الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشبلي: لِمن كان له قلب حاضر مع الله، لا يغفل عنه طرفة عين. وقال يحيى بن معاذ: القلب قلبان قلب احتشى بأشغال الدنيا، حتى إذا حضر أمرٌ من أمور الآخرة لم يدرِ ما يصنع، وقلب احتشى بالله وشهوده، فإذا حضر أمر من أمور الكونين لم يدرِ ما يصنع، غائب من الكونين بشهود المكوِّن. وقال القتاد: لمن كان له قلب لا يتقلب عن الله في السراء والضراء. هـ. (أو ألقى السمع وهو شهيد) أي: يشهد ما مِن الله إلى الله، أو: يشهد أسرار الذات. قال القشيري: يعني مَن لم يكن له قلب بهذه الصفة يكون له سمع يسمع الله وهو حاضر مع الله، فيعتبر بما يشير إليه الله في إظهار اللطف أو القهر. هـ. (ولقد خلقنا السموات) أي: سماوات الأرواح، وأرض الأشباح، وما بينهما من النفوس والقلوب والأسرار، وسر الأسرار، في ستة أيامٍ، أي: ستة أنواع من المخلوقات، وهي محصورة فيما ذكرناه من الأرواح، والأشباح، والنفوس، والقلوب، والأسرار، وسر الأسرار، فلا مخلوق إلا وهو داخل في جملتها، لا يخرج عنها، وما مسّنا من لُغوب لأن أمرنا بين الكاف والنون.
ثم أمر نبيه بالصبر على ما يسمع فى جانبه تعالى، أو فى نفسه، فقال
[سورة ق (50) : الآيات 39 الى 45]
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43)
يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45)
يقول الحق جل جلاله: فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أي: ما يقوله المشركون في شأن البعث من الأباطيل، فإنَّ الله قادر على بعثهم والانتقام منهم، أو: يقولونه في جانبك من النقص والتكذيب، أو: ما تقوله اليهود من مقالات الكفر والتشبيه، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي: اصبر على ما تسمع واشتغل بالله عنهم، فسبِّح، أي: نزِّه ربك عن العجز عما يمكن، وعن وصفه تعالى بما يوجب التشبيه، حامداً له تعالى على ما أنعم به عليك من إصابة الحق والرشاد، قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، وهما وقت الفجر والعصر، وفضلهما مشهور.
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ أي: وسبّحه في بعض الليل وَأَدْبارَ السُّجُودِ أي: أعقاب الصلوات، جمع: دبر، ومَن قرأ بالكسر «1» ، فمصدر، من: أدبرت الصلاة: انقضت، ومعناه: وقت انقضاء الصلاة، وقيل: المراد بالتسبيح:
الصلوات الخمس، فالمراد بما قبل الطلوع: صلاة الفجر، وبما قبل الغروب: الظهر والعصر، وبما من الليل: المغرب والعشاء والتهجُّد، وبأدبار السجود: النوافل بعد المكتوبات.
وَاسْتَمِعْ أي: لِما يُوحى إليك من أحوال القيامة، وفيه تهويل وتفظيع للمخبر به، يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ «2» أي: إسرافيل عليه السلام، فيقول: أيتها العظام البالية، واللحوم المتمزقة، والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، وقيل: إسرافيل ينفخ، وجبريل ينادي بالمحشر، مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ بحيث يصل نداؤه إلى الكل، على سواء، وقيل: من حجرة بيت المقدس، وهو أقرب مكان من الأرْضِ إلى السَّمَاءِ، باثني عشر ميلاً، وهي وسط الأرض، وقيل: من تحت أقدامهم، وقيل: من منابت شعورهم، فيسمع من كل شعرة. «ويوم» منصوب بما دلّ عليه «يوم الخروج» أي: يوم ينادِ المنادِ يخرجون من القبور، فيوقف على «واستمع» وقيل: تقديره: واستمع حديث يوم يناد المنادى.
ويَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ: بدل من «يوم ينادِ» أي: واستمع يوم ينادِ المنادي، وذلك اليوم هو يوم يسمعون الصيحة، وهي النّفخة الثانية. وبِالْحَقِّ: متعلق بالصيحة، أو: حال، أي: ملتبسة بالحق، وهو البعث والحشر للجزاء، ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ من القبور.
