الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست عشرة وثمانمائة
في ربيعها الأول ظهر الخارجيّ الذي ادعى أنه السّفيانيّ، وهو رجل عجلونيّ يسمّي عثمان بن ثقالة، اشتغل بالفقه قليلا بدمشق، ثم قدم عجلون فنزل بقرية الجيدور [1] ودعا إلى نفسه، فأجابه بعض الناس، فأقطع الإقطاعات، ونادى أن مغل هذه السنة مسامحة، ولا يؤخذ من أهل الزراعة بعد هذه السنة التي سومح بها سوى العشر، فاجتمع عليه خلق كثير من عرب، وعشير، وترك، وعمل له ألوية خضراء، وسار إلى وادي إلياس، وبث كتبه إلى النّواحي ترجمتها بعد البسملة:
[من] السّفياني إلى حضرة فلان، أن يجمع فرسان هذه الدولة السّلطانية الملكية الإمامية الأعظمية الربّانية المحمدية السّفيانية، ويحضر بخيله ورجاله مهاجرا إلى الله ورسوله، ومقاتلا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، فسار عليه في أوائل ربيع الآخر غانم الغزّاوي، وجهز إليه طائفة، وطرقوه وهو بجامع عجلون، فقاتلهم فقبضوا عليه وعلى ثلاثة من أصحابه، فاعتقل الأربعة، وكتب إلى المؤيد بخبره فأرسلهم إلى قلعة صرخد [2] .
وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن خضر الصّالحي الحنفي [3] .
ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وسبعمائة، واشتغل على أبيه، وناب في القضاء بمصر، ودرّس وأفتى، وولي إفتاء دار العدل، وكان جريئا مقداما، ثم ترك الاشتغال بأخرة وافتقر.
[1] في «معجم البلدان» (2/ 197) : الجيدور: كورة من نواحي دمشق فيها قرى، وهي في شمالي حوران، ويقال: إنها والجولان كورة واحدة.
[2]
قاله الحافظ ابن حجر في «إنباء الغمر» (7/ 106- 107) .
[3]
ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 118) و «الضوء اللامع» (1/ 13) .
وتوفي في ربيع الأول، وكانت وفاة أبيه سنة خمس وثمانين وسبعمائة.
وفيها برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد الشّافعي الغزّي القرشي النّوفلي، الشهير بابن زقّاعة [1]- بضم الزاي، وفتح القاف المشدّدة، وألف، وعين مهملة، وهاء-.
قال في «المنهل» : كان إماما بارعا مفنّنا في علوم كثيرة لا سيما معرفة الأعشاب، والرياضة، وعلم التصوف.
مولده سنة أربع وعشرين وسبعمائة على الصحيح.
قال المقريزي: عانى صناعة [2] الخياطة، وأخذ القراءات عن الشيخ شمس الدّين الحكري، والفقه عن بدر الدّين القونوي، والتّصوف عن الشيخ عمر حفيد الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من نور الدّين على الفويّ، وقال الشعر، ونظر في النّجوم وعلم الحرف، وبرع في معرفة الأعشاب، وساح في الأرض، وتجرّد وتزهّد فاشتهر ببلاد غزّة، وعرف بالصّلاح. انتهى اختصارا.
قلت: بالجملة كانت رئاسته في علوم كثيرة، وله حظّ وافر [3] عند ملوك مصر، ونال من الحرمة والوجاهة ما لم ينله غيره من أبناء جنسه، فإنه كان يجلس فوق قضاة القضاة.
ومن شعره اللّطيف:
ومن عجبي أن النّسيم إذا سرى
…
سحيرا بعرف البان والرّند والآس
يعيد على سمعي حديث أحبّتي
…
فيخطر لي أن الأحبّة جلّاسي
ومنه أيضا:
ووردي خدّ نرجسيّ لواحظ
…
مشايخ علم السّحر عن لحظه رووا
وواوات صدغيه حكين عقاربا
…
من المسك فوق الجلّنار قد التووا
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 119) و «الضوء اللامع» (1/ 130) و «الدليل الشافي» (1/ 28) .
[2]
في «آ» : «صنعة» .
[3]
في «آ» : «وله حظ زائد» .
