخذها صلاح الدّين، فحاصروه أربعة أشهر، ثم كرّ أسد الدّين منجدا له، فترحلت الملاعين [بعد أن استقرّ لهم بالقاهرة شحنة وقطيعة مائة ألف دينار في العام][3] وصالح شاور أسد الدّين على خمسين ألف دينار أخذها ونزل إلى الشام.
وفيها على الصحيح، توفي أحمد بن علي الغسّاني الأسواني، عرف
[1] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 326) وقد نقل المؤلف كلامه عن «العبر» (4/ 176) .
[2]
في «الكامل في التاريخ» : «وأما المصريون والفرنج فإنهم عادوا واجتمعوا على القاهرة، وأصلحوا حال عساكرهم، وجمعوا وساروا إلى الإسكندرية
…
» .
[3]
ما بين حاصرتين لم يرد في «آ» و «ط» وأثبته من «العبر» .
بالرشيد- وتقدم الكلام عليه في السنة الماضية [1] والصحيح وفاته هنا- الكاتب الشاعر الفقيه، النحويّ اللغويّ، المنطقي المهندس، الطبيب الموسيقي المنجم. كان مفتيا وألّف تآليف التحق فيها بالأوائل، منها كتاب «منية الألمعي وبينة المدّعي» يشتمل على علوم كثيرة، ومنها «المقامات» على نسق «مقامات» الحريري، وغير ذلك.
قال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : وكان مع جلالته أسود الجلد، ذا شفة غليظة، سمج الخلق، قصيرا. حكى ياقوت عنه أنه انقطع عن أصحابه يوما، فحكى لهم أنه مرّ بموضع وإذا امرأة شابة حسنة نظرت إليه نظر مطمع له في نفسها، فتوهم أنه وقع منها بموقع، فأشارت إليه بطرفها، فتبعها حتى دخلت دارا، وأشارت إليه فدخل، وكشفت عن وجهها، فإذا هي كالقمر ليلة تمامه، ثم نادت يا ست الدّار، فنزلت إليها طفلة كفلقة القمر، فقالت لها:
إن عدت تبولين في الفراش خلّيت سيدنا القاضي يأكلك، ثم قالت:
لا أعدمني الله فضلك يا سيدنا القاضي، فخرجت وأنا خزيان.
قال فيه محمود بن قادوس:
إن قلت من نار خلق
…
ت وفقت كلّ النّاس فهما
قلنا صدقت فما الذي
…
أطفاك [2] حتّى صرت فحما
ذهب رسولا إلى اليمن فأقام وتولى القضاء بها، وضربت له السكة على الوجه الواحد قل هو الله أحد وعلى الآخر الإمام أبو الخير [3] أحمد، ثم قبض عليه وأنفذ مكبلا في الحديد إلى قوص، فحبسه ابن طرخان في المطبخ، ثم ورد كتاب الصالح بالإحسان إليه وأحضره مكرّما، فلما نزل شيركوه
[1] انظر ص (327- 328) من هذا المجلد.
[2]
في «وفيات الأعيان» (1/ 163) : «أضناك» .
[3]
المعروف أن كنيته «أبو الحسن» انظر ذلك في ترجمته ص (327) .
بالإسكندرية خرج بين يدي صلاح الدّين وقاتل بين يديه، وبلغ ذلك شاور فطلبه، فلما حضر أركبه على جمل وعلى رأسه طرطور ووراؤه نفاط ينادي عليه والرشيد ينشد:
إن كان عندك يا زمان بقيّة
…
ممّا تهين به الكرام فهاتها
ثم يتلو القرآن، ثم أمر به أن يصلب شنقا، فلما أحضر للشنق جعل يقول للذي تولى [1] ذلك عجّل عجّل فلا رغبة لكريم في حياة بعد هذه الحال، فصلب ثم بعد حين قتل شاور، فلما أرادوا دفنه حفروا له قبرا فوجدوا الرشيد مدفونا فيه، فدفنا معا، ثم نقل كل واحد منهما إلى تربة بالقرافة.