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الخلق وَنُمِيتُ أي: نُميتهم في الدنيا من غير أن يشاركنا في ذلك أحد، وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ أي: مصيرهم إلينا لا إلى غيرنا. وذلك يَوْمَ تَشَقَّقُ أصله: تتشقق، فأدغم، وقرأ الكوفيون والبصري «3» بالتخفيف، بحذف إحدى التاءين، أي تتصدع، الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً فيخرج المؤمنون من صدوعها مسرعين، ذلِكَ حَشْرٌ أي: بعث عَلَيْنا يَسِيرٌ هَيْنٌ، وهو معادل لقول الكفرة:(ذلك رجع بعيد) ، وتقديم الجار والمجرور لتخصيص اليسر به تعالى.
(1) قرأ نافع وابن كثير وحمزة وأبو جعفر وخلف «وإدبار» بكسر الهمزة، وقرأ الباقون بفتحها، جمع «دبر» . انظر الإتحاف 2/ 489.
(2)
أثبت المفسر- رحمة الله- قراءة «المنادى» بإثبات الياء، وهى قراءة نافع وأبى عمرو وصلا، وفى الحالين ابن كثير ويعقوب، وقرأ الباقون بغير ياء وصلا ووقفا.
(3)
قرأ «تشقق» بتخفيف الشين، أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر «تشقّق» بتشديد الشين.
انظر السبعة/ 607.
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ من نفي البعث وتكذيب الآيات، وغير ذلك مما لا خير فيه، وهو تهديد لهم، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ أي: ما أنت بمسلَّط عليهم، إنما أنت داع، كقوله: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ «1» من: جبره على الأمر: قهره، أي: ما أنت بوالٍ عليهم تجبرهم على الإيمان، وهذا قبل الأمر بالقتال، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ، لأنه هو الذي يتأثر بالوعظ، كقوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها «2» وأما مَن عداهم، فنحن نفعل بهم ما توجبه أقوالهم، وتستدعيه أعمالهم من أنواع العقاب وفنون العذاب.
الإشارة: فاصبر أيها المتوجه على ما تسمع من الأذى، وغب عن ذلك بذكر ربك قبل طلوع شمس البسط، وقبل غروبها، أي: اشتغل بالله في القبض والبسط، أو: قبل طلوع شمس المعرفة، في حال السير، وقبل الغروب حين تطلع، ومن ليل القبض أو القطيعة فسبِّح حتى يطلع نهار البسط أو المعرفة، وأدبار السجود، أي: عقب سجود القلب في الحضرة، فلا يرفع رأسه أبداً، واستمع يوم ينادِ المنادي، وهي الهواتف الغيبية، والواردات الإلهية، والإلهامات الصادقة، من مكان قريب، هو القلب، يوم يسمعون الصيحة، أي: تسمع النفوس صيحة الداعي إلى الحق بالحق، فتجيب وتخصع إن سبقت لها العناية، ذلك يوم الخروج، خروج العوائد والشهوات من القلب، فتحيي الروح، وتُبعث بعد موتها بالغفلة والجهل، بإذن الله، إنا نحن نُحيي نفوساً بمعرفتنا، ونُميت نفوساً بقهريتنا، وإلينا المصير، أي: الرجوع إنما هو إلينا، فمَن رجع إلينا اختياراً أكرمناه ونعّمناه، وفي حضرة القدس أسكنّاه، ومَن رجع قهراً بالموت عاتبناه أو سامحناه، وفي مقام البُعد أقمناه.
يوم تشقق الأرضُ عنهم: أرض الحشر في حق العامة، وأرض الوجود في حق الخاصة، أي: يذهب حس الكائنات، وتضمحل الرسوم، وتُبدل الأرض والسموات، ذلك حشر علينا يسير، أي: جمعكم إلينا، بإفناء وجودكم، وإبقائكم بوجودنا، يسير على قدرتنا، وجذبِ عنايتنا. ويُقال لكل داع إلى الله، في كل زمان، حين يُدبر الناس عنه، وينالون منه: نحن أعلم بما يقولون، وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ، إنما أنت داع: خليفة الرسول، فذكِّر بالقرآن، وادع إلى الله مَن يخاف وعيدِ إذ هو الذي يتأثر بالوعظ والتذكير، وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلم،
(1) الآية 22 من سورة الغاشية.
(2)
الآية 45 من سورة النّازعات.