الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين تبرءوا من تلك الكلمات، أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ حيث لا يعاجلهم بالعقوبة على ما وصفوه به مما لا يجوز عليه.
الإشارة: حم عسق، الحاء تُشير إلى حمده لأوليائه، وتنويهه بقدرهم، والميم إلى تمليكهم التصرُّف في حس المُلك، وأسرار الملكوت، والعين إلى علو رتبتهم، أو إلى علومهم اللدنية، والسين إلى سيادتهم وسَنَا نورهم وسرهم، والقاف إلى قُربهم وتقريبهم حتى يمتحق وجودهم في وجود محبوبهم، فيمتحي القرب من شدة القرب، وبذلك صاروا مقربين. والوحي ينقسم إلى أربعة أقسام وحي أحكام، ووحي منام، ووحي إلهام، ووحي إعلام، فاختصت الأنبياء بالأول، وشاركتهم الأولياء في الثلاثة. ووحي إعلام هو إطّلاعهم على بعض المغيبات.
وقوله تعالى: تَكادُ «1» السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ أي: يتشققن من هيبته تعالى وكبريائه. وذلك لما لطُف حسها أدركت هيبة معاني أسرار الذات، وكذلك الأرواح إذا لطفت ورقّ حس بشريتها أدركت عظمة الحق وجلاله وجماله، وإذا كثفت بشريتها، بمباشرة الحس واتباع الهوى، غلظ حجابها، فبعدت عن حضرة الحق في حال قربها.
وقوله تعالى: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ، انظر جلالة قدر هذا الآدمي، حتى سخَّر الله له الملائكة الكرام يستغفرون له، ويسعون في مصالحه، فاستحِي من الله أيها العبد، إن كان لك عقل وتمييز.
ثم ردَّ على أهل الشرك، فقال:
[سورة الشورى (42) : الآيات 6 الى 9]
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
قلت: وَكَذلِكَ: الكاف في محل النصب على المصدر، وقُرْآناً: مفعول «أوحينا» .
(1) راجع الهامش رقم 2 فى الصفحة السابقة.
يقول الحق جل جلاله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ شركاء، يُوالونهم بالعبادة والمحبة اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ: رقيب على أحوالهم وأعمالهم، فيجازيهم بها، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ بموكّل عليهم، تجبرهم على الإيمان، ثم نسخ بالجهاد. أو: ما أنت بموكول إليك أمرهم، وإنما وظيفتك الإنذار بما أوحينا إليك.
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا أي: ومثل ذلك الإيحاء البديع الواضح أوحينا إليك قرآناً عربيّاً، لا لبس فيه عليك ولا على قومك، لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى أي: أهلها، وهي مكة لأن الأرض دُحِيت من تحتها، أو: لأنها أشرف البقع، وَتنذر مَنْ حَوْلَها من العرب أو من سائر البلاد. قال القشيري: وجميعُ العالَم مُحْدِقٌ بالكعبة لأنها سُرَّةُ الأرضِ. هـ.
وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ يوم القيامة لأنه تجمع فيه الخلائق، وفيه تجمع الأرواح والأشباح. وحذف المفعول الثاني من «تُنذر» الأول للتهويل، أي: لتنذر الناس أمراً فظيعاً تضيق عنه العبارة، لا رَيْبَ فِيهِ لا شك في وقوع ذلك اليوم، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ أي: بعد جمعهم في الموقف يفترقون، فريق يُصرف إلى الجنة، وفريق إلى السعير بعد الحساب، والتقدير: فريق منهم في الجنة. والجملة: حال، أي: وتنذر يوم الجمع متفرقين.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ في الدنيا أُمَّةً واحِدَةً إما مهتدين كلّهم، أو ضالين، وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ أي: ويُدخل مَن يشاء في عذابه، يدلّ عليه ما بعده، ومن ضرورة اختلاف الرحمة والعذاب:
اختلاف الداخلين فيهما، فلم يشأ جعل الكل أمة واحدة، بل جعلهم فريقين، فيسَّر كلاًّ لمَن خُلق له. وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ والكافرون ما لهم من شافع ولا دافع.
