الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ «1» الرَّحْمنِ إِناثاً أي: اعتقدوا الملائكة وسموهم إناثاً. وهو بيان لتضمُّن كفرهم كفراً آخر، وتقريع لهم بذلك وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله- عز وجل أنقصهم رأياً. والعندية عندية منزلة ومكانة، لا مكان. ومَن قرأ «عبِاد» فجمع «عبد» ، وهو ألزم في الاحتجاج مع أهل العناد لتضاد العبودية والولادة. أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ أي: أَحضروا خلقهم، فشاهدوا الله حين خلقهم إناثاً حتى يحكموا بأنوثتهم، فإنّ ذلك لا يُعلم إلا بالمشاهدة، وهو تجهيل لهم، وتهكُّم بهم. وقرأ نافع بهمزتين، أي: أحضروا خلقهم. سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ التي شهدوا بها على الملائكة من أنهم إناث، في ديوان أعمالهم. وَيُسْئَلُونَ عنها يوم القيامة، وقرئ: شهاداتهم وهي قولهم: إن لله جزءاً من خلقه، وإن لله بنات، وأنها الملائكة.
الإشارة: وجعلوا له من عباده جزءاً، أشركوا في المحبة معه غيره، والمطلوب: إفراد المحبة للمحبوب، فلا يُجب معه شيئاً. إن الإنسان لكفور مبين، حيث علم أن الحبيب الذي أنعم عليه واحد، وأنه غيور، لا يرضى لعبده أن يُحب معه غيره.
قال القشيري: جعلوا الملائكة جزءاً على التخصيص من جملة مخلوقاته. هـ. أي: جعلوا له جزءاً من عين الفرق، ولو نظروا بعين الجمع لرأوا الأشياء كلها متدفقة من بحر الجبروت. وفي الآية تحذير من كراهية البنات، حيث جعله من نعت أهل الكفر.
ثم أبطل شبهتهم، فقال:
[سورة الزخرف (43) : الآيات 20 الى 25]
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَاّ يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)
(1) أثبت المفسر قراءة «عند» بالنون الساكنة وفتح الدال بلا ألف، ظرفا، وتصديقه إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ.... الأعراف/ 206. وهى قراءة ابن كثير ونافع، وقرأ أبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي «عباد» بالألف. انظر الإتحاف (2/ 454- 455) .
يقول الحق جل جلاله: وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ عدم عبادتنا للملائكة ما عَبَدْناهُمْ، أرادوا بذلك بيان أن ما فعلوه مَرْضِي عنده تعالى، ولولا ذلك ما خلّى بينهم وبينها، ويُجاب: بأنه تعالى قد يخلي بين العبد ومعصيته، لينفذ فيه ما سبق من درك الوعيد. وتعلقت المعتزلة بظاهر الآية في أن الله تعالى لم يشأ الكفر من الكافر، وإنما شاء الإيمان، فإنّ الكفار ادّعوا أن الله شاء منهم الكفر، وما شاء منهم ترك عبادة الأصنام، حيث قالوا:
لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ أي: لو شاء بنا أن نترك عبادة الأصنام لمَنَعَنَا عن عبادتها، لكنه لم يشأ ذلك. والله تعالى ردّ عليهم قولهم، واعتقادهم، بقوله: ما لَهُمْ بِذلِكَ القول مِنْ عِلْمٍ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ:
يكذبون، ومعنى الآية عندنا: أنهم أرادوا بالمشيئة: الرضا، وقالوا: لو لم يرضَ بذلك لعجّل عقوبتنا، ولمَنعنا من عبادتها مع قهر واضطرار، وإذ لم يفعل ذلك فقد رضي بذلك، فردَّ الله عليهم بقوله: ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ
…
الآية. أو: قالوا هذا القول استهزاء، لا جدّاً واعتقاداً، فأكذبهم وجهّلهم حيث لم يقولوه اعتقاداً، كما قالوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ «1» . وهذا كلام حق أرادوا به باطلاً. انظر النسفي.
قلت: ما تمسّكوا به من قوله: لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ من الاحتجاج بالقدر، وهو لا ينفع فى هذه الدار، لأنه من التمسُّك بالحقيقة الخالية عن الشريعة، وهي بطالة وزندقة، ولذلك ردّهم الله تعالى إلى التمسُّك بالشريعة بقوله: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ من قبل القرآن، أو: من قبل ادعائهم ذلك، ينطق بصحة ما يدّعونه، فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ آخذون.
بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ على دين وقلّدناهم. والأمّة في الأصل: الطريقة التي تؤمّ وتُقصد وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ أي: لم يأتوا بحجة نقلية ولا عقلية، ولا سند لهم سوى تقليد آبائهم الجهلة مثلهم.
والظرف: صلة لمهتدون، أو: هما خبران.
وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ من نبيّ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها أي: منعّموها، وهم الذين أترفتهم النعمة، أي: أبطرتهم، فلا يُحبون إلا الشهوات والملاهي، ويعافون مشاقَّ الدين وتكاليفه، قالوا: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وبيان أن التقليد فيهم ضلالٌ قديم.
وتخصيص المترفين بتلك المقالة للإيذان بأن التنعُّم بالشهوات، وحب البطالة، هو الذي صرفهم عن النظر إلى التقليد.
" قُلْ"«2» ، هو حكاية لما جرى بين المنذرين وبين أممهم، عند تعللهم بتقليد آبائهم، أي: قيل لكل نذير وأوحي إليه: أن قُلْ، وليس خطاباً لنبينا- عليه الصلاة والسلام بدليل ما بعده من قوله: قالُوا.. الخ. وقيل:
(1) من الآية 47 من سورة يس.
(2)
قرأ ابن عامر، وحفص «قال» على الخبر، والباقون «قل» بغير ألف على الأمر. انظر الإتحاف (2/ 455) .