ووجنته الحمراء تلوح كجمرة
…
عليها قلوب العاشقين قد انكووا
وودّي له باق ولست بسامع
…
لقول حسود والعواذل إن عووا
وو الله لا أسلو ولو صرت رمّة
…
وكيف وأحشائي على حبّه انطووا
وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر ذي الحجة، ودفن خارج باب النصر انتهى. ما قاله صاحب «المنهل» باختصار.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن علاء الدّين حجّي بن موسى بن أحمد بن سعيد [1] بن غشم بن غزوان بن علي بن مسرور بن تركي الحسباني الدمشقي الشافعي [2] الحافظ، مؤرخ الإسلام.
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : ولد في المحرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وغيره، وسمع الحديث من خلائق، وأجاز له خلق من بلاد شتّى، وقرأ بنفسه الكثير، وكتب الكثير، وقد كتب أسماء مشايخه مجرّدا في بعض مجاميعه على حروف المعجم، وأخذ الفقه عن والده، والشيخ شمس الدّين بن قاضي شهبة، وقاضي القضاة بهاء الدّين أبي البقاء وغيرهم، واستفاد من مشايخ العصر، منهم الأذرعي، والحسباني، وابن قاضي الزّبداني، وابن خطيب يبرود، والغزّي، والقاضي تاج الدّين السّبكي، وشمس الدّين الموصلي، وتخرّج في علوم الحديث بالحافظين ابن كثير، وابن رافع، وأخذ النحو عن أبي العبّاس العناني وغيره، ودرّس وأفتى، وأعاد وناب في الحكم، وصنّف، وكتب بخطّه الحسن ما لا يحصى كثرة، فمن ذلك شرح على «المحرّر» لابن عبد الهادي، كتب منه قطعة، وردّ على مواضع من «المهمات» للإسنوي، وعلى مواضع من الألغاز له وبيّن [3] غلطه فيها، وجمع فوائد في علوم متعددة في
[1] في «ط» : «سعد» وهو خطأ.
[2]
ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 121- 124) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 10) و «الضوء اللامع» (1/ 269) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 138) .
[3]
في «ط» : «بين» من غير الواو.
كراريس كثيرة سمّاها «جمع المفترق» وكتابا سمّاه «الدارس من أخبار المدارس» يذكر فيه ترجمة الواقف وما شرطه، وتراجم من درّس بالمدرسة إلى آخر وقت، وهو كتاب نفيس يدلّ على اطلاع كثير، وقد وقفت على كراريس منه.
وكتب «ذيلا» [1] على «تاريخ ابن كثير» وغيره، بدأ فيه من سنة إحدى وأربعين يذكر فيه حوادث الشهر، ثم من توفي فيه، وهو مفيد جدا، كتب منه ست سنين، ثم بدأ من سنة تسع وستين فكتب إلى قبيل وفاته بيسير، وكان قد أوصاني بتكميل الخرم المذكور فأكملته، وأخذت «التاريخ» المذكور وزدت عليه حوادث من تواريخ المصريين وغيرهم بقدر ما ذكره الشيخ، وتراجم أكثر من التراجم التي ذكرها بكثير، وبسطت الكلام في ذلك، وجاء إلى آخر سنة أربعين وثمانمائة في سبع مجلدات كبار، ثم اختصرته في نحو نصفه، وقد ولي الشيخ في آخر عمره، الخطابة ومشيخة الشيوخ شريكا لغيره، وانتهت المشيخة في البلاد الشامية إليه،
[1] قلت: الذي ترجح عندي بأن الحافظ ابن كثير قد توقف في «تاريخه» أول الأمر سنة (738 هـ)، ثم تابع التأريخ إلى سنة (774 هـ) ويشهد لذلك كلام الحافظ ابن حجر في أول كتابه «إنباء الغمر» (1/ 4) حيث يقول:
…
وهذا الكتاب يحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلا على ذيل التاريخ الحافظ عماد الدّين ابن كثير فإنه انتهى في «تاريخه» إلى هذه السنة. وما كتبه الحافظ السخاوي في أوائل سنة (774) حيث قال: وفي أثناء شعبانها انتهى «تاريخ العماد ابن كثير» وكان حين ضرره وضعفه يملي فيه على ولده عبد الرحمن. ويبدو بأن النسخة التي كانت محفوظة في المكتبة الأحمدية بحلب من «البداية والنهاية» والتي اعتمدناها كنسخة أولى في تحقيقنا للكتاب مع طائفة من الأساتذة المحققين في طبعته التي ستصدر عن دار ابن كثير هي نسخة نسخت عن النسخة الأولى المشار إليها، ثم نسخ عن النسخة التامة نسخ أخرى، فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الحافظ السخاوي قد نقل عن «البداية والنهاية» في كتابه «الذيل التام على دول الإسلام» الذي يقوم بتحقيقه صاحبي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة، وأقوم بمراجعته، وقد أنجزنا منه المجلد الأول وهو تحت الطبع الآن، ومعلوم بأن كتاب السخاوي يبدأ بحوادث سنة (745 هـ) . وأما ما كتبه ابن حجي، وابن قاضي شهبة من التذييل على «البداية والنهاية» فإنما كان على النسخة الأولى من «البداية والنهاية» المتوقفة عند سنة (738 هـ) وأنهما لم يطلعا على النسخة الأخرى منه التي تممها ابن كثير بنفسه من الكتاب، والله أعلم، وانظر ما كتبه العلّامة الشيخ محمد راغب الطباخ في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (18/ 376) وما كتبه العلّامة الشيخ محمد أحمد دهمان في المجلة المذكورة (20/ 90) وما بعدها حول هذا الموضوع، والله الموفق لكل خير وصواب.
وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة، وخطه مليح، وكان يضرب المثل بجودة ذهنه وحسن أبحاثه، وكان حسن الشكل، ديّنا، خيّرا، له أوراد من صلاة وصيام، وعنده أدب كثير وحشمة وحسن معاشرة، وعنه أخذت هذا الفنّ، واستفدت منه كثيرا.
توفي في المحرم ودفن عند والده على جادة الطّريق. انتهى كلام ابن قاضي شهبة.
وفيها أحمد بن علي بن النّقيب المقدسي الحنفي [1] .
قال ابن حجر: ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتقدم في فقه الحنفية، وشارك في فنون، وكان يؤم بالمسجد الأقصى.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن الناصري الباعوني الشافعي [2] .
قال ابن قاضي شهبة فيه: الشيخ الإمام العالم المفنّن، قاضي القضاة، خطيب الخطباء [3] ، إمام البلغاء، ناصر الشّرع.
ولد بقرية النّاصرة من البلاد الصّفدية سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وحفظ القرآن، وله عشر سنين، وحفظ «المنهاج» في مدة يسيرة، ثم «المنهاج» للبيضاوي، و «الألفية» وغير ذلك، وقدم دمشق، وعرض كتبه على جماعة من العلماء، منهم القاضي [4] تاج الدّين السّبكي، والمشايخ: ابن خطيب يبرود، وابن قاضي الزّبداني، وابن قاضي [4] شهبة، وابن الشّريشي، والزّهري، وغيرهم. وأخذ عنهم، وسمع الحديث من جماعة من المسندين، وقرأ النحو على الشيخ أبي عبد الله المالكي، وغيره، ومهر في ذلك، وكتب الخطّ الحسن، ثم رجع إلى
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 124) و «الضوء اللامع» (2/ 46) .
[2]
ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 124) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 20) و «الضوء اللامع» (2/ 231) .
[3]
في «ط» : «خطيب الخطابة» .
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
صفد، وقد أجيز، وأخذ من طلب العلم أربه، فاشتغل بالعلم، وأفتى، وفاق في النّظم، والنثر، وصحب الفقراء والصّالحين، ثم توجه إلى الدّيار المصرية، واجتمع بالملك الظّاهر فولاه خطابة بالجامع الأموي، فقدم في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين، ثم لما قدم السلطان في سنة ثلاث وتسعين ولّاه القضاء في ذي الحجّة، فباشر بعفّة، ومهابة زائدة وتصميم في الأمور، مع نفوذ لحكمه، وكان يكاتب السلطان بما يريد فيرجع الجواب بما يختاره، وانضبطت [1] الأوقاف في أيامه، وحصل للفقهاء معاليم كثيرة، ودرّس الفقه والتفسير في مدارس كثيرة، وولي مشيخة الشيوخ، ثم وقعت له أمور أوجبت تغير خاطر السلطان عليه، منها أنه طلب أن يقرضه من مال الأيتام شيئا فامتنع فعزله بعد ما باشر سنتين ونصفا، وكشف عليه، وعقدت له مجالس وحصل في حقّه تعصب، ولفّقت عليه قضايا باطلة أظهر الله براءته منها ولم يسمع عنه مع كثرة أعدائه أنه ارتشى في حكم من الأحكام، ولا أخذ شيئا من قضاة البر كما فعله من بعده من القضاة، ثم ولي خطابة القدس مدة طويلة ثم خطابة دمشق ومشيخة الشيوخ، ثم ولاه الناصر القضاء في صفر سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، ولم يمكنه إجراء الأمور على ما كان أولا لتغير الأحوال واختلاف الدول، ثم صرفه الأمير شيخ عند استيلائه على دمشق في جمادى الآخرة من السنة وفي فتنة الناصر، ولي قضاء الدّيار المصرية مدة الحصار، ثم انتقض، وكان خطيبا بليغا له اليد الطولي في النّظم والنّثر، مع السّرعة في ذلك، وكان من أعظم أنصار الحقّ وأعوانه، أعزّ الله تعالى به الدّين، وكفّ به أكفّ المفسدين، وكان ظاهر الدّيانة، وكثير البكاء، وكتب الكثير بخطّه، وجمع أشياء. انتهى باختصار.
