الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا أي: ظهر لهم سيئات أعمالهم التي كسبوها. أو: سيئات كسبهم حين تُعرض عليهم صحائفُهم، وكانت خافية عليهم، أو: عقاب ذلك. وَحاقَ بِهِمْ أي: نزل بهم وأحاط، ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي: جزاء هزئهم بالإسلام، ومَن جاء به، ومَن تبعه.
الإشارة: الآية تجرّ ذيلها على كل ظالم لم يتب، فيتمنى الفداء بجميع ما في الأرض، فلا يُمكّن منه. وقوله تعالى: وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ، هذه الآية عامة، لا يُفلت منها إلا الفرد النادر، الذي وصل إلى غاية المعرفة العيانية، ومَن لم يصل إلى هذا المقام فهو مقصِّر، يظن أنه في عليين، وهو في أسفل سافلين، ولذلك عظم خوف السلف منها، فقد جزع محمد بن المنكدر عند الموت، فقيل له في ذلك، فقال: أخشى آيةً من كتاب الله: وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ فأنا أخشى أن يبدو لِي مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ أحتسب «1» . وعن سفيان أنه قرأها، فقال: ويلٌ لأهل الرياء، ويلٌ لأهل الرياء. هـ.
وفي الإحياء: مَن اعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله خلاف الحق، وخلاف ما هو عليه إما برأيه أو معقوله ونظره، الذي به يجادل، وعليه يعول، وبه يغتر، وإما بالتقليد، فمَن هذا حاله ربما ينكشف له حال الموت بطلان ما اعتقده جهلاً، فيتطرّق له أن كل ما اعتقده لا أصل له، فيكون ذلك سبباً في شكه عند خروج روحه، فيختم له بسوء الخاتمة، وهذا هو المراد بقوله تعالى: وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وبقوله: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا «2» .. الآية. انظر عبارته في كتاب الخوف، وقريباً منه في القوت، عصمنا الله من سوء القضاء، وختم لنا بالسعادة التامة بمنِّه وكرمه.
ثم ذكر حالة أخرى من قبائح أهل الشرك، فقال:
[سورة الزمر (39) : الآيات 49 الى 51]
فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51)
(1) انظر تفسير البغوي (7/ 124) .
(2)
الآية 103 من سورة الكهف.
يقول الحق جل جلاله: فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ أي: جنسه ضُرٌّ: فقر أو غيره دَعانا معرضاً عما سوانا. والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، من ذكر حالتي أهل الشرك القبيحتين، وما بينهما اعتراض مؤكد للإنكار عليهم، أي: إنهم يشمئزون عن ذكر الله وحده، ويستبشرون بذكر الآلهة، فإذا مسّهم الضر دعوا مَن اشمأزوا عن ذكره، دون مَن استبشروا بذكره، فناقضوا فعلهم.
فإن قلت: حق الاعتراض أن يؤكّد المعترَض بينه وبينه؟ قلت: ما في الاعتراض من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ربه، بأمر من الله، وقوله: أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ، ثم ما عقّبه من الوعد العظيم، تأكيد لإنكار اشمئزازهم، واستبشارهم، ورجوعهم إلى الله في الشدائد، دون آلهتهم، كأنه قيل: قل: يا ربّ لا يحكم بيني وبين هؤلاء، الذين يجترئون عليك مثل هذه الجراءة، إلا أنت، ثم هدهم بقوله: ولو أن لهؤلاء الظلمة ما في الأرض جميعاً لافتدوا به.
انظر النسفي.
ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا: أعطيناه إياها، تفضُّلاً فإن التخويل مختص به، لا يطلق على ما أعطى جزاء، فإذا أعطيناه ذلك قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ أي: ذلك التخويل أو الإنعام عَلى عِلْمٍ مني بوجوه كسبه، كما قال قارون: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي «1» أو: على علم مني بأني سأُعطاه، لِما فيّ من فضل واستحقاق، أو: على علم من الله تعالى باستحقاقي لذلك المال، فتذكير الضمير إما لعوده على التخويل المأخوذ من خَوَّلْناهُ، أو: بتأويل النعمة بمعنى الإنعام، أو: المراد بشيء من النعمة، أو: يعود على «ما» إذا قلنا: موصولة، لا كافة، أي: إن الذي أوتيته على علم مني.
قال تعالى: بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ أي: ليس ما خوَّلناه نعمة بل هي محنة وابتلاء له ليظهر كفره أو شكره. ولما كان الخبر مؤنثاً ساغ تأنيث المبتدأ لأجله، وقرىء:«بل هو فتنة» . وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أنَّ الأمر كذلك، وأنَّ التخويل إنما كان فتنة، وفيه دلالة على أن المراد بالإنسان الجنس.
قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: قد قال هذه المقالة، وهي: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ من قبلهم، كقارون وقومه، قال قارون: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي «2» وقومه راضون بمقالته، فكأنهم قالوها معه. ويجوز أن يكون في الأمم الخالية آخرون قائلون مثلها. فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ من متاع الدنيا، وما جمعوا منها شيئاً حين ينزل بهم العذاب، فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا أي: جزاء سيئات ما كسبوا، وهو العذاب في الدنيا والآخرة، أو: سمّي جزاء السيئة سيئة للازدواج، كقوله: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «3» أي: فأصابهم وبال
(1) من الآية 78 من سورة القصص.
(2)
من الآية 78 من سورة القصص.
(3)
من الآية 40 من سورة الشورى.