الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال: وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى أي: يعرض عليه، ويكشف له يوم القيامة في صحيفته وميزانه، ثُمَّ يُجْزاهُ أي: يجزى العبد سعيه، يقال: جزاه اللهُ عملَه، وجزاه عليه، بحذف الجار وإيصال الفعل، ويجوز أن يكون الضمير للجزاء، ثم فسّره بقوله: الْجَزاءَ الْأَوْفى أو: أبدله منه، أي: الجزاء الأكمل بحيث يزيده ولا ينقصه.
الإشارة: أفرأيتَ الذي تولى عن طريق السلوك، بعد أن أعطى نفسه وفلْسَه، وتوجه إلى حضرة مولاه، ثم منَّته نفسُه، وغرّته أنه يصل بلا عطاء ولا مجاهدة، فقطع ذلك واشتغل بنفسه، أو غرّه أحدٌ حتى ردَّه، وضمن له الوصول، بلا ذلك، أعنده عِلمُ الغيب حتى عَلِمَ أنه يصل بلا واسطة ولا مجاهدة؟ فهو يرى عاقبة ما هو سائر إليه.
وتصدُقُ الإشارة بمن صحب شيخا، وأعطاه بعض ماله أو نفسه، ثم رجع ومال إلى غيره، فلا يأتي منه شيء، أعنده علم الغيب، وأنّ فتحه على يد ذلك الشخص، فهو يرى ما فيه صلاحه وفساده؟ وهذا إن كان شيخه أهلاً للتربية، وإلَاّ فلا. أم لم يُنبأ هذا المنقطِع بما في صُحف موسى وإبراهيم، أنه لا يتحمّل أحدٌ عن أحدٍ مجاهدة النفوس ورياضتها؟ وأن ليس للإنسان من لذة الشهود والعيان إلا ما سعى فيه بالمجاهدة، وبذل النفس والفلس، وأنَّ سعيه سوف يرى؟ أي: يَظهر أثره من الأخلاق الحسنة، والرزانة والطمأنينة، وبهجة المحبين، وسيما العارفين.
وقسَّم القشيري السعي على أربعة أقسام الأول: السعي في تزكية النفس وتطهيرها، ونتيجته: النهوض للعمل الصالح، الذي يستوجب صاحبه نعيمَ الجنان. الثاني: السعي في تصفية القلب من صَداء ظلمات البشرية، وغطاء عورات الطبيعية، ونتيجته: صحته من الأمراض القلبية، كحب الدنيا والرئاسة والحسد، وغير ذلك، ليتهيأ لدخول الواردات الإلهية. الثالث: السعي في تزكية الروح، بمنعها من طلب الحظوظ الروحانية، كطلب الكرامات، والوقوف مع المقامات، وحلاوة المعاملات، لتتهيأ بذلك للاستشراف على مقام المشاهدات، وحمل أعباء أسرار الذات. الرابع: السعي في تزكية السر بتحليته بالصفات الإلهية، والأخلاق الربانية، ليتحقق بمقام الفناء والبقاء، وهو منتهى السعي وكماله. هـ. بالمعنى.
وإلى هذا الانتهاء أشار تعالى بقوله:
[سورة النجم (53) : الآيات 42 الى 62]
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (46)
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عادا الْأُولى (50) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (51)
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (53) فَغَشَّاها ما غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (55) هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (56)
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (61)
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
يقول الحق جل جلاله في بقية ذكر ما في الصُحف الأُولى: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى أي: الانتهاء، أي: ينتهي إليه الخلق ويرجعون، إليه كقوله: وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ «1» أو: ينتهي علم العلماء إليه ثم يقفون، لقوله صلى الله عليه وسلم:
«لا فكرة في الرب» «2» أي: كُنه الذات، وسيأتي في الإشارة. وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى أي: خلق الضحك والبكاء، أو: خلق الفرح والحزن، أو: أضحك المؤمنين في الأخرة، وأبكى الكافرين، أو: أضحك المؤمنين في العُقبى بالمواهب وأبكاهم في الدنيا بالنوائب، وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا أي: أمات الآباء وأحيا الأبناء، أو: أمات بالكفر وأحيا بالإيمان.
