الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة
فيها غزا نور الدّين محمود بن زنكي، فافتتح ثلاثة حصون للفرنج بأعمال حلب.
وفيها كان الغلاء المفرط- بل وقبلها بسنوات- بإفريقية [حتى أكلوا لحوم الآدميين][1] .
وفيها توفي أبو الحسن بن الأبنوسي أحمد بن أبي محمد عبد الله بن علي البغدادي الشافعي الوكيل. سمع أبا القاسم بن البسري وطبقته، وتفقّه وبرع، وقرأ الكلام والاعتزال، ثم لطف الله به، وتحوّل سنّيا. توفي في ذي الحجة عن بضع وسبعين سنة.
وفيها أبو جعفر البطروجي [2] أحمد بن عبد الرحمن الأندلسي، أحد الأئمة. روى عن أبي عبد الله الطّلّاعي، وأبي علي الغسّاني، وطبقتهما، وكان إماما حافلا [3] بصيرا بمذهب مالك ودقائقه، إماما في الحديث ومعرفة
[1] ما بين حاصرتين تكملة من «العبر» مصدر المؤلف.
[2]
جاء في هامش «ط» ما نصه: «البطروجي: لا أدري نسبته لأي شيء، وما رأيت من تكلم عليه. (المؤلف) » .
قلت: وكذا ضبط الذهبيّ نسبته في «العبر» (4/ 114) : «البطروجي» وتابعه المؤلف، وقال في «سير أعلام النبلاء» (20/ 116) :«البطروجي» ويقال: «البطروشي» وانظر «معجم البلدان» (1/ 447) .
[3]
في «ط» : «عاقلا» .
رجاله وعلله، له مصنّفات مشهورة، ولم يكن في وقته بالأندلس مثله، ولكنه كان قليل العربية، رثّ الهيئة، خاملا. توفي في المحرم.
وفيها أبو بكر بن الأشقر أحمد بن علي بن عبد الواحد الدلّال. روى عن المهتدي بالله، والصّريفيني، وكان خيّرا، صحيح السماع، توفي في صفر.
وفيها دعوان [1] بن علي بن حمّاد بن صدقة الجبّائي، ويقال له الجبّي أيضا- نسبة إلى قرية [2] بسواد بغداد عند العقر على طريق خراسان- المقرئ الفقيه الحنبلي أبو محمد.
ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة بالجبة المذكورة، وقدم بغداد فسمع بها من أبي محمد التميمي، وأبي عبد الله بن البسري وجماعة، وقرأ بالروايات على الشريف عبد القاهر المكّي، وابن سوار، وتفقّه على أبي سعد المخرّمي، وأحكم [3] الفقه، وأعاد لشيخه المذكور، وأقرأ القرآن، وحدّث وانتفع به الناس. قرأ عليه جماعة، وحدّث عنه آخرون، منهم: ابن السمعاني.
قال ابن الجوزي: كان خيّرا [4] ، ديّنا ذا ستر وصيانة وعفاف وطرائق محمودة [5] على سبيل السلف الصالح. توفي يوم الأحد سادس عشري ذي القعدة، ودفن من الغد بمقبرة أبي بكر غلام الخلّال إلى جانبه.
وفيها علي بن عبد السيّد أبو القاسم بن العلّامة أبي نصر بن الصبّاغ
[1] في «آ» و «ط» : «عوان» والتصحيح من «المنتظم» (10/ 127) و «العبر» بطبعتيه.
[2]
وهي قرية «جبّى» كما جاء ذلك مبينا في «معجم البلدان» (2/ 97) .
[3]
لفظة «وأحكم» سقطت من «آ» .
[4]
لفظة «خيرا» لم ترد في «المنتظم» المطبوع.
[5]
في «المنتظم» : «وطريق محمودة» .
الشاهد. سمع من الصريفيني كتاب «السبعة» لابن مجاهد، وعدة أجزاء، وكان صالحا حسن الطريقة، توفي في جمادى الأولى.
وفيها عمر بن ظفر أبو حفص المغازليّ، مفيد بغداد. سمع أبا القاسم ابن البسري فمن بعده، وأقرأ القرآن مدة، وكتب الكثير. توفي في شعبان.
وفيها أبو عبد الله الجلّابي [1] القاضي، محمد بن علي بن محمد بن محمد بن الطيب الواسطي المغازلي. سمع من محمد بن محمد بن مخلد الأزدي، والحسن بن أحمد الغندجاني، وطائفة، وأجاز له أبو غالب بن بشران اللغوي وطبقته، وكان ينوب في الحكم بواسط.
وفيها أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصّيصي ثم اللّاذقي ثم الدمشقي، الفقيه الشافعي الأصولي الأشعري. سمع من أبي بكر الخطيب، وتفقه على الفقيه نصر المقدسي، وسمع ببغداد من رزق الله، وعاصم. وبأصبهان من ابن شكرويه، ودرّس بالغزالية، ووقف وقوفا، وأفتى وأشغل، وصار شيخ دمشق في وقته، توفي في ربيع الأول، وله أربع وتسعون سنة، وآخر أصحابه ابن أبي لقمة.
قال ابن شهبة [2] : كان منقبضا عن الدخول على السلاطين، ودفن بمقابر باب الصغير.
وفيها أبو السعادات بن الشّجريّ، هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الشريف العلوي الحسيني البغدادي النحوي، صاحب التصانيف.
قال ابن خلّكان [3] : كان إماما في النحو واللغة وأشعار العرب وأيامها
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحداني» والتصحيح من «الأنساب» (3/ 400) و «العبر» بطبعتيه.
[2]
انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 372) .