وكان الساعي في صلبه الفقيه عمارة اليمني، وقال: هذا أبو الفتن، ثم إن الفقيه عمارة صلب كما سيأتي، فإن المجازاة من جنس العمل، والمرء مقتول بما قتل به، ولما كان باليمن كتب إليه أخوه المهذّب:
يا ربع أين ترى الأحبة يمموا
…
هل أنجدوا من بعدنا أم أتهموا
نزلوا من العين السّواد وإن نأوا
…
ومن الفؤاد مكان ما أتكلّم
رحلوا وفي القلب المعنّى بعدهم
…
وجد على مرّ الزّمان مخيم
رحلوا وقد لاح الصّباح وإنّما
…
تسري إذا جنّ الظّلام الأنجم
وهي طويلة.
فأجابه الرشيد:
رحلوا فلا خلت المنازل منهم
…
ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم
وسروا وقد كتموا الغداة مسيرهم
…
وضياء نور الشّمس ما لا يكتم
وتبدّلوا أرض العقيق عن الحمى
…
روّت جفوني أي أرض يمّموا
نزلوا العذيب وإنما هي مهجتي
…
نزلوا وفي قلبي المعنّى خيّموا
[1] في «ط» : «يولى» .
ما ضرّهم لو ودّعوا من أودعوا
…
نار الغرام وسلّموا من أسلموا
هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا
…
أو أيمنوا أو أنجدوا أو أتهموا
لا ذنب لي في البعد أعرفه سوى
…
أني حفظت العهد لمّا خنتم
فأقمت حين ظعنتم وعدلت لم
…
اجرتم وسهرت لمّا بنتم
وفيها خطيب دمشق أبو البركات الخضر بن شبل بن عبد الحارثي الدمشقي [1] الفقيه الشافعي. درّس بالغزالية والمجاهدية، وبنى له نور الدّين مدرسته التي عند باب الفرج، فدرّس بها، وتعرف الآن بالعمادية لأنه درّس بها بعده العماد الكاتب فاشتهرت به. قرأ على أبي الوحش سبيع، صاحب الأهوازي، وسمع من أبي الحسن بن الموازيني، وأخذ عنه ابن عساكر، وقال: كان سديد الفتوى، واسع الحفظ، ثبتا في الرواية، ذا مروءة [2] ظاهرة. وكان عالما بالمذهب ويتكلم في الأصول والخلاف. مولده سنة ست وثمانين وأربعمائة، وتوفي في ذي القعدة، ودفن بباب الفراديس.
وفيها عبد الجليل بن أبي أسعد الهروي أبو محمد المعدّل [3] ، مسند هراة، تفرّد بالرواية عن عبد الرحمن كلار، وغيره، وعاش اثنتين وتسعين سنة، وهو أكبر شيخ للحافظ عبد القادر الرّهاوي.
وفيها الحافظ أبو سعد السّمعاني تاج الإسلام عبد الكريم بن محمد ابن منصور المروزي [4] الشافعي، محدّث المشرق، وصاحب التصانيف
[1] انظر «العبر» (4/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 592) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (8/ 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 109) .
[2]
في «آ» و «ط» : «ذا ثروة ظاهرة» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «مختصر تاريخ دمشق» .
[3]
انظر «العبر» (4/ 177- 178) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 451- 452) .
[4]
انظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (308- 310) طبع مؤسسة الرسالة، و «العبر» (4/ 178- 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 456- 465) .
الكثيرة، والفوائد الغزيرة، والرحلة الواسعة، عمل معجم شيوخه في عشر مجلدات كبار.
قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيء لم يبلغه أحد. قال: وكان ظريفا حافظا، واسع الرحلة، صدوقا ثقة، ديّنا، جميل السيرة، مليح التصانيف.
وسرد ابن النجار تصانيفه، وذكر أنه وجدها بخطه، فمنها «الذيل على تاريخ الخطيب» أربعمائة طاقة، «تاريخ مرو» خمسمائة طاقة، «طراز الذّهب في أدب الطلب» مائة وخمسون طاقة، وغير ذلك. انتهى.
ولد في شعبان سنة ست وخمسمائة، وتوفي في غرّة ربيع الأول بمرو.
وفيها أبو شجاع البسطاميّ عمر بن محمد بن عبد الله [1] الحافظ المفسّر الواعظ المفتي الأديب المتفنّن، وله سبع وثمانون سنة. سمع أبا القاسم أحمد بن محمد الخليلي وجماعة، وانتهت إليه مشيخة بلخ، وتفقّه عليه جماعة، مع الدّين والورع. تفرّد برواية «الشمائل» و «مسند الهيثم ابن كليب [2] » .
ومن تصانيفه كتاب «لقطات العقول» .