قال أبو السعود: والذي يقتضيه سياق النظم أن يُراد بقوله: أُمَّةً واحِدَةً الاتحاد في الكفر، كما في قوله تعالى:
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً
…
الآية «1» ، على أحد الوجهين، بأن يُراد بهم الذين هم في فترة إدريس، أو فترة نوح. ولو شاء لجعلهم أمة واحدة متفقة على الكفر، بأن لا يُرسل إليهم رسولاً ليُنذرهم ما ذكر من يوم الجمع، وما فيه من ألوان الأهوال، فيبقوا على ما هم عليه من الكفر، ولكن يُدخل من يشاء في رحمته إن شاء ذلك، فيُرسل إلى الكل مَن ينذرهم، فيتأثر بعضهم بالإنذار فيعرفون الحق فيوفقهم الله تعالى للإيمان والطاعة،
(1) الآية 213 من سورة البقرة.
ويُدخلهم في رحمته، ولا يتأثر به الآخرون، ويتمادون في غيهم، وهم الظالمون، فيبقون في الدنيا على ما هم عليه، ويصيرون في الآخرة إلى السعير، من غير وليٍّ يلي أمرهم، ولا نصيرٍ يُخلصهم من العذاب. هـ.
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ، هذه جملة مقررة لِما قبلها، من انتفاء أن يكون للظالمين وَليّ ولا نصير.
و «أم» : منقطعة، وما فيها من الإضراب للانتقال من بيان ما قبلها إلى بيان ما بعدها. والهمزة لإنكار الوقوع ونفيه على أبلغ وجه، أي: ليس المتخَذون أولياء، ولا ينبغي اتخاذ وليّ سواه. وقوله: فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ: جواب عن شرط مقدّر، كأنه قيل بعد إبطال ما اتخذوه أولياء من الأصنام: إن إرادوا ولياً في الحقيقة فالله هو الوليّ، لا وليّ سواه. وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى أي: ومن شأنه إحياء الأموات، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فهو الحقيق بأن يُتخذ ولياً، فليخصُّوه بالاتخاذ، دون مَن لا يقدر على شيء. وبالله التوفيق.
الإشارة: قال القشيري: كلُّ مَن تبع هواه، وترك لله حدّاً، أو نقض له عهداً فهو ممن اتخذ الشيطانَ وليّاً، فالله يَعلمه، لا يخفى عليه أمره، وعلى الله حسابه، ثم إن شاء عَذَّبه، وإن شاء غَفَرَ له. هـ. فيقال للواعظ أو الداعي إلى الله: لا تأسَ عليهم إن أدبروا، الله حفيظ عليهم، وما أنت عليهم بوكيل. وكان الرّسول صلى الله عليه وسلم داعياً إلى الله، يُنذر الناس بالقرآن، فمَن تبعه كان من أهل الجنة، ومَن خالفه كان من أهل السعير، وبقي خلفاؤه من بعده، العلماء بالله، الذين يُذكِّرون الناس، ويدلونهم على الله، فمَن صَحِبَهم وتبعهم كان من أهل الجنة جنة المعارف، أو الزخارف، أو هما، ومَن انحرف عنهم كان من أهل السعير، نار القطيعة أو الهاوية.
قال القشيري: كما أنهم اليومَ فريقان فريق في [درجات]«1» الطاعات وحلاوة العبادات [أو المشاهدات]«2» ، وفريق في ظلمات الشِّركِ وعقوبات الجحد، فكذلك غداً، فريقٌ هم أهل اللقاء، وفريق هم أهل الشقاء. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ أي: أراد أن يجمعهم كلهم على الرشاد لم يكن مانع. هـ.
وقوله تعالى: فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ تحويش إلى التوجُّه إلى الله، ورفض كل ما سواه، كما قال بعضهم: اتخذ الله صاحباً، ودع الناس جانبا، ف كل مَن والى غيرَ الله تعالى خذله، ومن حُبه أبعده.
(1) فى القشيري [راحة] .
(2)
ما بين المعقوفتين من تدخل المفسر فى النّقل عن القشيري.