الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضر: الصبر، وآداب النفع: الشكر، وأيضاً: راكب السفن ملزوم، إما للمشقة أو السلامة، فالصبر والشكر لا زمان له.
ولم يعطف إحدى الصفتين على الأخرى لأنهما لموصوف واحد.
أَوْ يُوبِقْهُنَّ أي: يهلكهن، عطف على قوله: يُسْكِنِ أي: إن يشأ يُسكن الريح فيركدن، أو يعصفها فيغرقن [بعصفها]«1» بِما كَسَبُوا من الذنوب. وإيقاع الإيباق عليهن مع أنه حال [أهلهن]«2» للمبالغة والتهويل، وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ منها، فلا يُجازي عليها، وإنما أدخل العفو في حكم الإيباق، حيث جُزم جزمَه لأن المعنى: أو إن يشأ يُهلك ناسا ويُنج ناساً، على طريق العفو عنهم. وقرئ:«ويعفو» «3» على الاستئناف. وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا أي: في إبطالها وردها ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ من مهرب من العذاب. والجملة معلقة بالنفي، ومن نصب «يعلم» عطفه على عِلة محذوفة، أي: لينتقم منهم وليعلم، كما في قوله: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ «4» . وقيل غير ذلك. ومَن رفعه «5» فعلى الاستئناف. وقرئ بالجزم، عطفاً على:«يعف» ، فيكون المعنى:
أو إن يشأ يجمع بين إهلاك قوم وإنجاء آخرين وتحذير قوم.
الإشارة: ومن آياته الأفكار الجارية في بحر التوحيد، كالأعلام، أي: أصحابها كالجبال الرواسي، لا يهزهم شيء من الواردات ولا غيرها، إن يشأ يُسكن رياح الواردات عن أسرارهم، فيبقين رواكد على ظهر بحر الأحدية، مستغرقين في شهود الذات العلية، أو يُوبقهن بما كسبوا من سوء الأدب، فيغرقن في الزندقة أو الحلول والاتحاد، ويعفُ عن كثير، ويعلم الذين يطعنون في آياتنا الدالة علينا ما لهم من مهرب.
ثم زهّد فى الدنيا لأنها العائقة للأفكار، عن الجري فى بحار الأسرار، فقال:
[سورة الشورى (42) : الآيات 36 الى 43]
فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)
(1) فى الأصول [بعضها] والمناسب ما أثبته، وهو الذي فى تفسير النّسفى وأبى السعود.
(2)
فى الأصول [أهلها] .
(3)
قرأ بها الأعمش، انظر البحر المحيط 7/ 497.
(4)
من الآية 21 من سورة مريم.
(5)
وهى قراءة نافع وابن عامر، وأبى جعفر. وقرأ الجمهور (ويعلم) بالنصب. انظر الإتحاف (2/ 450) .
يقول الحق جل جلاله: فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ مما ترجون وتتنافسون فيه فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: فهو متاعها، تتمتعون به مدة حياتكم، ثم يفنى، وَما عِنْدَ اللَّهِ من ثواب الآخرة خَيْرٌ ذاتاً لخلوص نفعه، وَأَبْقى زماناً لدوام بقائه. لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، و «ما» الأولى ضُمّنت معنى الشرط، فدخلت في جوابها الفاء، بخلاف الثانية. وعن علىّ رضي الله عنه: أن أبا بكر- رضي الله عنه تصدَّق بماله كله، فلامه الناس، فنزلت الآية.
ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ أي: الكبائر من هذا الجنس. وقرأ الأخوان: (كبير الإثم) .
قال ابن عباس: هو الشرك، وَيجتنبون الْفَواحِشَ وهي ما عظم قُبحها، كالزنى ونحوه، وَإِذا ما غَضِبُوا من أمر دنياهم هُمْ يَغْفِرُونَ أي: هم الإخِصَّاء بالغفران في حال الغضب، فيحلمون، ويتجاوزون.
وفي الحديث: «مَن كظم غيظه في الدنيا ردّ اللهُ عنه غضبَه يوم القيامة» «1» .