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى، مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى: إذ تدفق وتُدفع في الرحم. يقال: منى وأمنى، وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى الإحياء بعد الموت، وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى أي: صيّر الفقير غنيّاً وَأَقْنى أي:
أَعطى القِنْيَة، وهو المال الذي تأثّلته «3» ، وعزمت ألَاّ تُخرجه من يدك. وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى، وهو كوكب يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر، وكانت خزاعة تعبدها. سنّ لهم ذلك «ابن أبي كبشة» رجل من أشرافهم، قال:
لأن النجوم تقطع السماء عرضاً، والشعرى طولاً، ويقال لها: شعرى العبور. انظر الثعلبي. وكانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة، تشبيهاً له صلى الله عليه وسلم به، لمخالفته إياهم في دينهم، فأخبر تعالى أنه ربّ معبودهم، فهو أحق بالعبادة وحده.
(1) من الآية 48 من سورة الحج.
(2)
أخرجه البغوي فى التفسير (7/ 417) وزاده السيوطي عزوه فى الدر (6/ 170) للدارقطنى فى الأفراد، عن أبى بن كعب.
وهذا مثل ما رُوِي عن ابن عباس مرفوعا: «تفكروا فى الخلق ولا تتفكروا فى الخالق، فإنكم لن تقدروا» عزاه السيوطي فى الدر (6/ 170) لأبى الشيخ فى العظمة. وانظر: كشف الخفاء 8/ 371، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى 4/ 397.
(3)
المتأثل: الجامع. والتأثل اتخاذ أصل مال، وكلّ شىء له أصل قديم، أو جمع حتى يصير له أصل، فهو مؤثّل.
انظر اللسان (أثل 1/ 28) .
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عادا الْأُولى، وهم قوم هود، وعاد الأخرى: عاد إرم، وقيل: معنى الأولى [العدمي]«1» لأنهم أولى الأمم هلاكاً بعد قوم نوح، وقال الطبري وغيره: سميت «أُولى» لأن ثُمَّ عاداً آخرة، وهي قبيلة كانت بمكة مع العماليق، وهم بنوا لُقَيم بن هَزّال. والله أعلم. هـ «2» . قلت: والتحقيق: أن عاداً الأولى هي عاد إرم، وهي قبيلة هود التي هلكت بالريح، ثم بقيت منهم بقايا، فكثروا وعمّروا بعدهم، فقيل لهم عاد الأخيرة، وانظر أبا السعود في سورة الفجر. «3» وهاهنا قراءات، وجَّهناها في كتاب الدرر «4» .
وَثَمُودَ «5» أي: وأهلك ثموداً، وهم قوم صالح، فَما أَبْقى أحدا منهم، وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ وأهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى مِن عاد وثمود لأنهم كانوا يضربونه حتى لا يكون به حِراك، وينفرون منه حتى كانوا يُحذّرون صبيانهم أن يسمعوا منه، وَالْمُؤْتَفِكَةَ أي: والقرى التي ائتفكت، أي: انقلبت بأهلها، وهم قوم لوط. يقال: أَفَكه فائتفك، أي: قَلَبَه فانقلب، (والمؤتفكة) منصوب ب أَهْوى أي: رفعها إلى السماء على جناح جبريل، ثم أهواها إلى الأرض، أي: أسقطها، فَغَشَّاها ألبسها من فنون العذاب ما غَشَّى، وفيه تهويل لما صبَّ عليها من العذاب، وأمطر عليها من الصخر المنضود.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ أيها المخاطب تَتَمارى أي: تتشكك؟، أي: فبأي نِعَمٍ من نعم مولاك تحجد ولا تشكر؟ فكم أولاك من النِعم، ودفع عنك من النِقم، وتسمية الأمور المتعددة قبلُ نِعماً مع أن بعضها نقم لأنها أيضاً نِعَم من حيث إنها نصرة الأنبياء والمرسَلين، وعظة وعبرة للمعتبرين. هذا نَذِيرٌ أي: محمد مُنذِّر مِنَ النُّذُرِ الْأُولى من المنذِّرين الأولين، وقال:«الأُولى» على تأويل الجماعة، أو: هذا القرآن نذير من النذر الأولى، أي: إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي إنذِر بها من قبلكم.
