الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإشارة: كل مَن أعرض عن الوعظ والتذكار، ونأى عن صُحبة الأبرار فالصعقة لاحقة به، إما في الدنيا أو في الآخرة. وقوله تعالى: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا
…
الآية: أوصاف العبودية أربعة: الضعف، والذل، والفقر، والعجز، فمَن خرج عن واحد منها، فقد تعدّى طوره، واستحقّ الهلاك والهوان، ورمته رياح الأقدار في مهاوي النيران.
وقوله: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ أي: بيَّنا لهم طريق السير إلينا، على ألسنة الوسائط، فحادُوا عنها، واستحبُّوا العمى على الهدى حيث لم يسبق لهم الهداية في الأزل، فالسوابق تؤثر في السوابق، فكأن جبلة القوم الضلالة، فمالوا إلى ما جبلوا عليه من قبول الضلالة.
وقوله تعالى: وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا أي: في الدنيا من الصاعقة، وفي الآخرة من السقوط في الهاوية. قال القشيري: منهم مَن نجَّاهم من غير أن رأوا النار، عَبَروا القنطرةَ ولم يعلموا، وقومٌ كالبرق الخاطف، وهم أعلاهم- قلت: بل أعلاهم كالطرف- ثم قال: وقوم كالرواكض، وهم أيضاً الأكابر، وقوم على الصراط يسقطون وتردُّهم الملائكة على الصراط، فبَعُدوا. ثم قال: وقوم بعد ما دخلوا النار، فمنهم مَن تأخذه إلى كعبيه، ثم إلى ركبتيه، ثم إلى حَقْوَيْه «1» ، فإذا بلغ القلب قال الحقُّ للنار: لا تحرقي قلبه، فإنه محترقُ بي. وقوم يخرجون من النار بعد ما أمْتُحِشُوا «2» فصاروا حُمَماً «3» . هـ منه.
ثم ذكر وعيد أهل الشرك، فقال:
[سورة فصلت (41) : الآيات 19 الى 24]
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23)
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
(1) الحقو: الخصر
(2)
امتحش الحر أو النار جلده، أي: أحرقه وقشره عن اللحم.
(3)
الحمم: الفحم وكل ما احترق من النار [.....]
يقول الحق جل جلاله: وَاذكر يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ «1» من كفار المتقدمين والمتأخرين إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ يُضمون ويُساقون إلى النار، ويُحبس أولهم على أخرهم، فيستوقف سوابقهم حتى تلحق بهم تواليهم، وهي عبارةٌ عن كثرة أهل النار، وأصله: من وزَعته، أي: كففته. حَتَّى إِذا ما جاؤُها أي: حضروها، و «حتى» : غاية للحشر، أو: ليوزعون، و «ما» : مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور، فبمجرد حضورهم شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ أي: بَشَراتهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ في الدنيا، من فنون الكفر والمعاصي، بأن ينطقها الله تعالى، ويظهر عليها آثار ما اقترفوا بها. وعن ابن عباس رضي الله عنه: أن المراد بشهادة الجلود: شهادة الفروج، كقول الشاعر:
أوَ سالم مَنْ قد تث
…
نَّى جِلْدُه وابْيَضَّ رَأسُه «2»
فكنَّى بجلده عن فرحه، وهو الأنسب لتخصيص السؤال بها في قوله تعالى: وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا، فإن ما تشهد به من الزنا أعظم جناية وقُبحاً، وأجلب للحزن والعقوبة، مما تشهد به السمع والأبصار من الجنايات المكتسبة بتوسطها. روي: أن العبد يقول يوم القيامة: يا رب، أليس قد وعدتني ألا تظلمني؟ فيقول تعالى:
فإن لك ذلك، قال: فإني لا أقبل عليّ شاهداً إلا من نفسي، قال تعالى: أوَ ليس كفى بي شهيداً، وبالملائكة الكرام الكاتبين؟ قال: فيُختم على فِيهِ، وتتكلم أركانُه بما كان يعمل، فيقول لهن: بُعْداً لكُنَّ وسُحْقاً، عنكُنَّ كنتُ أُجادل» «3» .
