الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من شيء، إن أنتم إلا تكذبون. قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أي: مقدرين الخلود، فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ، اللام للجنس، والمخصوص محذوف، أي: بئس مثوى المتكبرين جهنم، وتكبرهم مسبب عن استحقاق كلمة العذاب عليهم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: كل مَن تكبَّر عن أولياء زمانه- أهل التربية- حتى مات محجوباً عن شهود الحق، يلحقه التوبيخ بلسان الحال، فيقال له: ألم يأتكم رسل من أولياء زمانكم، يعرفون بنا في كل زمان؟ فيقولون: بلى، ولكن حقت علينا كلمة الحجاب، فيخلدون في القطيعة والحجاب، إلا في وقت مخصوص. وبالله التوفيق.
ثم ذكر أهل الخير، فقال:
[سورة الزمر (39) : الآيات 73 الى 75]
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75)
يقول الحق جل جلاله: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ مساق إعزاز وتشريف، بلا إسراع ولا تكليف، إلى دار الكرامة والتعريف. قيل: يُساقون راكبين مبجَّلين، كما يجيء الوافدون إلى دار الملوك، يساقون إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً جماعة متفاوتين، بحسب تفاوت مراتبهم في الفضل، وعلو الطبقة، حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها الثمانية. وقرئ بالتخفيف والتشديد «1» . وجواب «إذا» محذوف للإيذان بأن لهم من فنون الكرامة ما لا تُحيط به العبارة، كأنه قيل: حتى إذا جاءوها، وقد فتحت أبوابها، كان من الأمر والخبر ما يقصر عنه البيان.
وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ ظفرتم، وتقدّستم في دار التقديس من كل دنس، وطبتم نفساً، بما أتيح لكم من النعيم والأمن، فَادْخُلُوها خالِدِينَ، وحذف الواو في وصف أهل النار لأن أبواب جهنم لا تفتح
(1) قرأ عاصم وحمزة الكسائي (فتحت) ، بتخفيف التاء، وقرأ الباقون بالتشديد، على التكثير. انظر الإتحاف (2/ 432) .
لهم حتى يصلوا إليها، وفي وقوفهم قبل فتحها مذلة لهم، كما هي حال السجون، بخلاف أهل الجنة، فإنهم يجدونها مفتوحة، قال تعالى: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ «1» ، كما هي حال منازل الأفراح والسرور.
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ أي: أنجزنا ما وعدنا في الدنيا من نعيم العقبى. وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ أرض الجنة، أي: المكان الذي استقرُّوا فيه، وقد أُورثوها وملكوها. وأطلق تصرفهم فيها كما يشاؤون [تشبيهاً]«2» بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه، واتساعه فيها، نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ أي: يتخذ كل واحد منا جنة لا توصف، سعة وزيادة على الحاجة، فيتبوأ أيَّ مكان أراده من جنته الواسعة، فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ في الدنيا الجنة.
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حال كونهم حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ أي: محدقين به. و «من» لابتداء الغاية، أي:
ابتداء حفوفهم من حول العرش إلى حيث شاء الله، أو: زائدة، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أي: يقولون سبحان الله، والحمد لله، سُبوح قُدوس، رب الملائكة والروح. أو: ينزهونه تعالى عما لا يليق به، ملتبسين بحمده. والمعنى:
ذاكرين الله تعالى بوصفي جلاله وإكرامه، تلذُّذاً، وفيه إشعار بأن أقصى درجات العليين في لذائذهم هو الاستغراق في شهوده عز وجل.
وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يقوله أهل الجنة شكراً لله حين دخلوها، وتمّ وعد الله لهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كما قال: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «3» .
الإشارة: وسيق الذين اتقوا ربهم حق تقاته إلى جنة المعارف، زُمراً، متفاوتين في السير، على قدر تفاوتهم في القريحة، والاعتناء، والتفرُّغ من الشواغل والعلائق. حتى إذا جاءوها وفُتحت أبوابها، بذهاب حجاب الكائنات، حتى بقي المكوّن وحده، كما كان وحده، وجدوا من الأسرار والأنوار مالا يدخل تحت دوائر العبارة، ولا تحيط به الإشارة. وقال لهم خزنتها، وهم شيوخ التربية، العارفون الله: سلام عليكم طِبتم، أي: تقدّستم من العيوب والأكدار، فادخلوها خالدين لأن مَن وصل لا يرجع أبداً، وما رجع مَن رجع إلا من الطريق. وقالوا: الحمد لله الذى صدقنا وعده، بأن أنجز لنا ما وعدنا من الوصول، على ألسنة المشايخ. قال في الحكم:«سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا مَن أراد أن يوصله إليه» .
(1) من الآية 50 من سورة ص. [.....]
(2)
ما بين المعقوفتين، ليس فى الأصول، وأثبته لاقتضاء السياق له.
(3)
من الآية 10 من سورة يونس.
وأورَثَنا أرضَ الوجود بأسره، نتبوأ من جنة المعارف، في أقطار الوجود، بفكرتنا وهمتنا، حيث نشاء، فنِعم أجر العاملين. وَتَرَى الملائكة حَآفِّينَ مِنْ حول العرش، أي: قلب العارف لأنه بيت الرب، ومحل قرار نوره، فيحفُّونه بالحفظ والرعاية من دخول الأغيار، ويُنزهون الله عن الحلول والاستقرار. وقُضي بينهم بالحق، فعزلت الشياطين عن قلوب الذاكرين، وتسلّطت على قلوب الغافلين، والحمد لله رب العالمين، حيث لم يظلم أحداً من العالمين.