(1) فى تفسير أبى السعود [القدماء] .
(2)
العبارة بالمعنى، ونصها كما فى تفسير الطبري (27/ 78) :«وإنما مثل لعاد بن إرم: عاد الأولى، لأن بنى لقيم بن هزال بن هزيل بن عبيل بن ضد بن عاد الأكبر، كانوا أيام أرسل الله تعالى على عاد الأكبر عذابه، سكانا بمكة مع إخوانهم من العمالقة» .
(3)
عند تفسير الآية السادسة من سورة الفجر، وانظر تفسير أبى السعود 9/ 154.
(4)
للشيخ ابن عجيبة- رحمه الله تعالى- مؤلف فى القراءات، سماه «الدرر المتناثرة فى توجيه القراءات المتواترة» وهو كما يقول ابن عجيبة فى الفهرسة: تأليف يشتمل على آداب القراءة والتعريف بالشيوخ العشرة، ورواتهم، وتوجيه قراءة كلّ واحد منهم، وفيه عشرون كراسة. انظر الفهرسة/ 38.
(5)
أثبت المفسر قراءة «ثمودا» بالتنوين، وقرأ عاصم وحمزة ويعقوب بغير تنوين. والباقون بالتنوين. انظر الإتحاف (2/ 503) .
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ أي: قربت الساعة الموصوفة بالقرب فى قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ «1» ، وفي ذكرها بعد إنذارهم إشعار بأنَّ تعذيبهم مؤخر إلى يوم القيامة، لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ أي: ليس لها نَفْس مبيّنة وقت قيامها إلاّ الله تعالى، وهذا كقوله: لَاّ يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ «2» أو: ليس لها نفس قادرة على كشف أهوالها إذا وقعت إلا الله تعالى، فيكشفها عمن شاء، ويُعذِّب بها مَن شاء.
ولمَّا استهزؤوا بالقرآن، الناطق بأهوال القيامة، نزل قوله تعالى: أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ إنكاراً، وَتَضْحَكُونَ استهزاءً، وَلا تَبْكُونَ خشوعاً، وَأَنْتُمْ سامِدُونَ غافلون، أو: لاهون لاعبون، وكانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء ليشغلوا الناس عن استماعه، فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ولا تعبدوا معه غيره، من اللات والعزى ومناة الشعرى، وغيرها من الأصنام، أي: اعبدوا رب الأرباب، وسارعوا له، رجاء في رحمته. والفاء لترتيب الأمر بالسجود على بطلان مقابلة القرآن بالإنكار والاستهزاء، ووجوب تلقيه بالإيمان والخضوع والخشوع، أي: إذا كان الأمر كذلك فاسجدوا لله الذي أنزله واعبدوه.
الإشارة: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى، انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله: العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوّن، فتسقط شفعية الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل:
وبروْح وراح
…
عاد شفعي وترى
وقال آخر: فلم يبق إلا الله لم يبق كائن
…
فما ثم موصول ولا ثم بائن
بذا جاء برهان العيان، فما أرى
…
بعيني إلا عينه إذ أعاين
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.
