الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الورتجبي: بمفازتهم: ما كان لهم في الله في أزل أزله، من محبتهم، وقبولهم بمعرفته، وحسن وصاله، ودوام شهود كماله. لا يمسهم السوء: لا يلحقهم، فلا يلحق بهم في منازل الامتحان، تفرقة عن مقام الوصلة، وحجاب عن جمال المشاهدة، انظر تمامه. وحاصله: فازوا بإدراك السعادة الأزلية. وعن جعفر الصادق: بمفازتهم:
بسعادتهم القديمة، يعني لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى «1»
…
الآية. قاله المحشي الفاسي.
ثم برهن على البعث الموعود به قبل، فقال:
[سورة الزمر (39) : الآيات 62 الى 66]
اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)
يقول الحق جل جلاله: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ: جامد أوحى، خير أو شر، إيمان أو كفر، لا بالجبر، بل بمباشرة الكاسب في عالَم الحكمة، وفيه إثبات القدرة والعلم، وهما مصححان للبعث والجزاء بالخير والشر، لمحسن أو مسيء. قال القشيري: ويدخل تحت قوله: كُلِّ شَيْءٍ كسبُ العباد، ولا يدخل كلامُه لأن المخاطِبَ لا يدخل تحت خطابه ولا صفاته. هـ. والمراد بالكلام: المعاني القديمة، وأما الألفاظ والحروف فهي مخلوقة، كما هو مقرر في محله. وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أي: حافظ يتولى التصرُّف فيه كيف يشاء.
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: مفاتح خزائنها، واحدها «مِقْليد» ، أو: إقليد «2» ، أو: لا واحد لها، وأصلها فارسية، والمراد: أنه مالكها وحافظها، وهو من باب الكناية لأن حافظ الخزائن ومدبّر أمرها هو الذي يملك مقاليدها، ومنه قولهم: فلان ألقيتْ إليه مقاليد الملك، أي: مفاتح التصرف قد سُلّمت إليه، وفيه مزيد دلالة على الاستقلال والاستبداد لأن الخزائن لا يدخلها ولا يتصرف فيها إلا مَن بيده مفاتحها.
(1) الآية 101 من سورة الأنبياء. [.....]
(2)
انظر لسان العرب (5/ 3718، مادة قلد) .
وعن عثمان: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقاليد، فقال صلى الله عليه وسلم:«هي لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، أستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هُوَ الأول والآخر، والظاهر والباطن، بيده الخير، يُحيي ويُميت وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قدير» «1» . ومعناه: أن لله هذه الكلمات، يُوحّد بها ويُمجّد، وهي مفاتحُ خير السماوات والأرض، ومَن تكلّم بها أدرك ذلك في الدنيا أو في الآخرة، ومرجعها إلى التحقق بالعبودية في الظاهر، ومعرفة الذات في الباطن، وهما السبب في كل خير، وبهما يدرك العبد التصرُّف في الوجود بأسره، فتأمله.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أي: كفروا به بعد كونه خالق كل شيء، ومتصرفاً في ملكه كيف يشاء، بيده مقاليد العالم العلوي والسفلي، فكفروا بعد هذا بآياته التكوينية، المنصوبة في الآفاق وفي الأنفس، والتنزيلية، التي من جملتها هذه الآيات الناطقة بذلك، أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ خسراناً لا خسرَ وراءه، وقيل: هو متصل بقوله:
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا، وما بينهما اعتراض.
قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ به، وكانوا يقولون له: أسلِم لبعض آلهتنا نؤمن بإلهك لفرط جهالتهم. وغير: منصوب ب «أعبد» ، وتَأْمُرُونِّي: اعتراض، أي: أتأمروني أعبد غير الله بعد هذا البيان التام؟
وحذفُ نون الوقاية وإثباتها مدغمة وغير مدغمة، كُلٌّ قُرىء به.
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ: من الأنبياء- عليهم السلام: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ، كلام وارد على طريق الفرض، لتهييج الرسل، وإقناط الكفرة، والإيذان بغاية بشاعة الإشراك وقُبحه، وكونه بحيث يُنهي عنه مَن لا يكاد يمكن أن يباشره بمَن عداه أو: الخطاب له، والمراد غيره.
وإفراد الخطاب مع كون الموحَى إليهم جماعة، باعتبار خطاب كل واحد في عصره، واللام موطئة لقسم محذوف، والثانية لام الجواب، وهو سادّ مسدّ جواب الشرط، وإطلاق الإحباط لاحتمال أن يكون من خصائصهم لأن الإشراك منهم أشد، وأن يكون مقيداً بالموت، كما صرح به في آية البقرة «2» ، وهو مذهب الشافعي، وذهب مالك إلى أن الشرك يُحبط العمل قبل الردة، مات عليها، أو رجع إلى الإسلام، فينتقض وضوؤه وصومُه. وما قاله الشافعي أظهر.
(1) أخرجه البيهقي فى الأسماء والصفات (باب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الباري ص 13) وابن السنى فى عمل اليوم والليلة (ح 72) والعقيلي فى الضعفاء (ترجمة مخلد أبى هذيل 4/ 231) من حديث ابن عمر. وعزاه المناوى فى الفتح السماوي لأبى يعلى فى مسنده. وذكره ابن الجوزي فى الموضوعات (1/ 144) وقال: «هذا حديث لا يصح» . وانظر الفتح السماوي (3/ 968- 970) مع حاشية المحقق.
(2)
في قوله تعالى:
…
وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.. الآية 217.