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ أتقنوا الصلوات الخمس، وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ أي: ذو شورى، يعني: لا ينفردون برأيهم حتى يجتمعون عليه. وعن الحسن: ما تشاور قوم إلا هُدوا لأرشد أمورهم.
والشورى: مصدر، كالفتيا، بمعنى التشاور. وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يتصدقون.
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ الظلم هُمْ يَنْتَصِرُونَ ينتقمون ممن ظلمهم، أي: يقتصرون في الانتصار على ما حُدّ لهم، ولا يعتدون، وكانوا يكرهون أن يذلّوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفسّاق، فإذا قدروا عفوا، وإنما حُمدوا على الانتصار لأن من انتصر، وأخذ حقه، ولم يجاوز في ذلك حدّ الله، فلم يسرف في القتل، إن كان وليّ دم، فهو مطيع لله. وقال ابن العربي: قوله: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ
…
الآية، ذكر الانتصار في معرض
(1) أخرج الطبراني فى الأوسط (ح 1320) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دفع غضبه دفع الله عنه عذابه» قال الهيثمي فى مجمع الزوائد (8/ 70) : فيه عبد السّلام بن هلال، وهو ضعيف» .
وأخرج أبو داود فى (الأدب، باب فى كظم الغيظ ح 4777) والترمذي وحسّنه فى (البر والصلة، باب فى كظم الغيظ، ح 2021) وابن ماجه فى (الزهد، باب الحلم، ح 4186) عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَظَمَ غَيْظاً هو قادر على أن ينفذه، دعاهُ الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره فى أىّ الحور شاء» .
المدح، ثم ذكر العفو في معرض المدح، فاحتمل أن يكونَ أحدهُما رافعاً للآخر، واحتمل أن يكون ذلك راجعاً إلى حالين، أحَدُهُما: أن يكون الباغي مُعلناً بالفجور وقحاً في الجمهور، ومؤذياً للصغير والكبير، فيكون الانتقامُ منه أفضل، وفي مثله قال إبراهيم النخعي: يُكره للمؤمنين أن يذلّوا أنفسهم، فيجترئ عليهم الفُسّاق. وإما أن تكون الفَلتة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة، ويسأل المغفرة، فالعفو هاهنا أفضل، وفي مثله نزل: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى «1» ، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا الآية «2» . هـ.
ثم بيّن حدّ الانتصار، فقال: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، فالأولى سيئة حقيقة، والثانية مجازاً للمشاكلة، وفي تسميتها سيئة نكتة، وهي الإشارة إلى أن العفو أولى، والأخذ بالقصاص سيئة بالنسبة إلى العفو، ولذلك عقبه بقوله:
فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ بينه وبين خصمه بالتجاوز والإغضاء فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وهي عِدَةٌ مبهمة لا يقادر قدرها، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ الذين يبدؤون بالظلم، أو: يتجاوزون حدّ الانتصار. وفي الحديث: «ينادي منادٍ يوم القيامة: مَن كان له أجر على الله فليقم، فلا يقوم إلا مَن عفا» «3» .
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ أي: أخذ حقه بعد ما ظُلم- على إضافة المصدر إلى المفعول- فَأُولئِكَ جمع الإشارة مراعاة لمعنى «مَن» مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ للمعاقب ولا للمعاتب إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ يبتدئونهم بالظلم، وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ يتكبّرون فيها، ويعْلون، ويفسدون بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بسبب بغيهم وظلمهم. وفسّر السبيل بالتبعة والحجة.
وَلَمَنْ صَبَرَ على الظلم والأذى، وَغَفَرَ ولم ينتصر، أو: وَلَمَن صبر على البلاء من غير شكوى، وغفر بالتجاوز عن الخصم، ولا يُبقي لنفسه عليه دعوى، بل يُبري خصمه من جهته من كل دعوى في الدنيا والعقبى، إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي: إن ذلك الصبر والغفران منه لَمِنْ عزم الأمور، أي: من الأمور التي ندب إليها، وعزم على فعلها، أو: مما ينبغي للعاقل أن يوجبه على نفسه، ولا يترخّص في تركه. وحذف الراجع- أي: منه- كما حذف في قولهم: السمن مَنْوَانِ بدرهم. وقال أبو سعيد القرشي: الصبر على المكاره من علامات الانتباه، فمَن صبر على مكروه أصابه، ولم يجزع، أورثه الله تعالى حال الرضا، وهو أصل الأحوال ومَن جزع من المصيبات، وشَكى، وكَلَه إلى نفسه، ثم لم تنفعه شكواه. هـ. وانظر تحصيل الآية في الإشارة، إن شاء الله.
