الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على طاعتهم، المصورة لهم على صورة المراكب، وهؤلاء الخواص من العباد والزهّاد والعلماء والصالحين، وأما خواص الخواص، وهم العارفون ومَن تعلق بهم، فهم الذين قال الله فيهم: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ تُقرب منهم، فيركبون فيها، ويسرحون إلى الجنة. انظر القشيري.
وقوله تعالى: هذا ما تُوعَدُونَ الإشارة إلى مقعد صدق، ولو كان إلى الجنة لقال «هذه» . قاله القشيري. ثم وصف أهل هذا المقام بقوله: لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ أي: راجع إلى الله في جميع أموره، لا يعرف غيره، ولا يلتجىء إلا إليه، حفيظ لأنفاسه مع الله، لا يصرفها إلا في طلب الله، مَنْ خَشِيَ الرحمنَ بالغيب، أي: بنور الغيب يشاهد شواهد الحق، فيخشى بُعده أو حجبه. قال القشيري: والخشية تكون مقرونة بالأُنس، ولذلك لم يقل: مَن خشي الجبار. ثم قال: والخشية من الرحمن خشية الفراق، ويقال: هو مقتضى علمه بأنه يفعل ما يشاء، لَا يُسأل عَمَّا يَفْعَلُ، ويقال: الخشية ألطف من الخوف، فكأنها قريبة من الهيبة. هـ. (وجاء بقلب منيب) مقبل على الله بكليته، معرض عما سواه، (ادخلوها) جنة المعارف (بسلام) من العيوب، آمنين من السلب والرجوع، وهذا قوله (ذلك يوم الخلود) فيها، لهم ما يشاءون من فنون المكاشفات، ولذيذ المشاهدات، ولدينا مزيد، زيادة ترقي أبداً سرمداً، جعلنا الله من هذا القبيل في الرعيل الأول، آمين.
ثم رجع إلى تهديد الكفرة، فقال
[سورة ق (50) : الآيات 36 الى 38]
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38)
يقول الحق جل جلاله: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ قبل قومك مِنْ قَرْنٍ من القرون الذين كذَّبوا رسلهم هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ من قومك بَطْشاً قوة وسطوة، فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ أي: خرّبوا وطافوا وتصرّفوا في أقطارها، وجالوا في أكناف الأرض كلّ مجال حذار من الموت هَلْ وجدوا مِنْ مَحِيصٍ أي: مهرب منها؟
بل لَحِقَتهم ودقت أعناقهم، أو: هل وجدوا من مهرب من أمر الله وقضائه؟ وأصل التنقيب والنقب: البحث والطلب، قال امرؤ القيس:
لقد نَقَّبْتُ في الآفاقِ حَتَّى
…
رَضِيتُ من الغنيمة بالإياب «1»
(1) فى الديوان: [وقد طوّفت فى الآفاق حتى
…
] انظر الديوان (72) .
ودخلت الفاء للتسبُّب عن قوله: (هم أشد منهم بطشاً) أي: شدة بطشهم، أي: قدرتهم على التنقيب في البلاد، ويجوز أن يعود الضمير إلى أهل مكة، أي: ساروا في أسفارهم ومسايرهم في بلد القرون، فهل رأوا لهم محيصاً حتى يُؤملوا مثله أنفسهم؟ ويؤيده قراءة مَن قرأ (فنَقِّبوا) على صيغة الأمر.
إِنَّ فِي ذلِكَ أي: فيما ذكر من قصصهم، أو: فيما ذكر في السورة لَذِكْرى لتذكرة وعظة لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ سليم واعٍ يُدرك كنه ما يشاهده من الأمور، ويتفكّر فيها، ليعلم أن مدار دمارهم هو الكفر، فيرتدع عنه بمجرد مشاهدة الآثار من غير تذكير، أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ أي: أصغى بقلبه إلى ما يتلى عليه من الوحي الناطق بما جرى عليهم، فإن مَن فعله يقف على كنه الأمر، فينزجر عما يؤدي إليه من الكفر والمعاصي، يقال: ألق إليَّ سمعَك، أي: استمع، ف «أو» لمنع الخلو، لا لمنع الجمع، فإن إلقاء السمع لا يجدي بدون سلامة القلب عما ذكر من الصفات، للإيذان بأن مَن عَرَى قلبه عنهما كمَن لا قلب له أصلاً: وقوله تعالى: وَهُوَ شَهِيدٌ: حال، أي:
والحال أنه حاضر القلب لا يغفل أو: شاهد على ما يقرأ من كتاب الله.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما من أصناف المخلوقات، وهذا أيضاً احتجاج على القدرة على البعث بما هو أكبر، كقوله: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ «1» وقوله تعالى: فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ إنما خلقها في تلك المدة تعليماً لخلقه التؤدة، وإلا فهو قادر على أن يخلقها في لمحة، وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ «2» ، ويحتمل أن هذا في عالم الأمر، وأما عالم الخلق فاقتضت الحكمة خلقه بالتدريج، وله الخلق والأمر، ثم قال تعالى: وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ من إعياء ولا تعب في الجملة، وهذا رد على جهلة اليهود، أنه تعالى بدأ العالم يوم الأحد، وفرغ منه يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، واستلقى على العرش «3» ، تعالى عما يقولون عُلوّاً كبيراً.
الإشارة: كثيراً ما أهلك اللهُ من النفوس المتمردة في القرون الماضية، زجراً لمَن يأتي بعدهم، ففي ذلك ذِكرى لمَن كان له قلب سليم من تعلُّقات الكونين. قال القشيري: فالقلوب أربعة قلب فاسد وهو الكافر، وقلب مقفول، وهو قلب المنافق، وقلب مطمئن، وهو قلب المؤمن، وقلب سليم، وهو قلب المحبين والمحبوبين، الذين هو مرآة صفات جمال الله وجلاله، كما قال تعالى:«لا يسعني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن» «4» . هـ.
(1) الآية 57 من سورة غافر.
(2)
الآية 50 من سورة القمر.
(3)
نزول الآية ردّا على اليهود، أخرجه الطبري (26/ 178) والواحدي فى الأسباب (ص 413) . [.....]
(4)
سبق.