الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهزمه، ثم عاد فهزمه «1» ، هكذا نقله الثعلبي وغيره. فانظره مع ما في الاكتفاء للكلاعي: أن خالداً كان مع المشركين في الحديبية، وإنما أسلم بعد الحديبية قبل الفتح، وكان في السنة الثامنة، والحديبية في السادسة، والذي ذكر النسفي أنه عليه السلام بعث مَن هزمهم، ولم يسمه، وهزمُ خالد لبعض قريش إنما كان في الفتح، لا في الحديبية، فلعل الراوي غلط. وقال أنس: إن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الفجر، عام الحديبية، ليقاتلوا المسلمين، فأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم سِلْماً، فأعتقهم، فنزلت الآية «2» .
ووجه المنّة في كفّ أيدي المؤمنين عن الكافرين: ما ذكر بعد من قوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ
…
الآية، أو: ما تطرق بسببه من الصلح وانقيادهم إليه، فإنهم لما رأوا أصحابهم انهزموا أذعنوا للصلح، وقال القشيري: بعد أن اضطرهم المسلمون إلى بيوتهم، أنزل الله هذه الآية يمنُّ عليهم، حيث كفّ أيديَ بعضهم عن بعض، عن قدرة من المسلمين، لا عن عجز، فأما الكفار فكفُّوا أيديهم رُعباً وخوفاً، وأما المسلمون فنهياً من قِبل الله، لما في أصلابهم من المؤمنين. هـ. وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من مقاتلتهم وهزمهم أولاً، والكفّ عنهم ثانياً، لتعظيم بيته الحرام، وقرأ البصري بياء الغيب، أي: بما يعمل المشركون بَصِيراً فيجازي كلا بما يستحقه.
[سورة الفتح (48) : آية 25]
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25)
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَصدوا الْهَدْيَ حال كونه مَعْكُوفاً أي: محبوساً عن أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ أي: مكانه الذي يحلّ به نحره، وهو منى وكان صلى الله عليه وسلم ساق سبعين بدنة، فلما صُدّ، نَحَرَها بموضعه، وبه استدل مَن قال: إنّ المحصَر ينحر هداياه بموضعه، وروى أن خيامه صلى الله عليه وسلم كانت في الحل، ومصلاّه في الحرم، وهناك نحرت هداياه صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: يُقال لمَن سبقت لهم العناية، وحَفّت بهم الرعاية: لو قاتلكم الذين كفروا من النفس الأمّارة، والشيطان، والهوى، وسائر القواطع، لَوَلُّوا الأدبار، ثم لا يجدون تسلُّطاً عليكم أبداً، سُنَّة الله التي قد خلت فيمن توجه إليه بصدق الطلب، ودخل تحت تربية الرجال، فإن همتهم دائرة عليه، ولن تجد لسنَّة الله تَبْدِيلاً. وَهُوَ الذي كفّ أيدي الأعداء من القواطع عنكم، وكَفّ أيديكم عنهم، من بعد أن أظفركم عليهم، فإنّ النفس إذا تعذّبت واطمأنت وجب الكفُّ عن مجاهدتها، ووجب البرور بها، وتصديقها فيما تحدثه، وكذا سائر القواطع تجب الغيبة عنها، وعدم
(1) أخرجه ابن جرير (26/ 95) وانظر الكافي الشاف (ح 424) فقد قال الحافظ ابن حجر معقبا: «فى صحته نظر لأن خالدا لم يكن أسلم فى الحديبية. وظاهر السياق أن هذه القصة كانت فى الحديبية» . وسيذكر الشيخ بعد قليل حديث أنس. وهو أصح لوروده في الصحيح.
(2)
أخرجه مسلم فى (الجهاد، باب قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ح 1808) من حديث أنس رضي الله عنه. [.....]
الالتفات إليها غيبةً في الله واشتغالاً بشهوده. وقيل لبعضهم: متى ينتهي سير الطالبين؟ قال: «الظفر بنفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا» . وأيض: الا تجتمع المجاهدة مع المشاهد، فإذا تحققت المشاهدة فلا مجاهدة. هم الذين كفروا من النفوس المتمردة، والهوى، وصدُّوكم عن مسجد الحضرة، والهديَ معكوفاً، وحبسوكم عن التقرُّب إلى الله بالنفس والمال أن يبلغ محله، بأن تمنعكم من إعطائه، أو تُشِيبُه بما يُفسده من الرياء والعجب، لئلا تبلغ محل الإخلاص.
ثم ذكر حكمة منعهم من دخول مكة عام الحديبية، فقال:
قلت: (أن تطؤوهم) : بدل اشتمال من رجال ونساء، ومن ضمير «تعلموهم» وبغير متعلق بتطؤهم، وجواب «لولا» محذوف، أغنى عنه جواب «لو» أي: لما كفّ أيديكم عنهم.
يقول الحق جل جلاله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ بمكة، ضَعُفوا عن الهجرة لَمْ تَعْلَمُوهُمْ لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم مع المشركين، أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ
أي: غير عالِمين بهم فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ أي: مشقة ومكروه. وفي تفسير المحلي «المعرة» بالإثم نظر، مع فرض عدم العلم، إلا أن يُحمل على صورة الإثم، وهو الخطأ، وفيه الكفارة. والمعرة: مفعلة من: عراهُ: إذا دهاه ما يكرهه وشقّ عليه، وهو هنا الكفارة إذا قتله خطأ، وسوء مقالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز، والإثم إذا قصد قتله. والوطء عبارة عن الإيقاع والإبادة. والحاصل أنه كان بمكة قوم مسلمون مختلطون بالمشركين، غير متميّزين منهم، فقيل: ولولا كراهة أن تُهلكوا ناساً من المؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين بهم، فتُصيبكم بإهلاكهم مشقة ومكروه، ولما كففنا أيديكم عنهم، ولسلطانكم عليهم.
وكان ذلك الكفّ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ أي: في توفيقه لزيادة الخير والطاعة لمؤمنيهم، أو: ليدخلهم في الإسلام مَن رغب فيه من مشركيهم مَنْ يَشاءُ زيادته أو هدايته، فاللام متعلقة بمحذوف، تعليل لما دلت عليه الآية، وسيقت له، من كفّ الأيدي عن أهل مكة، والمنع من قتلهم، صوناً لما بين أظهرهم من المؤمنين.
لَوْ تَزَيَّلُوا أي: تفرّقوا وتميّز المسلمون من الكافرين، لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً بقتل