وقال ابن حجر: اجتمعت به ببيت المقدس والقاهرة، وأنشدني من نظمه، وسمعت عليه، وهو القائل:
ولما رأت شيب رأسي بكت
…
وقالت عسى غير هذا عسى
فقلت البياض لباس الملوك
…
وإنّ السّواد لباس الأسى
فقالت صدقت ولكنّه
…
قليل النّفاق بسوق النّسا
[1] في «ط» : «والضبطت» .
وله في العقيدة قصيدة أولها:
أثبت صفات العلى وانف الشبيه فقد
…
أخطا الذي على ما قد بدا جمدوا
وضلّ قوم على التأويل قد عكفوا
…
فعطّلوا وطريق الحقّ مقتصد
انتهى.
وتوفي في أوائل المحرم ودفن بسفح قاسيون بحوش زاوية الشيخ أبي بكر بن داود.
وفيها زين الدّين هو زين الدّين أبو بكر بن حسين بن عمر بن محمد بن يونس العثماني المراغي ثم المصري [1] الشافعي، نزيل المدينة.
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وأجاز له أبو العبّاس بن الشّحنة، فكان آخر من حدّث عنه في الدنيا بالإجازة، وأجاز له أيضا المزّي، والبرزالي، والحجّار، وآخرون من دمشق، وحماة وحلب وغيرها، وتفرّد بالرواية عن أكثرهم، وسمع بالقاهرة من جماعة، وخرج له الحافظ ابن حجر أربعين حديثا عن أربعين شيخا، وقرأ على الشيخ تقي الدّين السّبكي شيئا من محفوظاته عرضا قبل أن يلي القضاء ولازم الشيخ جمال الدّين الأسنوي، وولي قضاء المدينة وخطابتها سنة تسع وثمانمائة، وأخذ عن مغلطاي وغيره من المحدّثين، وشرح المنهاج الفقهي، واختصر «تاريخ المدينة» وحصل للمدينة جهات تقوم بحاله، ولازم الأشغال، والتحديث بالروضة الشريفة إلى أن صار شيخها المشار إليه، ثم عزل عن قضائها فتألم لذلك.
وتوفي بالمدينة المنورة في ذي الحجّة.
وفيها رضي الدّين أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح العدني بن المستأذن [2] .
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 128) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 4) و «الضوء اللامع» (11/ 28) .
[2]
ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 129) و «الضوء اللامع» (11/ 98) .
قال ابن حجر: حجّ كثيرا، وقدم القاهرة، وتعانى النّظر في الأدب، ومهر في القراءات، وتكلّم على النّاس بجامع عدن، وخطب ولم ينجب، سمعت من نظمه، وسمع مني كثيرا.
مات وقد جاوز السبعين. انتهى.
وفيها حسام الدّين حسن بن علي بن محمد الأبيوردي [1]- بفتح الهمزة والواو، وسكون التحتية، وكسر الباء، وسكون الراء- نسبة إلى باورد بلدة بخراسان، الشافعي الخطيب، نزيل مكة.
أخذ عن السعد التّفتازاني وغيره، وبرع في المعقولات، ودخل اليمن، واجتمع بالناصر ففوض إليه تدريس بعض المدارس بتعز فعاجلته المنيّة بها، وصنّف «ربيع الجنان في المعاني والبيان» وغير ذلك.
وفيها عائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل أبوها الصّالحية [2] الحنبلية المذهب المحدّثة محدّثة دمشق.
ولدت سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وحضرت في أوائل الرابعة من عمرها جميع «صحيح البخاري» على مسند الآفاق الحجّار، وروت عن خلق، وروى عنها الحافظ ابن حجر، وقرأ عليها كتبا عديدة، وكانت في آخر عمرها أسند أهل زمانها، مكثرة سماعا وشيوخا.
