الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذاية، أو صدر منهم إحسان، والله أعلم بأسرار غيبه، وأما أهل التوحيد فحالهم في النار أرفق من هذا، بل حالهم فيها أروح من حال الدنيا من وجه.
قال القشيري: ولقد قال الشيوخ، إن حالَ المؤمنين في النار- من وجه- أرْوَحُ لقلوبهم من حالهم اليوم في الدنيا لأن اليوم خوف الهلاك وغداً يقين النجاة، وأنشدوا:
عَيبُ السلامة أَنَّ صاحبَها
…
مُتَوَقِّعٌ لِقَوَاصِمِ الظَّهْرِ
وفَضِيلَةُ البَلْوَى تَرَقُّبُ أهلِها
…
عُقْبَى الرَّجَاءِ ودَوْرَةُ الدَّهْرِ «1»
ثم قال في قوله تعالى: وَنادَوْا يا مالِكُ لو قالوا: يا مَلِك بدل من يا مالك لكان أقربَ إلى الإجابة، ولكنَّ الأجنبيةَ حالت بينهم وبين ذلك. هـ. أي: تعلقهم بالمخلوق دون الخالق. وقوله تعالى: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً
…
الخ، هي عادته تعالى مع خواصه كيفما كانوا، يرد كيد مَن كادهم في نحره. وقوله تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ
…
الخ، قال القشيري: إنما خوَّفهم بسماع الملائكة، وكتابتهم أعمالهم عليهم، لغفلتهم عن الله، ولو كان لهم خبر عن الله لما [خوّفهم]«2» بغير الله، ومَن عَلِمَ أن أعماله تُكتَبُ عليه، ويُطالَب بمقتضاها، قلَّ إلمامُه بما يخاف أن يسأل عنه. هـ.
ثم ردّ على مَن زعم اتخاذ الولد لله تعالى، كعيسى والملائكة، فقال:
[سورة الزخرف (43) : الآيات 81 الى 86]
قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (81) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)
وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)
(1) فى القشيري: [عقب الرّجاء مودة الدهر] .
(2)
فى القشيري [خافوهم] .
يقول الحق جل جلاله: قُلْ يا محمد إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ على زعمكم فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ لله، كان أو لم يكن، ويسمى هذا إرخاء العنان، أي: أنا أول مَن يخضع لله، كان له ولد أو لم يكن، وقد قام البرهان على نفيه. قال معناه السدي، أو: وإن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أول مَن يعظم ذلك الولد، وأسبقكم إلى طاعته، والانقياد إليه، كما يعظم ولد الملِك، لتعظيم أبيه وهذا الكلام وارد على سبيل الفرض، والمراد: نفي الولد، وذلك أنه علَّق العبادة بكينونة الولد، وهي محال فى نفسها، فكان المعلق بها محالاً مثلها، ونظيره، قول سعيد بن جبير للحجاج، - حين قال له: والله لأبدلنّك بالدنيا نار تلظى-: لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلهاً غيرك. أو: إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ في زعمكم فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ أي: الموحِّدين لله، المكذِّبين قولكم، بإضافة الولد إليه لأن مَن عَبَدَ الله، واعترف بأنه إلهه فقد دفع أن يكون له ولد. أو: إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فأنا أول العابدين، أي: الجاحدين والآنفين من أن يكون له ولد، مِن عبَدِ: بكسر الباء: إذا اشتد أنفه فهو عبَد وعابد، ومنه قول الشاعر:
متى ما يشا ذو الوُدِّ يَصْرِمْ خَليلَهُ
…
ويَعْبَدْ عليه لا محالةَ ظالما «1»
وقول الحريري:
قال ما يجب على عابد الحقّ
…
قال يحلف بالإله الخلق «2» .
أي: على جاحد الحق. وقيل: هي «إنْ» النافية، أي: ما كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أول من عبد الله ووحَّده، فيوقف على «ولد» على هذا التأويل.
