الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ المختارين من بين أبناء جنسهم الْأَخْيارِ: جمع خيّر، أو: خيْر، على التخفيف، كأموات جمع ميّت، أو: ميْت.
الإشارة: أولياء هذه الأمة- أي: العارفون بالله- يزاحمون الأنبياء والرسل في جلّ المراتب، قال عليه السلام:«علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» «1» أي: العلماء بالله فإنهم لم يقفوا مع دنيا ولا مع آخرة، بل حطُّوا هممهم على الله، ولم يقصدوا شيئاً سواه، خلعوا النعلين عن الكونين، وركضوا إلى المكوِّن، وكانت لهم اليد الطولى في عمل الطاعات عبوديةً، والبصيرة النافذة في مشاهدة الربوبية، هذه طريقهم، وهذا مذهبهم، ومَن حاد منهم عن هذا لم يعدّوه منهم. جعلنا الله ممن خرط فى سلكهم.
ثم ذكر بقية بنيه، فقال:
[سورة ص (38) : آية 48]
وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48)
يقول الحق جل جلاله: وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ، فصل ترجمته عن أبيه وأخيه للإشعار بعلو شأنه، واستقلاله بالشرف والذكر، ولعراقته في الصبر، الذي هو المقصود بالتذكير، وهو أكبر بنيه. وَاذكر الْيَسَعَ بن خطوب «2» بن العجوز، استعمله إلياس على بنى إسرائيل، ثم استنبئ. و «ال» فيه، قيل: للتعريف، وأصله: يسع، وقيل: زائدة لأنه عجمي علَم، وقيل: هو يوشع، وَذَا الْكِفْلِ وهو ابن عم اليسع، أو: بشر بن أيوب. واختلف في نبوته وسبب لقبه، فقيل: فرّ إليه مائة نبي من بني إسرائيل، خوفاً من القتل، فآواهم وكفلهم، وقيل: تكفل بعبادة رجل صالح كان في وقته. وَكُلٌّ أي: وكلهم مِنَ الْأَحْبارِ المشهورين بالخيرة.
الإشارة: إنما كان هؤلاء مصطفين أخياراً بالوفاء بالعهود، والوقوف مع الحدود، والصبر على طاعة الملك المعبود، وتحمُّل ما يقرب إلى حضرة الشهود. ف كل مَن اتصف بهذه الخصال كان من المُصْطَفَين الأخيار.
ثم ذكر عامة المؤمنين، أو: ما أعد لمن ذكر آجلا، بعد ذكرهم الجميل عاجلا، فقال:
[سورة ص (38) : الآيات 49 الى 54]
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (53)
إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (54)
(1) قال فى كشف الخفاء (2/ 83، ح 1744) : «قال السيوطي فى الدرر: لا أصل له. وقال فى المقاصد: قال شيخنا- يعنى ابن حجر- ومن قبله الدميري والزركشي: إنه لا أصل له. زاد بعضهم: ولا يعرف فى كتاب معتبر» . وانظر أيضا العلل المتناهية (ح 702) .
(2)
فى نسخة [قطوب] .
قلت: (جناتِ) : عطف بيان لحُسن مآب، أو: بدل. و (مفتَّحة) : حال من (جنات عدن) . والعامل فيها:
الاستقرار في (للمتقين) . و (الأبواب) : نائب الفاعل لمُفتَّحة. والرابط بين الحال وصاحبها: إما ضمير مقدّر، كما هو رأي البصريين، أي: الأبواب منها، أو: الألف واللام القائم مقامه، كما هو رأي الكوفيين، أي: أبوابها. و (متكئين) :
حال من ضمير (لهم)، والعامل فيه:(مفتحة) . و (يَدْعُون) : إما استئناف، أو: حال مما ذكر، أو: من ضمير (متكئين) .
يقول الحق جل جلاله: هذا أي: هذا الذي ذكر من الآيات الناطقة بمحاسن الأنبياء والرسل، ذِكْرٌ أي: شَرَفٌ لهم، وذِكْر جميل يُذكرون به أبداً، أو: نوع من الذكر، أي: القرآن. وآيٌ منه مشتمل على أنباء الأنبياء، أو: تذكير ووعظ لأنه يذكر أحوال الأكابر ليقتدي بهم، أو: ذكر مَن مضى الأنبياء، أو: شرف لك لأنه معجزة لك يدلّ على صدقك، وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ أي: جنس المتقين، أو: مَن ذكر مِن الرسل، عبّر عنهم بالمتقين مدحاً لهم بالتقوى إذ هي غاية الكمال. لَحُسْنَ مَآبٍ مرجع.
ثم بيَّنه بقوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ إقامة مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ فإذا جاءوها لا يلحقهم ذلّ الحجاب، ولا كلفة الاستئذان، تستقبلهم الملائكة بالتبجيل والترحيب، مُتَّكِئِينَ فِيها على أرائكهم في حِجالهم، يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ مما يشتهون وَشَرابٍ كثير كذلك، حذف اكتفاء بالأول، والاقتصار على دُعاء الفاكهة للإيذان بأن مطاعمهم لمحض [التفكُّه]«1» والتلذُّذ، دون التغذي والحاجة، فإنه لا تَحلُل في الأبدان ولا حاجة.
وَعِنْدَهُمْ حور قاصِراتُ الطَّرْفِ على أزواجهن، لا ينظرون إلى غيرهم، أَتْرابٌ لِداتٌ، أسنانُهنّ كأسنانهم. قيل: ثلاث وثلاثون سنة لكل واحد، أو: مستويات في الحُسن والجمال والشكل لأن التحابّ بين الأقران أبلغ وأثبت، وقيل: أتراب بعضهن لبعض، لا عجوز فيهن ولا صبية. واشتقاقه من التراب، فإنه [يمسَّهن]«2» في وقت واحد.
(1) فى الأصول [الفاكهة] .
(2)
فى الأصول الخطية [يمسهم] .