الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لتحققه. كَذلِكَ أي: مثل ذلك الضلال الفظيع يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ حيث لا يهتدون إلى شيء ينفعهم في الآخرة، أو: كما ضلّ عنهم آلهتهم يُضلهم الله عن آلهتهم، حتى لو تطالبوا لم يتصادفوا.
ذلِكُمْ الإضلال بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ أي: تبطرون وتتكبرون بِغَيْرِ الْحَقِّ، بل بالشرك والطغيان، وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ تفخرون وتختالون، أو: تتكبرون وتعجبون. والالتفات إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ. فيقال لهم: ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ أي: أبوابها السبعة المقسومة عليكم خالِدِينَ فِيها مقدّراً خلودكم فيها، فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ عن الحق، والمخصوص محذوف، أي: جهنّم.
الإشارة: الأولياء العارفون أهل التربية الكاملة، آية من آيات الله في كل زمان، فيقال في حق مَن يُخاصم في وجودهم، ويتنكّب عن صحبتهم: الذين يجادلون في آيات الله أنَّى يُصرفون؟ وهم الذين كذَّبوا بأسرار الكتاب، وعلوم باطنه، وبما أرسل به خلفاء الرسل، ممن يغوص على تلك الأسرار، فسوف يعلمون حين تخاطبهم أغلال الوساوس والخواطر، وسلاسل العلائق والشواغل، فيقبضهم عن النهوض إلى قضاء الشهود والعيان، وجولان الفكرة في أنوار الملكوت وأسرار الجبروت، يُسحبون في حرّ التدبير والاختيار، ثم في نار القطيعة يُسْجَرون، ثم قيل لهم إذا ماتوا: أين ما كنتم تُشركون في المحبة والميل من دون الله؟ قالوا: ضلُّوا عنا، وغاب عنهم كل ما تمتعوا به من الحظوظ والشهوات، فيقال لهم: ذلكم بما كنتم تنبسطون في الدنيا في أنواع المآكل، والمشارب، والملابس، والمناكح، وبما كنتم تفتخرون على الناس، فيخلدون في الحجاب، إلا في وقت مخصوص. وبالله التوفيق.
ثم أمر بالصبر وانتظار الفتح، فقال:
[سورة غافر (40) : الآيات 77 الى 78]
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
يقول الحق جل جلاله: فَاصْبِرْ يا محمد على أذى قومك، وانتظر ما يلاقوا مما أُعِد لهم. إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بإهلاكم وتعذيبهم حَقٌّ كائن لا محالة، فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من الهلاك، كالقتل والأسر في حياتك، أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل هلاكهم بعدك، فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ لا محالة، ف «ما» : صلة بعد «أن» ، لتأكيد الشرطية، والجواب: محذوف، أي: فإن نُرينك بعض ما نعدهم فذاك، أو نتوفينك قبل ذلك فإلينا يُرجعون يوم القيامة، فننتقم منهم أشد الانتقام.
ثم سلاّه بمَن قبله، فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ فأُوذوا وصبروا حتى جاءهم نصرنا، مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ في القرآن، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ، قيل: عدد الأنبياء- عليهم السلام مائة ألف وأربعمائة وعشرون ألفاً، والمذكور قصصهم في القرآن أفراد معدودة. قال الطيبي: والصحيح ما روينا عن أحمد بن حنبل، عن أبي ذر، قلت: يا رسول الله، كم عدد الأنبياء؟ قال:«مِائَةُ أَلْفٍ وأرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمّاً غفيراً» «1» . هـ. وقد تكلم في الحديث بالضعف والصحة والوضع، وقيل: عدتهم ثمانية آلاف، أربعة آلاف نبي من بني إسرائيل، وأربعة آلاف من سائر الناس. وعن عليّ- كرّم الله وجهه:«إن الله تعالى بَعَثَ نبيّاً أسود، فهو ممن لم تُذكر قصته في القرآن» «2» . فقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ أي: في القرآن، فلا ينافي إخباره بمطلق العدد على ما في حديث أبي ذر.
وَما كانَ أي: ما صحّ، ولما استقام لِرَسُولٍ منهم أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ مما اقترح عليه قومه، إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. فإنَّ المعجزات على تشعُّب فنونها، عطايا من الله تعالى، قسمها بينهم على حسب المشيئة، المبنية على الحِكَم البالغة، وهذا جواب اقتراح قريش على رسول الله الآيات عناداً، يعني: إنَّا قد أرسلنا كثيراً من الرسل، وما استقام لأحد منهم أن يأتي بآية إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ومشيئته، فمَن لي بأن آتي بآية مما تقترحونه إِلَاّ أن يشاء الله، ويأذن في الإتيان بها؟ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ بهلاكهم، أو: بقيام الساعة، قُضِيَ بِالْحَقِّ أي: بإنجاء المُحق وإثابته، وإهلاك المبطل وتعذيبه، وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ أي: المعاندون المقترحون للآيات، أو: المتمسكون بالباطل، فيدخل المقترحون المعاندون دخولاً أوليا.
(1) أخرجه مطولا، أحمد فى المسند (5/ 266) وابن حبان (موارد، كاب العلم، باب السؤال للفائدة ح 94) .
(2)
أخرجه الطبري (24/ 87) والطبراني فى الأوسط (ح/ 9319) ، زاد ابن حجر فى الكافي (رقم 344) عزوه لابن مردويه.