رُوي: أن النضر قال: إن الملائكة بنات الله، فنزلت الآية، فقال النضر: ألا ترون أنه صدّقني فقال الوليد: ما صدّقك، ولكن قال: ما كان للرحمن ولداً، فأنا أوّل الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له «3» . وسيأتي في الإشارة قول آخر.
قال القشيري: وفي الآية وأمثالها دليل على جواز حكاية قول المبتدعة فيما أخطأوا فيه في الاعتقاد، على وجه الردّ عليهم. هـ. قلت: ولا تجوز مطالعة أقوالهم إلا لمَن رسختْ قدمه في المعرفة، والإعراض عنها أسلم.
ثم نزَّه ذاته عن اتخاذ الولد، فقال: سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ أي: تنزّه رب هذه العوالم العظام عن اتخاذ الولد لأن اتخاذ الولد من صفة الأجسام، ولو كان جسماً ما قدر على خلو هذه
(1) البيت للمرقش الأصغر. انظر المفضليات (502) وروح المعاني للألوسى (25/ 105) .
(2)
هكذا فى الأصول، وأظنه [الحق] ، ولم أقف على البيت فى غير هذا المكان.
(3)
ذكره النّسفى (3/ 283) .
الأجرام، وفي إضافة اسم الرب إلى أعظم الأجرام وأقواها، تنبيه على أنها وما فيها من المخلوقات حيث كانت تحت ملكوت ربوبيته كيف يتوهم أن يكون شيء منها جزءاً منه. وفي تكرير اسم الرب تفخيم لشأن العرش.
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا في باطلهم وَيَلْعَبُوا في [دنياهم]«1» أي: حيث لم يُذعنوا لك، ولم يرجعوا عن غيهم، أعرض عنهم واتركهم في لهوهم ولعبهم، حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ، وهو القيامة، فإنهم يومئذ يعلمون ما فعلوا، وما يفعل بهم، أو: يوم بدر، قاله عكرمة وغيره. وهذا دليل على أن ما يقولونه إنما هو خوض ولعب لا حقيقة له.
ثم ذكر انفراده بالألوهية في العالم العلوي والسفلي، فقال: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ أي:
وهو الذي هو معبود في السماء وفي الأرض، فضمَّن «إله» معنى مألوه، أي: وهو الذي يستحق ان يُعبد فيهما. وقرأ عُمر، وأُبَي، وابن مسعود:«وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله» كقوله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ «2» ، وقد مرّ تحقيقه عبارةً وإشارةً. والراجع إلى الموصول: محذوف لطول الصلة، كقولهم: ما أنا بالذي قائل لك سوءاً، والتقدير: وهو الذي هو في السماء إله، و «إله» : خبر عن مضمر، ولا يصح أن يكون «إله» مبتدأ، و «في السماء» خبره لخلو الصلة حينئذ عن العائد وَهُوَ الْحَكِيمُ في أقواله وأفعاله الْعَلِيمُ بما كان وما يكون، أو: الحكيم في إمهال العصاة، العليم بما يؤول أمرهم إليه، وهو كالدليل على ما قبله من التنزيه، وانفراده بالربوبية.
وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: تقدّس وتعاظم الذي مَلَكَ ما استقر في السموات والأرض وَما بَيْنَهُما إما على الدوام، كالهواء، أو في بعض الأوقات، كالطير، وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أي: العلم بالساعة التي فيها تقوم، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ للجزاء، والالتفات للتهديد، فيمن قرأ بالخطاب. وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ أي: لا تملك آلهتهم التي يدعونها مِنْ دُونِهِ أي: من دون الله الشَّفاعَةَ كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ الذي هو التوحيد، وَهُمْ يَعْلَمُونَ بما يشهدون به عن بصيرة وإيقان وإخلاص، وهم خواص المسلمين، والملائكة. وجمع الضميرين باعتبار معنى (مَن) كما أن الإفراد أولاً باعتبار لفظها. والاستثناء: إما متصل، والموصل عام لكل ما يُعبد من دون الله، أو: منقطع، على أنه خاص بالأصنام.
(1) فى الأصول [دينهم] والمثبت من النّسفى وأبى السعود.
(2)
من الآية 3 من سورة الأنعام.