الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجود غفلته، فقد استعجز قدرة الإلهية، وَكَانَ الله على كُلِّ شيء مقتدراً» «1» أهم خير أم قوم تُبع؟ وقد أخرج الله من قومه أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانوا من خواص أحبابه، حتى قال:«الناس دثار والأنصار شِعار، لو سلك الناسُ وادياً أو شِعباً، وسلكتْ الأنصارُ وادياً، لسلكتُ واديَ الأنصار وشِعبهم» «2» . وما خلقنا الأجرام العظام إلا لتدل على كمال قدرتنا، والسّلام.
ثم ذكر شأن البعث الذي أنكرته الجاهلية، فقال:
[سورة الدخان (44) : الآيات 40 الى 50]
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَاّ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)
يقول الحق جل جلاله: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ أي: فصل الحق عن الباطل، وتمييز المحق من المبطل، أو فصل الرجل عن أقاربه وأحبابه، وهو يوم القيامة، مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ أي: وقت موعدهم كلهم، يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً لا يغني ناصر عن ناصر، ولا حميم عن حميم، ولا نسب عن نسيب، شيئاً من الإغناء.
قال قتادة: انقطعت الأسباب يومئذ بابن آدم، وصار الناس إلى أعمالهم، فمَن أصاب يومئذ خيراً، سعد به، ومَن أصاب يومئذ شرّاً شقي به «3» . هـ. ويَوْمَ: بدل من يوم الفصل، أو: صفة لميقاتهم، أو: ظرف لما دلّ عليه الفصل، أي: يفصل في هذا اليوم، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يُمنعون مما أراد الله، والضمير ل «مولى»
(1) حكمة عطائية. انظر الحكم بتبويب المتقى الهندي، (ص 18، حكمة 197) .
(2)
أخرجه مطولا البخاري فى (المغازي، باب غزوة الطائف، ح 4330) ومسلم فى (الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام.. رقم 1061 ح 9139 من حديث عبد الله بن زيد، والشعار هو: الثوب الذي يلي الجسد، والدثار فوقه، ومعنى الحديث:
الأنصار هم البطانة والخاصة، وألصق النّاس بي من سائر للناس.
(3)
أخرجه الطبري، وزاد السيوطي عزوه فى الدر (5/ 751) لعبد بن حميد. [.....]
باعتبار المعنى، لأنه عام، وقوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ بدل من الواو في «يُنصرون» ، أي: لا يمنع من العذاب إلا مَن رحم الله، بالعفو عنه، أو بقبول الشفاعة فيه، أو: منصوب على الاستثناء المنقطع، أو: مرفوع على الابتداء، أي:
لكن مَن رحم اللَّهُ فيُغْنِي عنه إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الغالب، الذي لا يُنصر مَن أراد تعذيبه، الرَّحِيمُ لمَن أراد أن يرحمه.
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، هي على صورة شجرة الدنيا، لكنها من النار، والزقوم تمرها وهو كل طعام ثقيل.
رُوي: أنها لمّا نزلت، جمع أبو جهل عجوة وزبداً، وقال لأصحابه: تزقَّموا، فهذا هو الزقوم، وهو طعامي الذي حدّث به محمد «1» ، قصد بذلك المغالطة والتلبيس على الجهلة. أي: إن ثمر شجرة الزقوم هو طَعامُ الْأَثِيمِ أي:
الكثير الإثم، وهو الكافر لدلالة ما قبله وما بعده عليه. وقيل: نزلت في أبي جهل، ثم تعم. وكان أبو الدرداء يُقرئ رجلاً، فكان أبو الدرداء يقول: طعام الأثيم، والرجل يقول: طعام اليتيم، فكرّر عليه، فلم يفهم منه فقال:
«طعام الفاجر يا هذا «2» » . قال النسفي: وبهذا يستدل على أن إبدال الكلمة مكان الكلمة جائز، إذا كانت مؤدّية معناها، ومنه أجاز أبو حنيفة رضي الله عنه القراءة بالفارسية، بشرط أن يؤدي القارئ المعاني كلها، من غير أن يَخْرِمَ منها شيئاً «3» . انظر بقيته.
كَالْمُهْلِ، وهو دُردِّيُّ الزيت «4» ، أو: ما يمهل في النار فيذوب، من نحاس وغيره، يَغْلِي فِي الْبُطُونِ مَن قرأه بالغيب «5» رده للمهل، أو للطعام، ومَن قرأه بالتاء رده للشجرة، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ الماء الحار الذي انتهى غليانه، أي: غليان كغلي الحميم، فالكاف في محل نصب، ثم يقال للزبانية: خُذُوهُ أي:
الأثيم فَاعْتِلُوهُ أي: جُروه، فالعتل: الأخذ بمجامع الشيء والسَّوق بالعنف والقهر، يقال: عتل يعتُلِ بالضم والكسر، أي: جروه إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ وسطها ومعظمها.
(1) أخرج سعيد بن منصور عن أبى مالك قال: «أنَّ أبا جهل كان يأتى بالتمر والزبد، فيقول: تزقموا بهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد، فنزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ» انظر الدر المنثور (5/ 752) .
(2)
أخرجه الحاكم (2/ 451)«وصحّحه وأقره الذهبي» والطبري (25/ 131) وزاد السيوطي عزوه فى الدر (5/ 753) لعبد الرّزاق وعبد بن حميد وابن المنذر، عن همام بن الحارث.
(3)
قال أحمد بن المنير الإسكندرى فى الانتصاف: لا دليل فيه لذلك، وقول أبى الدرداء محمول على إيضاح المعنى، ليكون وضوح المعنى عند المتعلم عونا على أن يأتى بالقراءة كما أنزلت، وعلى هذا حمله القاضي أبو بكر فى الانتصار. (حاشية الكشاف 4/ 281) . وانظر أيضا: تفسير القرطبي 7/ 6154) .
(4)
الدردي: ما رسب أسفل الزيت ونحوه.
(5)
قرأ ابن كثير وحفص: (يغلى) بالياء على التذكير، والباقون «تغلى» بالتأنيث. انظر: الإتحاف (2/ 464) .