قاله العليمي [3] في «طبقات الحنابلة» وتوفيت في أحد الربيعين ودفنت بالصالحية.
قال ابن حجر: تفرّدت بالسّماع من الحجّار، ومن جماعة، وسمع منها
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 131) و «الضوء اللامع» (7/ 118) .
[2]
ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 132) و «الضوء اللامع» (12/ 81) و «المنهج الأحمد» الورقة (481) من القسم المخطوط منه و «أعلام النساء» (3/ 187) .
[3]
في «آ» و «ط» : «العلموي» وهو خطأ والصواب ما أثبته فإن المؤلف قد نقل عن «المنهج الأحمد» .
الرّحالة فأكثروا، وكانت سهلة في الأسماع، سهلة الجانب، ومن العجائب أن ستّ الوزراء كانت آخر من حدّثت عن ابن الزّبيدي بالسّماع، ثم كانت عائشة آخر من حدّثت عن صاحبه الحجّار بالسّماع وبين وفاتيهما مائة سنة.
وفيها عبد القوي بن محمد بن عبد القوي المالكي البجائي المغربي [1] الأصل والمولد والمنشأ، نزيل مكة.
قال ولده قطب الدّين أبو الخير، ولد والدي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ببجاية من بلاد الغرب، ورحل من بلده وعمره ثمان عشرة سنة، وقدم القاهرة، وحجّ سنة أربع وستين، ثم عاد إلى القاهرة، ثم حجّ في سنة سبعين، وقطن بمكة إلى أن مات.
وقال الشيخ تقي الدّين الفاسي: قدم ديار مصر في شبيبته، فأخذ بها عن الشيخ [يحيى الرّهوني، وغيره من علمائها، وسكن الجامع الأزهر، ثم انتقل إلى مكة، وأخذ بها عن الشيخ] موسى المرّاكشي وغيره، وسمع بها من المناوي، وسعد الدّين الإسفرائيني، وغيرهما، ودرّس بالحرم الشريف، وأفتى باللفظ تورعا، وكان ذا معرفة بالفقه.
قال ابن حجر: تفقه، وأفاد، ودرّس، وأعاد، وأفتى.
وتوفي بمكة في شوال ودفن بالمعلاة.
وفيها فخر الدّين عثمان بن إبراهيم بن أحمد الشيخ الإمام البرماوي [2] الشافعي، شيخ قرّاء مدرسة الظّاهر برقوق.
قال في «المنهل» : كان إماما بارعا في معرفة القراءات، عالما بالفقه
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 133) و «الضوء اللامع» (4/ 230) و «نيل الابتهاج» على هامش «الديباج المذهب» ص (187) و «العقد الثمين» (5/ 472) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[2]
ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 133- 134) و «الضوء اللامع» (5/ 123) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 40) و «الدليل الشافي» (1/ 438) .
والحديث والعربية، تصدّر للإقراء عدة سنين إلى أن توفي فجأة بعد خروجه من الحمّام يوم الاثنين تاسع عشر شعبان.
والبرماوي: نسبة إلى برمة بلدة بالغربية من أعمال القاهرة بالوجه البحري وإليها ينسب جماعة كثيرة من الفقهاء وغيرهم. انتهى.
وفيها فتح الدّين فتح الله بن معتصم بن نفيس الدّاودي التّبريزي الحنفي الطبيب [1] .
ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة، وقدم مع أبيه إلى القاهرة فمات أبوه وهو صغير فكفله عمّه بديع بن نفيس فتميّز في الطب، وقرأ «المختار» في الفقه، وتردّد إلى مجالس العلم، وتعلم الخطّ، وباشر العلاج، وكان بارع الجمال، فانتزعه برقوق وصار من أخص المماليك عنده، واشتهر، وشاع ذكره، واستقر في رئاسة الطب بعد موت عمّه بديع، ثم عالج برقوق فأعجبه، وكان يدري كثيرا من الألسن، ومن الأخبار، فراج عند برقوق، وباشر رئاسة الطب بعفة ونزاهة.
قال البقاعي: كان ذا باع طويل في الطبّ، حتّى إنه مرّ يوما في سوق الكتبيين فرأى شخصا ينسخ في كتاب وليس به مرض، فتأمله وقال: هذا يموت اليوم، فكان كذلك.
