الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة
فيها توفي ألوغ بك بن القآن معين الدّين شاه رخّ [1] ، صاحب هراة، ابن الطّاغية تيمور لنك، وقيل: اسمه تيمور على اسم جدّه، وقيل: محمد، صاحب سمرقند، فريد دهره ووحيد عصره في العلوم العقلية، والهيئة، والهندسة، طوسي زمانه، الحنفي المذهب.
ولد في حدود تسعين وسبعمائة، ونشأ في أيام جدّه، وتزوج في أيامه أيضا.
وعمل له جدّه العرس المشهور. ولما مات جدّه تيمور وآل الأمر إلى أبيه شاه رخ ولّاه سمرقند وأعمالها فحكمها نيّفا وثلاثين سنة، وعمل بها رصدا عظيما انتهى به إلى سنة وفاته، وقد جمع لهذا الرّصد علماء هذا الفنّ من سائر الأقطار، وأغدق عليهم الأموال، وأجرى [2] لهم الرواتب الكثيرة، حتى رحل إليه علماء الهيئة والهندسة من البلاد البعيدة، وهرع إليه كل صاحب فضيلة، وهو مع هذا يتلفت إلى من يسمع به من العلماء في الأقطار ويرسل يطلب من سمع به هذا، مع علمه الغزير وفضله الجمّ واطلاعه الكبير وباعه الواسع في هذه العلوم، مع مشاركة جيدة إلى الغاية في فقه الحنفية، والأصلين، والمعاني، والبيان، والعربية، والتاريخ، وأيام الناس. قيل: إنه سأل بعض حواشيه ما تقول الناس عنّي وألحّ عليه، فقال:
يقولون: إنك ما تحفظ القرآن الكريم، فدخل من وقته وحفظه في أقل من ستة أشهر حفظا متقنا. وكان أسنّ أولاد أبيه، واستمر بسمرقند إلى أن خرج عن طاعته ولده
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 265) و «الدليل الشافي» (1/ 154) .
[2]
في «ط» : «وأجزل» .
عبد اللطيف، وسببه أنه لما ملك المترجم هراة طمع عبد اللطيف أن يوليه هراة فلم يفعل، وولاه بلخ، ولم يعطه من مال جدّه شاه رخ شيئا. وكان ألوغ بك هذا مع فضله وغزير علمه مسيكا، فسأمته أمراؤه لذلك، وكاتبوا ولده عبد اللطيف في الخروج عن طاعته، وكان في نفسه ذلك، فانتهز الفرصة وخرج عن الطّاعة، وبلغ أباه الخبر فتجرّد لقتاله، والتقى معه، وفي ظنّه أن ولده لا يثبت لقتاله، فلما التقى الفريقان وتقابلا هرب جماعة من أمراء ألوغ بك إلى ابنه، فانكسر ألوغ بك وهرب على وجهه، وملك ولده سمرقند، وجلس على كرسي والده أشهرا ثم بدا لألوغ بك العود إلى سمرقند، ويكون الملك لولده، ويكون هو كآحاد الناس، واستأذن ولده في ذلك فأذن له، ودخل سمرقند وأقام بها، إلى أن قبض عبد اللطيف على أخيه عبد العزيز وقتله صبرا في حضرة والده ألوغ بك فعظم ذلك عليه، فإنه كان في طاعته وخدمته حيث سار، ولم يمكنه الكلام فاستأذن [1] ولده عبد اللطيف في الحجّ فأذن له، فخرج قاصدا للحجّ إلى أن كان عن سمرقند مسافة يوم أو يومين، وقد حذّر بعض الأمراء ابنه منه، وحسّن له قتله، فأرسل إليه بعض أمرائه ليقتله، فدخل عليه مخيّمه واستحيا أن يقول: جئت لقتلك، فسلّم عليه ثم خرج، ثم دخل ثانيا وخرج، ثم دخل ففطن ألوغ بك، وقال له: لقد علمت بما جئت به فافعل ما أمرك به، ثم طلب الوضوء وصلّى، ثم قال: والله لقد علمت أن هلاكي على يد ولدي عبد اللطيف هذا من يوم ولد، ولكن أنساني القدر ذلك، والله لا يعيش بعدي إلّا خمسة أشهر ثم يقتل أشرّ قتلة، ثم سلّم نفسه فقتله المذكور، وعاد إلى ولده.
