الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظَنًّا راجع لقوله: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وكذا قوله: وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ أي: لا يقين عندنا، وهو راجع لقوله إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ. قاله ابن عرفة. ولعل هؤلاء غير القائلين: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا. والله أعلم.
الإشارة: قل الله يُحييكم الحياةَ الفانية، ثم يُميتكم عن حظوظكم، وعن شهود وجودكم، ثم يجمعكم به إلى يوم القيامة، لا يعزلكم عن رؤيته أبداً، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن هذا يقع في الدنيا، مع أن المُلك لله يتصرف فيه كيف شاء، يُوصِّل مَن أراد، ويُبعد مَن شاء. ويوم تقوم الساعة يخسر الباطلون والمبطلون، ويفوز المجتهدون والواصلون. وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً من هيبة المتجلى باسمه القهار، وهذه القهرية- نعم- لا ينجو منها خاص ولا عام لأن الطبع البشري يثبت عند صدمات الجلال. وقوله تعالى: كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا هو أيضاً عام، فيستبشر المجتهدون، ويحزن البطالون، ولا يظلم ربك أحداً، فاليوم يوم عمل، وغداً يوم جزاء، فأهل الإيقان يفوزون بغاية النعيم والرضوان، وأهل الشك يخلدون في الخسران، فيظهر لهم مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ، كما قال:
[سورة الجاثية (45) : الآيات 33 الى 37]
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
يقول الحق جل جلاله: وَبَدا لَهُمْ أي: ظهر لهؤلاء الكفرة سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا قبائح أعمالهم على ما هي عليه من الصورة المنكرة الهائلة، وعاينوا وخامة عاقبتها، أو: جزاؤها، فإن جزاء السيئة سيئة مثلها، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي: نزل بهم جزاء استهزائهم من العقاب العظيم، وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ نترككم ترك المنسي، كَما نَسِيتُمْ في الدنيا لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أي: كما تركتم الاستعداد له، ولم تبالوا به. وإضافة اللقاء إلي اليوم إضافة المصدر إلى ظرفه، أي: لقاء الله في يومكم هذا، أو لقاء جزائه، وَمَأْواكُمُ النَّارُ أي: منزلكم، وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ لا أحد يمنعكم أو يخلصكم منها.
ذلِكُمْ العذاب بِأَنَّكُمُ بسبب أنكم اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ المنزَّلة هُزُواً مهزوّاً بها، ولم ترفعوا لها رأساً، وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وأَلْهتكم زخارفُ الدنيا، فحسبتم ألاّ حياة بعدها، فَالْيَوْمَ
لا يُخْرَجُونَ مِنْها
أي: من النار، والالتفات إلى الغيبة للإيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب، استهانة بهم. وقرأ الأَخوان بالخطاب «1» . وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي: لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم، أي: يرضوه بعمل صالح لفوات إبانه، وإن طلبوا الرجوع لم يقبل منهم.
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ خاصة، رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ، فلا يستحق الحمد أحد سواه، أي:
فاحمدوا الله الذي هو ربكم ورب كل شيء، فإن مثل هذه الربوبية العامة، توجب الحمد والثناء على كل مربوب، وتكرير الرب للتأكيد والإيذان بأن ربوبيته تعالى لكل منهما بطريق الأصالة. وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: وكبّروه، فقد ظهرت آثار كبريائه وعظمته في السموات والأرض، وإظهارهما في موضع الإضمار لتفخيم شأن الكبرياء، وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يُغلَب، الْحَكِيمُ في كل ما قضى وقدّر، فاحمدوه وكبّروه، وأطيعوه، فصاحب هذه الصفات العظام مستحق لذلك.
الإشارة: وقيل اليوم ننساكم من شهود قُربى، كما نسيتم لقاء يومكم هذا، فلو ذكرتموني على الدوام لقربتكم على الدوام، ولو ذكرتموني على الانفراد لأشهدتكم ذاتي على التماد، ولكنكم اتخذتم آيات الله الدالة على وجودي من الكائنات، والدالة على شهودي من الأولياء، هزواً، وغرتكم الحياة الدنيا، فاليوم لا يخرجون من غم الحجاب، ولا يُمنعون من انسداله، ولا هم يرضون ربهم، فيرضى عنهم، فلله الحمد على غناه عن الكل، وله الكبرياء في السمواتِ والأرضِ، أي: رداء الكبرياء منشور على أسرار ذاته في السموات والأرض، وهو ما ظهر من حسها، كما هو منشور على وجهه في جنة عدن، كما في الحديث.
وقال الورتجبي: نفى الحق الكبرياء عن الحدثان لأنه هو المستحق للكبرياء، وكبرياؤه ظاهر في كل ذرة، من العرش إلى الثرى، إذ هي كلها مستغرقة مقهورة في أنوار كبريائه، يعز بعزه الأولياء، ويقهر بقهره الأعداء، حكيم في إبداع الخلق وإلزامهم عبوديته، التي هي شرائعه المحكمة بحكمه، وقال سهل رضي الله عنه: وله الكبرياء: العلو والقدرة والعظمة، والحول والقوة في جميع الملك، فمَن اعتصم به أيّده بحَوْلِه وقوته، ومَن اعتمد على نفسه وكله الله إليها. هـ. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
(1) قرأ حمزة والكسائي: «لا تخرجون» بفتح الياء وضم الرّاء. وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الرّاء. انظر الإتحاف (2/ 468) .