وفيها قيس بن محمد بن عاصم السّويقي الأصبهاني [3] المؤذن الصوفي. رحل وسمع ببغداد من أبي غالب بن الباقلاني، وابن الطيوري، وجماعة.
وفيها ابن اللحّاس أبو المعالي محمد بن محمد بن محمد بن
[1] انظر «العبر» (4/ 178- 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 452- 454) .
[2]
في «آ» و «ط» : «مسند الهيثم وابن كليب» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» وانظر «الرسالة المستطرفة» ص (73) طبع دار البشائر الإسلامية.
[3]
انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 491- 492) .
الجبّان [1] الحريمي العطّار [2] . سمع من طراد وطائفة، وهو آخر من روى بالإجازة عن أبي القاسم بن البسري، وكان صالحا ثقة ظريفا لطيفا، توفي في ربيع الآخر، وله أربع وتسعون سنة.
وفيها محمد بن الحسن بن حمدون [3] صاحب «التذكرة الحمدونية» .
ولّاه المستنجد ديوان الزّمام، ووقف المستنجد على كتابه فوجد فيه حكايات توهم غضاضة من الدولة، فأخذ من دست منصبه وحبس إلى أن رمس [4] .
وفيها أبو طالب بن خضير المبارك بن علي البغدادي الصّيرفيّ [5] المحدّث. كتب الكثير عن أبي الحسن بن العلّاف وطبقته، وبدمشق عن هبة الله بن الأكفاني، وعاش ثمانين سنة، وتوفي في ذي الحجة.
وفيها مسند الآفاق مسعود الثقفيّ الرئيس المعمّر أبو الفرج بن الحسن بن الرئيس المعتمد أبي عبد الله القاسم بن الفضل الأصبهاني [6] رحلة العصر [7] ، توفي في رجب وله مائة سنة. أجاز له عبد الصمد بن المأمون، وأبو بكر الخطيب، وسمع من جدّه، وعبد الوهاب بن مندة، وطبقتهما.
وفيها هبة الله الحسن بن هلال الدقّاق [8] مسند العراق البغدادي.
سمع عاصم بن الحسن، وأبا الحسن الأنباري، وعمّر نحوا من تسعين سنة.
توفي في المحرم، وكان شيخا لا بأس به، متدينا. قاله في «العبر» .
[1] في «آ» و «ط» : «ابن الحيان» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .
[2]
انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 465- 466) .
[3]
انظر «وفيات الأعيان» (4/ 380- 382) و «النجوم الزاهرة» (5/ 374- 375) .
[4]
أي: إلى أن دفن.
[5]
انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 487- 489) .
[6]
انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 469- 471) .
[7]
في «العبر» بطبعتيه: «مسند العصر ورحلة الآفاق» .
[8]
انظر «العبر» (4/ 180) و «دول الإسلام» (2/ 76) .
وفيها الصائن العساكري [1] هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله ابن الحسين الدمشقي [2] الحافظ الفقيه الشافعي. كان ثقة عمدة، وجزم ابن ناصر الدّين بوفاته في التي بعدها.
قال في «بديعته» :
ساد الفقيه الصّاين العساكري
…
ثناؤه ذا جامع المآثر
[3]
[1] تنبيه: كذا سماه المؤلف «العساكري» وقد أخذ ذلك عن منظومة ابن ناصر الدّين المسماة:
«بديعة البيان عن موت الأقران» وإنما سماه ابن ناصر الدّين فيها كذلك مراعاة لوزن البيت، وأما اسمه في «طبقات الشافعية» للإسنوي و «التبيان شرح بديعة البيان» فهو:«هبة الله بن الحسن ابن هبة الله بن عساكر» .
[2]
انظر «العبر» (4/ 184) وقد ذكره في حوادث سنة (563) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 215) وذكره ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» (166/ آ) .
[3]
قلت: وفي هذه السنة على الصواب مات ابن حمدون صاحب «التذكرة» .
محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون أبو المعالي بن أبي سعد، الكاتب المعدّل، الملقب كافي الكفاة.
وقد وهم الإمام الذهبي في «العبر» فذكره في عداد وفيات سنة (608 هـ) وتبعه الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (13/ 62- 63) والمؤلف ابن العماد، فتنبه.
انظر «وفيات الأعيان» (4/ 380- 382) و «فوات الوفيات» (3/ 323- 324) و «الوافي بالوفيات» (2/ 357) و «الأعلام» (6/ 85) .