الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة محمّد
«1»
مدنية. وهى ثمان وثلاثون آية، ومناسبتها لما قبلها: قوله: (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون)، فإنهم الكفرة الذين أشار إليهم بقوله:
[سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 3]
بسم الله الرحمن الرحيم
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3)
قلت: (الذين) : مبتدأ، و (أضل) : خبر، و (من ربهم) : حال من ضمير الحق، وجملة (وهو
…
) الخ: اعتراضية بين المبتدأ والخبر، و (ذلك) : مبتدأ، و (بأنَّ) : خبر.
يقول الحق جل جلاله: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي: أعرضوا وامتنعوا عن الدخول في الإسلام، أو صدُّوا غيرهم عنه. قال الجوهري: صدّ عنه، يَصِدّ، صُدُوداً: أعْرَض، وصدَّهُ عن الأمر صَدّاً: مَنَعَه، وصَرَفه عنه. هـ. وهم المطعمون يوم بدر «2» ، أو: أهل الكتاب، كانوا يصدون مَن أراد الدخول في الإسلام، منهم ومن غيرهم، أو عام في كل مَن كفر وصدّ. فهؤلاء أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ أي: أحبطها وأبطلها، أي: جعلها ضالة ضائعة، ليس لها مَن يتقبلها ويُثيب عليها، كضالة الإبل. وليس المعنى أنه أبطلها بُعد إن لم تكن كذلك، بل بمعنى:
أنه حكم ببطلانها وضياعها، فإنَّ ما كانوا يعملونه من أعمال البر، كصِلة الأرحام، وقِرى الضيف، وفك الأسارى، وغيرها من المكارم، ليس لها أثر من أصلها لعدم الإيمان، أو: أبطل ما عملوا من الكيد برسول الله صلى الله عليه وسلم، والصد عن سبيله، بنصر رسوله، وإظهار دينه على الدين كله، وهو الأوفق بقوله: فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ «3» .
(1) فى الأصول: «سورة محمد أو القتال» .
(2)
قاله ابن عباس رضي الله عنه فيما ذكره القرطبي فى تفسيره (7/ 6230) . «وهم اثنا عشر رجلا، وذكر القرطبي أسماءهم.
(3)
الآية 8 من نفس السورة.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قيل: هم ناس من قريش، وقيل: من الأنصار، وقيل: مَن آمن مِن أهل الكتاب، والمختار أنه عام، وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن، وخُصّ بالذكر من بين ما يجب الإيمان به تنويهاً بشأنه، وتنبيهاً على سُمو مكانه من بين ما يجب الإيمان به، وأنه الأصل في الكل ولذلك أكّده بقوله: وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ أي: القرآن، لكونه ناسخاً لغيره من الكتب، وقيل: دين محمد- صلى الله عليه وسلم إذ لا يرد عليه النسخ، وهو ناسخ لسائر الأديان، كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أي: ستر بالإيمان والعمل الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم عنها بالتوبة وَأَصْلَحَ بالَهُمْ أي: حالهم وشانهم، بالتوفيق لأمور الدين، وبالتسليط على الدنيا، بما أعطاهم الله من النصرة والعزة والتمكين في البلاد.
ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ أي: ذلك الأمر، وهو إضلال أعمال أهل الكفر، وتكفير سيئات أهل الإيمان، وإصلاح شأنهم كائن بسبب اتباع هؤلاء الباطلَ وهو الشيطان، حيث فعلوا ما فعلوا من الكفر والصد، واتباع هؤلاء الحق، وهو القرآن، أو ما جاء به صلى الله عليه وسلم، أو يراد بالباطل: الزائل الذاهب من الدّين الفاسد، وبالحق: الدين الثابت، أو يراد بالباطل: نفس الكفر والصد، وبالحق: نفس الإيمان والأعمال الصالحة.
كَذلِكَ أي: مثل الضرب البديع يَضْرِبُ اللَّهُ أي: يُبين لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ أي: أحوال الفريقين، وأوصافهما، الجارية في الغرابة مجرى الأمثال، وهو اتباع الأولين الباطلَ، وخيبتهم وخسرانهم، واتباع الآخرين الحقَّ، وفوزهم وفلاحهم، والضمير راجع إلى الناس، أو إلى المذكورين من الفريقين، على معنى: أنه يضربُ أمثالهم لأجل الناس ليعتبروا بهم، وقد جعل اتباع الباطل مثلاً لعمل الكافرين، واتباع الحق مثلاً لعمل المؤمنين، أو جعل الإضلال مثلاً لخيبة الكفار، وتكفير السيئات مثلاً لفوز الأبرار.
الإشارة: الذين كفروا بوجود الخصوصية، وصدُّوا الناسَ عنها أبطل سيرهم إليه، فكلما ساروا رجعوا، والذين آمنوا الإيمان الكامل واتبعوا السنّة النبوية، ستر مساوئهم، وأصلح شأنهم، حتى صلحوا لحضرته. قال القشيري:
الذين كفروا: امتنعوا، وصدُّوا: مَنَعوا «1» ، فلا متناعهم عن الله استوجبوا العقوبة، ولمنعهم الخلق عن الله استوجبوا الحَجْبَةَ. ثم قال في قوله: وَأَصْلَحَ بالَهُمْ: فالكفر للأعمال مُحْبطٌ، والإيمان للخلود مُسْقِط، ويقال: الذين اشتغلوا بطاعة الله، ولم يعملوا شيئاً مما خالف اللهَ- فلا محالة- يقوم الله بكفاية أشغالهم. هـ.
(1) فى القشيري: وصدوا فمنعوا.