[3]
انظر «وفيات الأعيان» (6/ 45- 50) .
وأحوالها، كامل الفضائل، متضلعا من الأدب، صنّف فيه عدة تصانيف، فمن ذلك كتاب «الأمالي» وهو أكبر تآليفه وأكثرها إفادة، أملاه في أربعة وثمانين مجلسا، وهو يشتمل على فوائد جمّة من فنون الأدب، وختمه بمجلس قصره على أبيات من شعر المتنبي، تكلّم عليها، وذكر ما قاله الشرّاح فيها، وزاد من عنده ما سنح له، وهو من الكتب الممتعة، ولما فرغ من إملائه حضر إليه أبو محمد بن الخشّاب، والتمس منه سماعه عليه، فلم يجبه إلى ذلك، فعاداه وردّ عليه في مواضع من الكتاب، ونسبه فيها إلى الخطأ، فوقف أبو السعادات على ذلك الردّ، فردّ عليه في ردّه وبيّن وجوه غلطه وجمعه كتابا سماه «الانتصار» وهو على صغر حجمه مفيد جدا، وسمعه عليه الناس، وجمع أيضا كتابا سماه «الحماسة» ضاهى به «حماسة أبي تمام» وهو كتاب غريب أحسن فيه، وله في النحو عدة تصانيف، وله «ما اتفق لفظه واختلف معناه» ، وشرح «اللمع» لابن جنّي وشرح «التصريف المملوكي» .
وكان حسن الكلام، حلو الألفاظ، فصيحا، جيد البيان والتفهيم، وقرأ الحديث بنفسه على جماعة، منهم ابن المبارك الصيرفي، وابن نبهان الكاتب، وغيرهما.
وحكى أبو البركات عبد الرحمن بن الأنباري في كتاب «مناقب الأدباء» أنّ العلّامة الزّمخشري لما قدم بغداد قاصدا للحج، مضى إلى زيارته [1] شيخنا أبو السعادات بن الشّجري ومضينا إليه معه، فلما اجتمع به أنشده قول المتنبي [2] :
وأستكبر الأخبار قبل لقائه
…
فلما التقينا صغّر الخبر الخبر
ثم أنشده بعد ذلك:
[1] تحرفت في «وفيات الأعيان» إلى «زيارة» فتصحح فيه.
[2]
انظر «ديوانه» بشرح العكبري (2/ 155) .
كانت مساءلة الرّكبان تخبرني
…
عن جعفر بن فلاح أحسن الخبر
حتّى التقينا فلا والله ما سمعت
…
أذني بأطيب [1] مما قد رأى بصري
وهذان البيتان منسوبان لابن هانئ الأندلسي.
قال ابن الأنباري: فقال العلّامة الزّمخشري: روي عن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم عليه زيد الخيل قال له: «يا زيد! ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلّا رأيته دون ما وصف لي، غيرك» [2] .
قال ابن الأنباري: فخرجنا من عنده ونحن نعجب كيف يستشهد الشريف بالشعر والزّمخشريّ بالحديث، وهو رجل أعجمي.
وكان أبو السعادات نقيب الطالبيين بالكرخ نيابة عن والده الطاهر، وله شعر حسن، فمن شعره قوله في ابن جهير الوزير:
هذي السّديرة والغدير الطافح
…
فاحفظ فؤادك إنني لك ناصح
يا سدرة الوادي الذي إن ضلّه ال
…
ساري هداه نشره المتفاوح
هل عائد قبل الممات لمغرم
…
عيش تقضّى في ضلالك صالح
ما أنصف الرشأ الضنين بنظرة
…
لما دعا مصغي الصبابة طامح
شطّ المزار به وبوّئ منزلا
…
بصميم قلبك فهو دان نازح
غصن يعطّفه النسيم وفوقه
…
قمر يحفّ به ظلام جانح
وإذا العيون تساهمته لحاظها
…
لم يرو منه الناظر المتراوح
ولقد مررنا بالعقيق وشاقنا
…
فيه مراتع للمها ومسارح
ظلنا به نبكي فكم من مضمر
…
وجدا أذاع هواه دمع سافح
برت الشئون رسومها فكأنّما
…
تلك العراص المقفرات نواضح
[1] في «وفيات الأعيان» : «بأحسن» .
[2]
ذكره عماد الدّين بن الأثير في «أسد الغابة» (2/ 301) وابن حجر في «الإصابة» (3/ 35) مصورة دار الكتب العلمية ببيروت.
يا صاحبيّ تأمّلا حييتما
…
وسقى دياركما الملثّ الرائح
أدمى بدت لعيوننا أم ربرب
…
أم خرّد أكفالهنّ رواجح
أم هذه مقل الصّوار [1] بدت لنا
…
خلل البراقع أم قنا وصفائح
لم تبق جارحة وقد واجهننا
…
إلّا وهنّ لهابهنّ [2] جوارح
كيف ارتجاع القلب من أسر الهوى
…
ومن الشقاوة أن يراض القارح
ثم خرج إلى المديح.
وكان بينه وبين ابن جكّينا الشاعر تنافس جرت العادة به بين أهل الفضائل، فلما وقف على شعره عمل فيه:
يا سيدي والذي أراحك من
…
نظم قريض يصدى به الفكر
مالك من جدّك النّبيّ سوى
…
أنك ما ينبغي لك الشعر
وكانت ولادته في شهر رمضان سنة خمسين وأربعمائة، وتوفي يوم الخميس ثاني عشري رمضان، ودفن من الغد في داره بالكرخ من بغداد، رحمه الله تعالى.
[1] في «آ» و «ط» : «الصرار» والتصحيح من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.
[2]
في «آ» و «ط» : «لبازهن» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .