الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ذكر وبال عقوقهما، فقال:
[سورة الأحقاف (46) : الآيات 17 الى 19]
وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (19)
قلت: وَالَّذِي قالَ: مبتدأ، وخبره: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، والمراد ب «الذي قال» الجنس، ولذلك جمع الخبر.
يقول الحق جل جلاله: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ عند دعوتهما إلى الإيمان: أُفٍّ لَكُما، وهو صوت يصدر عن المرء عند تضجُّره وقَنَطِه، واللام لبيان المؤفّف، كما في «هيتَ لك» وفيه أربعون لغة، مبسوطة في محلها، أي: هذا التأفيف لكما خاصة، أو لأجلكما دون غيركما.
وعن الحسن: نزلت في الكافر العاقّ لوالديه، المكذِّب بالبعث، وقيل: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، قبل إسلامه. وأنكرت عائشة- رضي الله عنها ذلك، وقالت: والله ما نزال في آل أبي بكر شيئاً من القرآن، سوى براءتي «1» ، ويُبطل ذلك «2» قطعاً: قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، لأنَّ عبد الرحمن بن أبي بكر أسلم، وكان من فضلاء الصحابة، وحضر فتوحَ الشام، وكان له هناك غناء عظيم، وكان يسرد الصيامَ. قال السدي:
ما رأيت أعبد منه. هـ. وقال ابن عباس: نزلت في ابنٍ لأبي بكر، ولم يسمه، ويرده ما تقدّم عن عائشة، ويدل على العموم: قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، ولو أراد واحداً لقال: حق عليه القول.
ثم قال لهما: أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ أي: أُبعث وأُخرج من الأرض، وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ولم يُبعث أحد منهم، وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ، يسألانه أن يغيثه ويوفقه للإيمان، أو يقولان: الغِياث بالله منك، ومن قولك، وهو استعظام لقوله، ويقولان له: وَيْلَكَ دعاء عليه بالثبور والهلاك، والمراد به: الحث والتحريض
(1) أخرجه بنحوه البخاري فى (التفسير- سورة الأحقاف، باب وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما.. ح 4827) .
(2)
أي: القول بأن الآية نزلت فى سيدنا عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه.
على الإيمان، لا حقيقة الهلاك، آمِنْ بالله وبالبعث إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث والحساب حَقٌّ لا مرية فيه، وأضاف الوعد إليه- تعالى- تحقيقاً للحق، وتنبيهاً على خطئه، فَيَقُولُ مكذّباً لهما: ما هذا الذي تسميانه وعْد اللهِ إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، أباطيلهم التي سطروها في كتبهم، من غير أن يكون له حقيقة.
أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، وهو قوله تعالى لإبليس: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ «1» كما يبنئ عنه قوله تعالى-: فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أي: في جملة أمم قد مضت، إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ حيث ضيّعوا فطرتهم الأصلية، الجارية مجرى رؤوس أموالهم، باتباعهم الشيطان، وتقليداً بآبائهم الضالين.
وَلِكُلٍّ من الفريقين المذكورين، الأبرار والفجار، دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أي: منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر، ويقال في جانب الجنة: درجات، وفي جانب النار: دركات، فغلب هنا جانب الخير.
قال الطيبي: ولكلٍّ من الجنسين المذكورين درجاتٌ، والظاهر أن أحد الجنسين ما دلّ عليه قوله: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا «2» ، والآخر قوله: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما، ثم غلب الدرجات على الدركات، لأنه لمّا ذكر الفريق الأول، ووصفَهم بثباتٍ في القول، واستقامةٍ في الفعْل، وعقَّب ذلك بذكر فريقِ الكافرين، ووصفهم بعقوق الوالدين، وبإنكارهم البعثَ، وجعل العقوقَ أصلاً في الاعتبار، وكرر في القِسم الأول الجزاء، وهو ذكر الجنة مراراً ثلاثاً، وأفْردَ ذكر النار، وأخّره، وذكرَ ما يجمعُهما، وهو قوله: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ غلب الدرجات على الدركات لذلك، وفيه ألا شيء أعظم من التوحيد والثبات عليه، وبر الوالدين والإحسان إليهما، ولا شيء أفحش من عقوق الوالدين، وإنكار الحشر، وفي إيقاع إنكار الحشر مقابلاً لإثبات التوحيد الدلالة على أن المنكر معطل مبطل لحكمة الله في إيجاد العالم. هـ.
وَلِيُوَفِّيَهُمْ «3» أَعْمالَهُمْ، وقرأ المكي والبصري بالغيب، أي: وليوفيهم الله جزاء أعمالهم، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص ثواب الأولين، وزيادة عقاب الآخرين، واللام متعلقة بمحذوف، أي: وليوفيهم أعمالهم، ولا يظلمهم حقوقهم، فعل ما فعل من ترتيب الدرجات أو الدركات.
(1) الآية 18 من سورة الأعراف.
(2)
الآية 13 من السورة نفسها.
(3)
أثبت المفسر- رحمه الله قراءة «ولنوفيهم» بنون العظمة، وهى قراءة نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم:«وليوفيهم» بالياء. انظر: السبعة لابن مجاهد/ 598. [.....]