قال ابن جزي: ويظهر لي أن هذه الآية إشارة إلى ذكر الخلفاء الراشدين- رضي الله عنهم لأنه بدأ أولاً بصفات أبي بكر الصدّيق، ثم صفات عُمَر، ثم صفات عثمان، ثم صفات عليّ بن أبي طالب، فأما صفات
(1) من الآية 277 من سورة البقرة.
(2)
من الآية 22 من سورة النّور. [.....]
(3)
عزاه فى اتحاف السادة المتقين 7/ 561 لابن عساكر فى التاريخ، من حديث علىّ رضي الله عنه.
أبي بكر، فقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وإنما جعلنا هذه صفات أبي بكر، وإن كان جميعهم متصفاً بها، لأن أبا بكر كانت له مزية فيها لم تكن لغيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لو وُزن إيمان أبي بكر بإيمان الأمة لرجح» «1» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا مدينة الإيمان، وأبو بكر بابها» . وقال أبو بكر: «لو كُشف الغطاء ما ازددت يقيناً» . والتوكل إنما يقوى بقوة الإيمان.
وأما صفات عمر: فقوله وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ لأن ذلك هو التقوى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أنا مدينة التقوى وعُمَر بابها» وقوله: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وقوله: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ نزلت في عمر. وأما صفات عثمان فقوله: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ لأن عثمان لمّا دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام بادر إليه، وقوله: وَأَقامُوا الصَّلاةَ لأن عثمان كان كثير الصلاة بالليل، وفيه نزلت:
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ
…
الآية. «2» ورُوي أنه كان يُحيي الليلَ بركعة، يقرأ فيها القرآن كله. وقوله: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ لأن عثمان وَلِيَ الخلافة بالشورى، وقوله: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ لأن عثمان كان كثير النفقة في سبيل الله، ويكفيك أنه جهّز جيش العسرة.
وأما صفات عليّ فقوله: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ لأنه لمَّا قاتلته الفئة الباغية قاتلها، انتصاراً للحق، وانظر كيف سمى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المقاتلين لعليّ الفئةَ الباغية، حسبما ورد في الحديث الصحيح، أنه قال لعمّار:«ويْحَ عمّارٍ، تقتلُه الفئةُ الباغيةُ» «3» وذلك هو البغي الذي أصابه. وقوله: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
إشارة إلى فعل الحسن بن عليّ، حين بايع معاوية، وأسقط حق نفسه، ليصلح أحوال المسلمين، ويحقن دماءهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحسن:«إنَّ ابني هذا سَيِّدٌ، وسَيُصْلِحُ اللهُ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» «4» . وقوله: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إشارة إلى انتصار الحسين بعد موت
(1) أخرجه البيهقي فى الشعب (ح 36) وابن أبى شيبة فى الإيمان (108) عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفا.
وقال فى كشف الخفاء (2/ 234) : (أخرجه ابن عدى والديلمي، كلاهما عن ابن عمر، مرفوعا، بلفظ:«لو وضع إيمان أبى بكر على إيمان هذه الأمة لرجح بها» . وفى سنده «عيسى بن عبد الله» ضعيف، لكن يقويه ما أخرجه ابن عدى أيضا من طريق أخرى بلفظ:«لوزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجحهم» وله شاهد أيضا فى السنن عن أبى بكرة، مرفوعا: أن رجلا قال: رأيت يا رسول الله! كأنّ ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت أنت، ثم وزن أبو بكر بمن بقي فرجح..» الحديث.