ثم قال تعالى: (وأنه هو أضحك وأبكى) أي: قبض وبسط، أو: أنه أضحك أرواحاً بكشف الحجاب، وأبكى نفوساً بذُل الحجاب، أو: أضحك إذا تجلى بصفة الجمال، وأبكى إذا تجلّى بصفة الجلال، وأنه هو أمات قلوباً بالجهل والغفلة، بمقتضى اسمه القهّار، وأحيا قلوباً بالعلم والمعرفة، بمقتضى اسمه الغفّار، أو: أمات نفوساً عن شهواتها الفانية، وأحيا بسبب ذلك أرواحاً بكمال المعرفة، فاتصفت بالأوصاف الربانية، أو: أمات أرواحاً بغلبة ظلمة النّفس واستيلائها عليها، وأحيا نفوساً باستيلاء الأرواح عليها، وغلبة نورها، فحييت وانقلبت روحاً. وأنه خلق الزوجين، أي: الصنفين الذكر والأنثى، الحس والمعنى، الحقيقية والشريعة، القدرة والحكمة، كما تقدم. وقال القشيري: الروح
(1) الآية الأولى من سورة القمر.
(2)
من الآية 187 من سورة الأعراف.
كأنها ذَكَر موصوفة بصفة الفاعلية، والنفْس أنثى موصوفة بصفة القابلية، لتحصل نتيجة القلب، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. هـ. مختصراً. وقال بعضهم: والشيطان كالذَكَر، والنفس كالأنثى، يتولّد بينهما المعصية. هـ.
وأن عليه النشأة الأخرى، وهو بعث الأرواح من موت الغفلة، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة، ثم إدخالها جنة المعارف، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبداً، أو: النشأة الأخرى: الجذب بعد السلوك، والفناء بعد البقاء، ثم البقاء بعد الفناء، البقاء الأول بوجود النفس، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته، وأفنَى بأن مكَّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله، وأنه هو رَبُّ الشِّعرى، وهو كل ما عُبد من الهوى والدنيا، فكيف يعبد المربوب اللئيم، ويترك الرب الكريم؟! وأنه أهلك عاداً الأولى النفوس المتفرعنة، والأهوية المُغوية، أرسل عليهم ريحَ الهداية القوية، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها، وثمودَ الخواطر، فما أبقى منها إلا خواطر الخير، التي تأمر بالخير، وقوم نوح من القواطع الأربعة النفس، والشيطان، والناس، والدنيا، فطعنهم عن المتوجه من قبلُ، أي: من قبل أن يتوجه إلينا، لِما سبق في علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق، والنفس المؤتفكة، أي:
المنقلبة عن التوجُّه، أهوى بها في أسفل سافلين، باعتبار أهل عليين، فغشَّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم، ما غشَّى.
فإذا سَلِمتَ أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق، وتوجهتَ إلى مولاك، فبأي آلاء ربك تتمارى؟ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنهار. هذا الذي أخذ بيدك نذيرٌ من النُذُر الأولى، المتقدمين الداعين إلى الله في كل زمان، أزفت الآزفة، أي: قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق، ووجدتَ مَن يُدخلك بحرَ الحقائق، ليس لها من دون الله كاشفة، لا يشكف لك هذه الحقائق إلا الذي منَّ عليك بصحبة مَن يدلك عليه. قال القشيري: أزفت الآزفة: قَرُبَت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو، وأنت أيها السالك في عينها، وما لك بها شعور، لفنائك في أوصافك النفسانية «1» . هـ. مختصراً. أفمن هذا الحديث العجيب، والغزل الرقيق الغريب، تعجبون، إنكاراً، وتضحكون استهزاءً؟ قلت: وقد رأيت كثيراً ممن يُنكر الإشارة، ويستهزئ بها، ويتنكّب مطالعتها، وقد قيل:
مَن كَرِهَ شيئاً عاداه. ولا تبكون على أنفسكم، حيث حُرمتْ من هذه المواهب، وأنتم سامدون غافلون لاهون، للدنيا طالبون، فاسجدوا لله واعبدوا، وتضرّعوا إليه، حتى يُخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
(1) لم أقف على هذا النّص أو على معناه فى لطائف الإشارات.