قالُوا في جوابهم: أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ من الحيوانات، وأقدرنا على بيان الواقع، فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح، وما كتمناها. أو: ما نطقنا باختيارنا، بل انتقنا الله الذي أنطق كل شيء. وقيل:
سألوها سؤال تعجُّب، فالمعنى حينئذ: وليس نطقنا بعجب من قدرة الله- تعالى- الذي أنطق كل شيء، وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فإن مَن قدر على خلقكم أول مرة، وعلى إعادتكم ورجعكم إلى جزائه،
(1) قرأ نافع ويعقوب «نحشر» بنون العظمة. و «أعداء» بالنصب، مفعول به. وقرأ الباقون بياء الغيب مضمومة، و «أعداء» بالرفع على النيابة. انظر الإتحاف (2/ 443) .
(2)
جاء البيت فى تفسير القرطبي (7/ 5970) مسبوقا ببيت آخر هو:
المرء يسعى للسلا
…
مة والسلامة حسبه
وعزاه القرطبي لعامر بن جؤية.
(3)
أخرجه مسلم فى (الزهد والرقائق، 4/ 2281، ح 2969) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
لا يتعجب من إنطاقه جوارحكم. ولعل صيغة المضارع، مع أن هذه المحاورة بعد البعث والرجع، كما أن المراد بالرجوع ليس مجرد الرد إلى الحياة بالبعث، بل ما يعمه، وما يترتب عليه من العذاب الخالد المترقب عند التخاطب، على تغليب المتوقع على الواقع، مع ما فيه من مراعاة الفواصل، فهذا على أنه من تتمة كلام الجلود، وقيل: هو من كلام الحق- تعالى- لهم، فيُوقف على «شيء» وهو ضعيف. وكذا قوله:
وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ، يحتمل أن يكون من كلام الجلود، أو: من كلام الله- عز وجل وهو الظاهر، أي: وما كنتم تستترون في الدنيا عند مباشرتكم الفواحش مخافة أن تشهد عليكم جوارحكم، ولو خفتم من ذلك ما استترتم بها، وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ من القبائح الخفية، فلا يظهرها في الآخرة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: كنت مستتراً بأستار الكعبة، فدخل ثلاثة نفر وثقفيان وقرشي، أو: قرشيان وثَقَفي، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: سمع جهرنا ولا يسمع ما أخفينا، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ
…
الآية «1» ، فالحُكم المحكي حينئذ يكون خاصّاً بمَن كان على ذلك الاعتقاد من الكفرة. انظر أبا السعود.
وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ أهلككم، ف «ذلك» : مبتدأ، و «ظنكم» : خبر، و «الذي ظننتم بربكم» : صفة، و «أرادكم» : خبر ثان، أو: ظنكم: بدل من «ذلك» و «أرداكم» : خبر، فَأَصْبَحْتُمْ بسبب الظن السوء مِنَ الْخاسِرِينَ إذ صار ما منحوا لسعادة الدارين سبباً لشقاء النشأتين.
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً مقام لَهُمْ أي: فإن يصبروا لم ينفعهم الصبر، ولم ينفكوا به من الثوى في النار، وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا أي: يسألُوا العتبى وهو الاسترضاء فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ المجابين إليها، أي: وإن يطلبوا الاسترضاء من الله- تعالى- ليرضى عنهم، فما هم من المرضين لما تحتّم عليهم واستوجبوه من السخط، قال الجوهري: أعتبني فلان: إذا عاد إلى مسرتي، راجعاً عن الإساءة، والاسم منه: العتبى، يقال: استعتبته فأعتبني، أي: استرضيته فأرضاني. وقال الهروي: إن يستقيلوا ربهم لم يقلهم، أي: لم يردهم إلى الدنيا، أو: إن أقالهم وردهم لم يعملوا بطاعته، كقوله: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ «2» .
(1) أخرجه البخاري فى (التفسير، سورة حم السجدة، باب: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ.. ح 4816) ومسلم فى (صفات المنافقين وأحكامهم، 4/ 2141 ح 2775) .
(2)
من الآية 28 من سورة الأنعام.