الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ذكر وبال مَن زكى نفسه، فقال:
[سورة النجم (53) : الآيات 33 الى 41]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (36) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)
أَلَاّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَاّ ما سَعى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (41)
يقول الحق جل جلاله: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى أعرض عن الإيمان وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى أي: قطع عطيته وأمسك، وأصله: إكداء الحافر، وهو أن تلقاه كُدْية- وهي صلابة، كالصخرة- فيمسك عن الحفر. [قال] «1» ابن عباس:«هو فيمن كفر بعد الإيمان» ، وقيل: في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتّبع رسولّ الله صلى الله عليه وسلم فعيّره بعضُ الكافرين، وقال: تركتَ دين الأشياخ، وزعمتَ أنهم في النار؟ قال: إني خشيتُ عذاب الله، فضمن له إن أعطاه شيئاً من ماله، ورجع إلى شركه، أن يتحمّل عنه عذاب الله، ففعل ذلك المغرور، وأعطى الذي عاتبه بعضَ ما كان ضمن له ثم بخل به ومنعه «2» . أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى أي: يعلم هذا المغرور أنَّ ما ضمنه له حق؟
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ يُخْبَر بِما فِي صُحُفِ مُوسى أي: التوراة، وَإِبْراهِيمَ أي: وما في صحف إبراهيم الَّذِي وَفَّى أي: أكمل وأتمّ ما ابتلي به من الكلمات، أو: ما أُمر به، أو بالغ في الوفاء بما عاهد اللهَ عليه.
وعن الحسن: ما أمره الله بشيء إلا وفّى به. وعن عطاء بن السائب: عهد ألَاّ يسأل مخلوقاً، فلما قذف في النار قال له جبريل: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا. وقال الشيخ المرسي: وفَى بمقتضى قوله: (حسبي الله) وعن النبي صلى الله عليه وسلم:
«وَفَّى عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار» «3» وهي صلاة الضحى. وروي: «ألا أخبركم لم سمّى خليلَه «الذي وفَّى» كان يقول إذا أصبح وإذا أمسى: «فسبحان الله حين تُمسون
…
» إلى «تُظهرون» » «4» وقيل: وفّى سهام
(1) زيادة ليست فى الأصول.
(2)
أخرجه ابن جرير (27/ 70) عن ابن زياد، بدون تعيين من نزلت فيه.
(3)
أخرجه الطبري (27/ 73) وعزاه السيوطي فى الدر (6/ 168) لسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبى حاتم، وابن مردويه، والشيرازي فى الألقاب، والديلمي، بسند ضعيف، عن أبى أمامة رضي الله عنه.
(4)
أخرجه أحمد فى المسند (3/ 439) عن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه، وقال الهيثمي (10/ 117) :«فيه ضعفاء وثقوا» .
وأخرجه الطبري (27/ 73) عن أنس عن أبيه.
الإسلام، وهي ثلاثون، عشرة فى التوبة: التَّائِبُونَ
…
«1» الخ، وعشرة في الأحزاب: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
…
«2»
وعشرة في المؤمنين: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. وقيل: وفي حيث أسلم بدنه للنيران، وولده للقربان، وطعامه للضيفان.
ورُوي: أنه كان يوم يضيف ضيفاً، فإن وافقه أكرمه، وإلَاّ نوى الصوم «3» . وتقديم موسى لأنَّ صحفه وهي التوراة أكثر وأشهر.
ثم فسّر ما في تلك الصُحف فقال: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي: أنه لا تحمل نفس وازرةٌ وزر نفس أخرى، بل كل نفس تستقل بحمل وزرها، يقال: وزر يزر إذا اكتسب وِزراً، و «أن» مخففة، وكأنّ قائلاً قال: ما في صحف موسى وإبراهيم؟ فقال: ألَاّ تحمل نفس مثقلة بوزرها وِزرَ نفس أخرى.
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى هو أيضاً مما في صحف موسى وإبراهيم، وهو بيان لعدم انتفاع الإنسان بعمل غيره، إثر بيان عدم انتفاعه من حيث رفع الضرر عنه به، وأما ما صحّ من الأخبار في الصدقة عن الميت والحج عنه، فلأنه لمَّا نواه عنه كان كالوكيل عنه، فهو نائب عنه.
قال ابن عطية: الجمهور أنّ قوله: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى مُحْكَمٌ لا نسخ فيه، وهو لفظ عام مخصّص. هـ. يعني: أن المراد: الكافر، وهكذا استقرئ من لفظ «الإنسان» في القرآن، وأما المؤمن فجاءت نصوص تقتضي انتفاعه بعمل غيره، إذا وهب له من صدقة ودعاء وشفاعة واستغفار، ونحو ذلك، وإلَاّ لم يكن فائدة لمشروعية ذلك، فيتصور التخصيص في لفظ «الإنسان» وفي السعي، بأن يخص الإنسان بالكافر، أو السعي بالصلاة، ونحو ذلك مما لا يقبل النيابة مثلاً. والحاصل: أن الإيمان سعي يستتبع الانتفاع بسعي الغير، بخلاف من ليس له الإيمان. هـ. قاله الفاسي: وكان عز الدين يحتج بهذه الآية في عدم وصول ثواب القراءة للميت، فلما مات رؤي في النوم، فقال: وجدنا الأمر خلاف ذلك.
قلت: أما في الأجور فيحصل الانتفاع بسعي الغير، إن نواه له، وأما في رفع الستور، وكشف الحجب، والترقي إلى مقام المقربين، فالآية صريحة فيه، لا تخصيص فيها إذ ليس للإنسان من حلاوة المشاهدة والقُرب إلا بقدر ما سعى من المجاهدة. والله تعالى أعلم.
(1) الآية 112 من سورة التوبة.
(2)
الآية 35 من سورة الأحزاب. [.....]
(3)
قال أبو حيان فى البحر المحيط 8/ 164: وللمفسرين أقوال غير هذه، وينبغى أن تكون هذه الأقوال أمثلة لما وفّى، لا على سبيل التعيين. هـ.