الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استثناء مفرغ من أعم الأحوال، أي: ما يحدث شيء من خروج ثمرة، ولا حمل حامل، ولا وضع واضع، ملابساً بشيء من الأشياء، إلا ملابساً بعلمه المحيط.
وَاذكر يَوْمَ يُنادِيهِمْ فيقولُ: أَيْنَ شُرَكائِي بزعمكم، أضافهم إليه على زعمهم، وفيه تهكم بهم وتقريع، قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ أي: من أحد يشهد لهم بالشركة، إذ تبرأنا منهم، لما عاينا حقيقة الحال، وتفسير «آذن» هنا بالإخبار، أحسن من تفسيره بالإعلام لأن الله- تعالى- كان عالماً بذلك، وإعلام العالم محال أما الإخبار للعالم بالشيء ليتحقق بما علم به فجائز، إلا أن يكون المعنى: إنك علمت من قلوبنا الآن: أنَّا لا نشهد تلك الشهادة الباطلة لأنه إذا علمه من نفوسهم، فكأنهم أعلموه، أي: أخبرناك بأنَّا ما منا أحد اليوم يشهد بأنّ لك شريكاً، وما منا إلا مَن هو مُوَحَّد. أو:(ما منا من) أحد يشاهدهم، لأنهم ضلُّوا عنهم في ساعة التوبيخ، وقيل:
هو من كلام الشركاء، أي: ما منا شهيد يشهد بما أضافوا لنا من الشركة.
وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ يعبدون مِنْ قَبْلُ في الدنيا وَظَنُّوا وأيقنوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ من مهرب، والظن معلق عنهم بحرف النفي عن المفعولين.
الإشارة: إليه تعالى يُرَدُّ علمُ الساعة، التي يقع الفتح فيها على المتوجه، بكشف الحجاب بينه وبين حبيبه، وما تخرج من ثمرات العلوم والحِكَم من أكمام قلبه، وما تحمل نفس من اليقين والمعرفة، إلا بعلمه. ثم ذمَّ مَن مال إلى غيره بالركون والمحبة، وذكر أنه يتبرأ منه في حال ضيقه، فلا ينبغي التعلُّق إلا به، ولا ميل القصد والمحبة إلا له- سبحانه- وبالله التوفيق.
ثم ذكر ما جبل عليه طبع الإنسان من الجزع والهلع، فقال:
[سورة فصلت (41) : الآيات 49 الى 51]
لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51)
يقول الحق جل جلاله: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ أي: جنسه، أو: الكافر، بدليل قوله: وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً «1» ، أي: لا يملّ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ من طلب السعة في المال والنعمة، ولا يملّ عن إرادة النفع والسلامة، والتقدير: من دعائه الخير، فحذف الفاعل وأضيف إلى المفعول، وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ الفقر والضيق، فَيَؤُسٌ من الخير قَنُوطٌ من الرحمة، أي: لا يرجو زواله لعدم علمه بربه، وانسداد الطريق على قلبه في الرجوع إلى ربه، بُولغ فيه من طريقين: من طريق بناء فَعول، ومن طريق التكرير لأن اليأس هو القنط، والقنوط: أن يظهر أثر اليأس فيتضاءل وينكسر، ويظهرَ الجزع، وهذا صفة الكافر لقوله: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ «2» . وقال الإمام الفخر: اليأس على أمر الدنيا من صفة القلب، والقنوط: إظهار آثاره على الظاهر. هـ.
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي أي: وإذا فرجنا عنه بصحّة بعد مرض، أو: سعة بعد ضيق، قال: هذا لِي أي: هذا قد وصل إليّ لأني استوجبته بما عندي من خير، وفضل، وأعمال برّ، أو: هذا لي لا يزول عني أبداً، وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً أي: ما أظنها تقوم فيما سيأتي، وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي كما يقول المسلمون، إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى أي: الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة، أو: الجنة. قاس أمر الآخرة على أمر الدنيا لأن ما أصابه من نِعَمِ الدنيا، زعم أنه لاستحقاقه إياها، وأن نِعَم الآخرة كذلك. وهذا غرور وحمق، الرجاء ما قارنه عمل، وإلا فهو أُمنية، «الجاهل مَن أتْبَعَ نَفْسه هواها، وتمنى على الله، والكيِّسُ مَن دانَ نَفْسَه، وعَمِلَ لما بعد الموت» «3» .
فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا أي: فلنخبرنهم بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ شديد، لا يفتر عنهم.
وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ، هذا ضرب آخر من طغيان الإنسان إذا أصابه الله بنعمته أبطرته النعمة، وأعجب بنفسه، فنسي المنعِّم، وأعرض عن شكره، وَنَأى بِجانِبِهِ وتباعد عن ذكر الله ودعائه
(1) من الآية 36 من سورة الكهف.
(2)
من الآية 87 من سورة يوسف.
(3)
هذا حديث نبوى شريف. أخرجه ابن ماجه فى (الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، 2/ 1423، ح 4260) والترمذي فى (صفة القيامة، باب 25، 4/ 550 ح 2459) والحاكم (4/ 251) عن شداد بن أوس رضي الله عنه. بلفظ: «الكِّيسُ من دانَ نَفْسَه وعَمِلَ لِما بعدَ الموت، والعاجز مَن أتْبَعَ نفسَه هواها، وتمنى على الله، قال الترمذي: حديث حسن.