وقال المقريزي: كان له فضائل جمّة غطّاها شحّه حتّى اختلق عليه أعداؤه معايب برأه الله منها، فإني صحبته مدة طويلة تزيد على العشرين [سنة] ، ورافقته سفرا وحضرا، فما علمت عليه إلّا خيرا، بل كان من خير أهل زمانه عقلا، وديانة، وحسن عبارة [2] ، وتأله، ونسك، ومحبة للسّنّة وأهلها، وانقياد إلى الحقّ، وصبر على الأذى، وجودة للحافظة. وكان يعاب بالشّح بماله، فإنه كان يخذل صديقه أحوج ما يكون إليه، وقد جوزي بذلك فإنه لما نكب في هذه السنة تخلّى عنه كل أحد عن الزيارة، فلم يجد مغنيا ولا معينا، فلا قوة إلّا بالله.
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 137) و «الضوء اللامع» (6/ 165) .
[2]
في «ط» : «وحسن عبادة» .
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن خليل المصري الغرّاقي [1]- بفتح المهملة، وتشديد الراء، وبعد الألف قاف، نسبة إلى بعض قرى الدّيار المصرية- الشافعي.
اشتغل كثيرا، وتمهّر في الفرائض، وأشغل الناس فيها بالجامع الأزهر، وكثرت طلبته، وأمّ بالجامع المذكور نيابة، مع الدّين، والخير، وحسن السّمت، والتواضع، والصّبر على الطلبة. وكان يقسم «التنبيه» و «المنهاج» فيقرن بينهما جميعا في مدة لطيفة، وقد سمع من العزّ بن جماعة بمكّة، وحدّث، وجاور كثيرا، وكان يعتمر في كل يوم أربع عمر، ويختم كل يوم ختمة.
وتوفي في خامس شعبان.
وفيها محمد بن عبد الله الحجيني [2] الحنفي، الملقب بالقطعة [3] .
قال ابن حجر: كان من أكثر الحنفية معرفة باستحضار الفروع، مع جمود ذهنه، وكان خطّه رديئا إلى الغاية، وكان رثّ الثياب والهيئة، خاملا.
مات في رمضان. انتهى.
وفيها جمال الدّين محمد بن عمر العوادي [4]- بفتح المهملة وتخفيف الواو- التّعزي [5] الشافعي.
اشتغل ببلده، وأشغل الناس كثيرا، واشتهر، وأفتى، ودرّس، ونفع الناس، وكثرت تلامذته، وولي القضاء ببلده فباشر بشهامة، وترك مراعاة لأهل الدولة فتعصبوا عليه، حتّى عزل، وقد أراق في مباشرته الخمور، وأزال المنكرات، وألزم اليهود بتغيير عمائمهم، ثم بعد عزله أقبل على الاشتغال والنفع للناس إلى أن مات.
[1] في «آ» و «ط» : «العراقي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (7/ 139) و «الضوء اللامع» (6/ 307) .
[2]
في «آ» و «ط» : «الحجبي» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[3]
ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 140) و «الضوء اللامع» (8/ 120) .
[4]
في «آ» و «ط» : «العواري» بالراء والتصحيح من مصدري الترجمة.
[5]
ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 140) و «الضوء اللامع» (8/ 249 و 269) .
وفيها شهاب الدّين موسى بن أحمد بن موسى الرّمثاوي ثم الدمشقي الشافعي [1] .
ولد تقريبا سنة ستين وسبعمائة، واشتغل على الشيخ شرف الدّين الغزّي، ولازمه، وأذن له في الإفتاء، وأخذ الفرائض عن محبّ الدّين المالكي وفضل فيها، وأخذ بمكّة عن ابن ظهيرة، وأخذ طرفا من الطبّ عن الرئيس جمال الدّين، وكتب بخطّه، ومهر، وتعانى الزراعة، ثم تزوج بنت شيخه فماتت معه فورث منها مالا، ثم بذل مالا حتّى ناب في الحكم واستمرّ، ثم ولي قضاء الكرك.
قال ابن قاضي شهبة في «تاريخه» : كان سيء السيرة، وفتح أبوابا من الأحكام الباطلة، فاستمرت بعده [2] وكان عنده دهاء، وصاهر الإخنائي، وقد امتحن.
ومات بدمشق في ربيع الأول، وقيل: إنه سمّ، والله أعلم.
[1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 143) و «الضوء اللامع» (10/ 178) .
[2]
في «ط» : «بعد» .