وقتل ولده عبد اللطيف بعد خمسة أشهر.
وفيها زين الدّين أبو محمد بن عبد الرحمن بن الشيخ شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عيّاش المقرئ المسند الزّاهد المعمّر، الشهير بابن عيّاش [2] .
[1] في «ط» : «فأذن» وهو خطأ.
[2]
ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 59) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (122) .
ولد بدمشق في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، وأخذ القراءات عن أبيه إفرادا وجمعا، وقرأ عليه ختمة جامعة للقراءات العشرة بما تضمنه كتاب «ورقات» المهرة في تتمة قراءات الأئمة العشرة» تأليف والده، وقرأ على الشيخ شمس الدّين محمد بن أحمد العسقلاني «القراءات العشرة» فساوى والده في علو السّند، وذلك لما رحل إلى القاهرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ثم رحل إلى مكة المشرّفة واستوطنها وانتصب بها لإقراء القراءات بالمسجد الحرام كلّ يوم، وانتفع به عامة الناس، وصار رحلة زمانه، وتردّد إلى المدينة المنوّرة، وجاور بها غير مرّة، وتصدى بها أيضا للإقراء، وأقام بها سنين، ثم عاد إلى مكة واستمر إلى أن مات بها في هذه السنة.
وفيها قاضي قضاة الحرمين، الشريف الحسيب سراج الدّين أبو المكارم عبد اللطيف بن أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي عبد الله محمد الحسني الفاسي الأصل المكّي الحنبلي [1] .
ولد في شعبان سنة تسع وثمانين وسبعمائة بمكّة المشرّفة، ونشأ بها، وسمع الحديث على العفيف النّشاوري، والجمال الأميوطي، وإبراهيم بن صديق، وغيرهم. وأجاز له السّراج البلقيني، والحافظان الزّين العراقي، والنّور الهيثمي، والسّراج ابن الملقّن، والبرهان الشامي، وأبو هريرة ابن الذّهبي، وأبو الخير ابن العلائي، وجماعة، وخرّج له التّقي ابن فهد «مشيخة» وولي إمامة الحنابلة بالمسجد الحرام، وقضاء مكة المشرّفة، ثم جمع له بين قضاء الحرمين الشريفين مكة والمدينة سنة سبع وأربعين وثمانمائة، واستمرّ إلى أن مات. وهو أول من ولي قضاء الحنابلة بالحرمين، ودخل بلاد العجم غير مرّة. وكان له حظّ وافر عند الملوك والأعيان.
وتوفي بعلة الإسهال، ورمي الدّم في ضحى يوم الاثنين سابع شوال بمكة المشرّفة، ودفن بالمعلاة.
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 333) و «النجوم الزاهرة» (15/ 546) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (144) و «السحب الوابلة» ص (244) .
وفيها قاضي القضاة أمين الدّين أبو اليمن محمد بن محمد بن علي النّويري المكّي الشافعي [1] قاضي مكّة وخطيبها.
باشر خطابة مكّة عدة سنين، ثم ولّي قضاءها في سنة اثنتين وأربعين، ثم عزل، ثم ولّي. ومات قاضيا وخطيبا بمكة في هذه السنة.
وفيها شرف الدّين يحيى بن أحمد بن عمر الحموي الأصل الكركي القاهري، ويعرف بابن العطّار [2] الشافعي المفنّن.
توفي في ذي الحجّة عن أزيد من أربع وستين سنة.