قلت: حديث أبى بكرة، أخرجه أبو داود فى (السنة، باب فى الخلفاء، ح 4634) والترمذي فى (الرؤيا، باب ما جاء فى رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الميزان والدلو، ح 2287) وقال: «حسن صحيح» وعندهما: «ووزن عمر وأبو بكر، فرجح أبو بكر
…
» .
(2)
الآية 9 من سورة الزمر.
(3)
أخرج البخاري فى (الصلاة، باب التعاون فى بناء المسجد، ح 447) عن أبى سعيد، قال- وهو يحدث عن بناء المسجد-: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فينفض التراب عنه، ويقول:«ويْحَ عمّارٍ، تقتلُه الفئةُ الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النّار» قال: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن.
(4)
أخرجه البخاري فى (الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علىّ رضي الله عنهما: إن هذا سيد، ح 2704) من حديث أبى بكرة رضي الله عنه.
أخيه، وطلبه للخلافة، وانتصاره من بني أمية. وقوله: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ إشارة إلى بني أمية، فإنهم استطالوا على الناس، كما في الحديث:«إنهم جعلوا عباد الله خُوَلاً، ومال الله دُولاً، فيكفيك من ظلمهم أنهم كانوا يلعنون عليّ بن أبي طالب على منابرهم. وقوله: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إشارة إلى صبر أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم على ما نالهم من الضر والذل، طول مدة بني أمية. «1» هـ.
الإشارة: قوله تعالى: فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: وينقصُ من درجاتكم في الآخرة بقدر ما تمتعتم به، كما في الخبر، ولذلك زهَّد فيه بقوله: وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى.. الآية، أي: وما عند الله من الثواب الموعود خير من هذا القليل الموجود. وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ هي أمراض القلوب، كالحسد والكبر والرياء وغيرها، وَالْفَواحِشَ هي معاصي الجوارح كالزنا وغيره. وقوله تعالى: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ لم يقل الحق تعالى: والذين لم يغضبوا لأن الغضب وصف بشري، لا ينفك عنه مخلوق، فالمطلوب المجاهدة في دفعه، وردّ ما ينشأ عنه، لا زواله من أصله، فعدم وجوده في البشر أصلاً نقص، ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه:«مَن اسْتُغضِب ولم يغضب فهو حمار» فالشرف هو كظمه بعد ظهوره، لا زواله بالكلية.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ قال القشيري: المستجيبُ لربه هو الذي لا يبقى له نَفَسٌ إلا على موافقة رضاه، ولا يبقى لهم منه بقية، وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ أي: لا يستبدُّ [أحدهم]«2» برأي، ويتَّهِمُ رأيَه وأمرَه، ثم إذا أراد القطعَ توكل على الله. هـ.
وحاصل ما اشتملت عليه الآية في رد الغضب: أربع مقامات الأول: قوم من شأنهم الغفران مطلقاً، قدروا أو عجزوا، لا يتحركون في الانتصار قط، وهو قوله تعالى: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ والثاني: قوم قادرون على إنفاذ الغضب، فتحركوا في الانتصار، ثم عفوا بعد الاقتدار، وهذا قوله: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ، ثم قال: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. والثالث: قوم قدروا وانتصروا، وأخذوا حقهم، لكن وقفوا عند ما حدّ لهم، وهو قوله: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ.. الآية. والرابع: قوم ظُلِموا، فعفوا، وزادوا الإحسان إلى مَن أساء إليهم، والدعاء له بالمغفرة، حتى يصير مرحوماً بهم، وهي رتبة الصدّيقية، أن ينتفع بهم أعداؤهم، وهو قوله تعالى:
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، ولذلك جعل الله هذا القسم من عزم الأمور.
(1) على هامش النّسخة الأم مايلى: قلت: هذا التفسير الذي نقله عن ابن جزى باطل، يجل كلام الله تعالى عنه، والأحاديث التي ذكرها كلها موضوعة، ما عدا:«لو وُزن إيمان أبي بكر..» وما عدا حديث: أنا مدينة العلم، وعلىّ بابها.
(2)
ما بين المعقوفتين مستدرك من لطائف الإشارات.