الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأنيث المضاف إليه، هو الشائع المستفيض، والتأنيث قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات، نحو: حمار وحمارة غريب، وهي في «أيّ» أغرب لإبهامه.
الإشارة: ما أعظم قدرك أيها الإنسان إن اتقيت الله، وعرفت نعمه، فقد سلّطك على ما في الكون بأسره، الحيوانات تخدمك وتنتفع بها، أكْلاً، وركوباً، وملبساً، وحملاً، والبحر يحملك، والأرض تُقلك، والسماء تُظلك، وما قنع لك بالدنيا حتى ادخر لك الآخرة، التي هي دار الدوام، فإن شكرت هذه النعم فأنت أعز ما في الوجود، وإن كفرتها فأنت أهون ما في الوجود. وبالله التوفيق.
ولا تعرف حقائق النّعم إلا بالتفكر، ولذلك أمر به إثر ذكرها، فقال:
[سورة غافر (40) : الآيات 82 الى 85]
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85)
يقول الحق جل جلاله: أَفَلَمْ يَسِيرُوا أي: أقعدوا فلم يسيروا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم المهْلَكة، كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ عدداً وَأَشَدَّ قُوَّةً فى الأبدان والأموال، وَأشد آثاراً فِي الْأَرْضِ أي: تركوا آثاراً كثيرة بعدهم، من الأبنية، والقبور، والمصانع، فكانوا أشدّ منهم، وقيل: هي آثار أقدامهم في الأرض لِعظم أجرامهم، فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ أي: لم يغن عنهم ذلك شيئاً حين نزل بهم العذاب، أو: أيُّ شيء أغنى عنهم مكسوبهم أو كسبهم؟ على أنَّ «ما» استفهام.
فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الواضحة، فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ يريد علمهم بأمور الدنيا، ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ «1» ،
(1) الآية 7 من سورة الروم.
فلما جاءتهم الرسل بعلوم الديانة، والتأهُّب ليوم القيامة، وهي أبعد شيء من علمهم لبعثِها على رفض الدنيا، والتباعد عن تتبع ملاذها، لم يلتفتوا إليها، وصغّروها، واستهزؤوا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفؤاد من علمهم، ففرحوا به. أو: علم التنجيم والفلسفة، والدهريّين فإنهم كانوا إذا سمعوا بالوحي دفعوه، وصغّروا علم الأنبياء إلى علمهم، واعتقدوا عندهم علماً يستغنون به عن علم الأنبياء- عليهم السلام ولما سمع بقراط بموسى عليه السلام قيل له: لو هاجرت إليه! فقال: نحن قوم مهذَّبون، فلا حاجة إلى مَن يُهذّبنا.
ورأى بعضُ الصالحين النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن ابن سيرين، فقال له:«إِنه أراد أن يصل إلى الله بلا واسطة، فانقطع عن الله» وعلى فرض وقوفهم بالتجريد والرياضة على انكشاف حضرة القدس، فلا يظفرون بالعبودية، ولا بالفناء في توحيد الربوبية، والتخلُّص من لَوَث وجودهم، والشأن أن تكون عين الاسم، لا أن تعرف الاسم والعين، إنما تقتبس من مشكاة مهبط الوحي، وانصباب أنوار الغيب إنما تفيض بواسطة درة الوجود، نبينا صلى الله عليه وسلم، ومظهر سر العيان الأحدي الأحمدي، فافهم. قاله شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمن الفاسي.
قال تعالى: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي: نزل بهم عقوبة استخفافهم بالحق، وتعظيمهم واغتباطهم بالباطل. فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا شدة عذابنا، ومنه: بِعَذابٍ بَئِيسٍ «1» ، قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ يعنون الأصنام.
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا أي: فلم يستقم، ولم يصح أن ينفعهم إيمانهم عند مجيء العذاب لأن النافع هو الإيمان الاختياري، لا الاضطراري، سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ أي: سنَّ اللهُ ذلك سُنَّة ماضية في عباده، ألَاّ يُقبل الإيمان إلا قبل نزول العذاب. وهو من المصادر المؤكدة، نحو: وعد الله، ونحوه.
وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ أي: وقت رؤيتهم البأس. فهنالك: مكان استعير للزمان، والكافرون خاسرون في كل أوان، ولكن يتبيّن خسرانهم إذا عاينوا العذاب.
وفائدة ترادف الفاءات في هذه الآيات: أن فَما أَغْنى عَنْهُمْ نتيجة قوله: كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وفَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ كالبيان والتفسير لقوله: فَما أَغْنى عَنْهُمْ، كقولك: رُزِق زيد المال، فمَنَع المعروف، فلم يحسن إلى الفقراء. وفَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا تابع لقوله: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ، كأنه قال: فكفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا. وكذلك: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ [تابع لإيمانهم]«2» لمّا رأوا بأس الله، والله تعالى أعلم.
(1) من الآية 165 من سورة الأعراف.
(2)
ما بين المعقوفتين ليس فى الأصول، وأثبته من تفسير النّسفى.
الإشارة: قد تقدّم مراراً الحث على عبادة التفكُّر. وقوله تعالى: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ
…
الآية، كذلك مَن يَظهر بعلم التجريد، ويتكلم في أسرار التوحيد، سَخِرَ منه أهل زمانه، ويقنعون بما عندهم من علم الرسوم الظاهرة، وهو علم لا يُغني ولا يُفني لأن جله يتعلق بمنافع الناس، لا بمنافع القلب، فلا يُغني القلب، ولا يُفني الحِس، إنما ينفع لطالب الأجور، لا لطالب الحضور ورفع الستور، وما مثال مَن ظفر بعلم القلوب- وهو أسرار التوحيد الخاص- إلا كمَن عنده كنز من الفلوس، ثم ظفر بالذهب الإبريز، او الإكسير، فكيف يمكن أن يلتفت إلى الفلوس مَن ظفر بالإكسير؟! ولا يظهر هذا لأهل الظاهر إلا بعد موتهم، فيؤمنوا به حيث لا ينفعهم.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.