وفيها شرف الدين يحيى بن سعد الدّين محمد بن محمد المناوي المصري الشافعي [3] قاضي القضاة.
ولد بالقاهرة، وبها نشأ تحت كنف والده، وكان والده يتعانى الخدم الديوانية، وتزوّج وليّ الدّين العراقي بابنته أخت المترجم، فحبّب لصاحب الترجمة طلب العلم لصهارته بالولي العراقي، فاشتغل وتفقّه بجماعة من علماء عصره، وأخذ المعقول عن الكمال بن الهمام وغيره، وبرع في الفقه، وشارك في غيره، وأفتى ودرّس، وعرف بالفضيلة والدّيانة، واشتهر ذكره. وولي تدريس الصّلاحية. ثم ولي قضاء قضاة الشافعية بعد علم الدّين البلقيني فلم يمتنع بل ابتهج بذلك، وأظهر السّرور، ثم غيّر ملبسه ومركبه، وترك ما كان عليه أولا من التقشف والتواضع، وسلك طريق من تقدمه من القضاة من مراعاة الدولة وامتثال ما يأمرونه به، ومال إلى المنصب ميلا كلّيا بخلاف ما كان يظنّ به، واستكثر من
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 144) و «النجوم الزاهرة» (15/ 546) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (269) .
[2]
ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 217) و «النجوم الزاهرة» (15/ 544) و «التبر المسبوك» ص (294) .
[3]
تنبيه: كذا أرخ المؤلف وفاته في هذه السنة (853) وقد تبع في ذلك ابن تغري بردي في «الدليل الشافي» (2/ 780) . ثم أعاد الترجمة له سنة (871) ص (463) من هذا المجلد وهو الصواب.
النّواب. وولي جماعة كثيرة، وانقسم الناس في أمره إلى قادح ومادح، وكانت ولايته القضاء قبيل موته بيسير.
وتوفي بالقاهرة في ثاني رجب.
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل المغربي الأندلسي ثم القاهري، ويعرف بالرّاعي المالكي [1] .
كان إماما عالما، ولد بغرناطة سنة نيّف وثمانين وسبعمائة، واشتغل بالفقه، والأصول، والعربية، ومهر فيها، واشتهر اسمه بها، وسمع من أبي بكر بن عبد الله بن أبي عامر، وأجاز له جماعة، ودخل القاهرة سنة خمس وعشرين وثمانمائة، واستوطنها، وحجّ، ثم رجع إلى القاهرة، وأقرأ بها، وانتفع به جماعة، وأمّ بالمؤيدية، وله نظم حسن، وشرح «الألفية» و «الجرومية» وحدّث عنه ابن فهد وغيره، وأضرّ بأخرة.
وتوفي في سابع عشري ذي الحجّة.
وفيها- بل في التي قبلها كما جزم به السّيوطي- زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى السّندبيسيّ [2]- بفتح السين المهملة، وسكون النون، وفتح الدال المهملة، وكسر الموحدة، وسكون التحتية، آخره سين مهملة- النّحوي ابن النّحوي.
ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة تقريبا، وبرع في الفنون، لا سيما في العربية. وكان أخذها عن الزّين الفارسكوري، وأخذ الحديث عن الولي العراقي، وسمع من الحلاوي، وابن الشّحنة، والسّويداوي، وجماعة. وأجاز له ابن العلاء، وابن الذّهبي، وخلق.
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 203) و «نيل الابتهاج» ص (310) .
[2]
ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 150) و «بغية الوعاة» (2/ 89) وفيهما: «مات ليلة الأحد سابع عشر صفر سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة» و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (133- 134) .
وكان عالما، فاضلا، بارعا، مواظبا على الاشتغال، حسن الدّيانة، كثير التواضع، أقرأ الناس، وحدّث ب «جامع الحاكم» [1] . وسمع منه النّجم بن فهد وغيره.
وتوفي ليلة الأحد سابع عشر صفر.
[1] يريد «المستدرك على الصحيحين» .