الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْحَقِّ ناطقاً به، أو: أنزلناه مُحِقين في إنزاله. فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ، إنما ينفع به نفسه وَمَنْ ضَلَّ:
بأن أعرض عنه، أو عن العمل به. فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لأن وبال إضلاله مقصور عليها. وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ حتى تجبرهم على الهدى، وما وظيفتك إلا التبليغ، وقد بلغت أيّ بلاغ.
الإشارة: مَن ذَكَّر قوماً فأعرضوا عنه، ولم يرفعوا له رأساً، يقول لهم: يا قوم اعملوا على مكانتكم.. الخ، وأيّ عذاب أشد من الحجاب، والبُعد عن حضرة الحبيب؟.
ثم ذكر دلائل البعث الذي يحل فيه العذاب على أهل الإعراض، فقال:
[سورة الزمر (39) : آية 42]
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
يقول الحق جل جلاله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ أي: الأرواح حِينَ مَوْتِها فيقبضها إليه قبضا، وَيتوفى الأنفس الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فيقبضها ويترك شعاعها في البدن، فالتي قضى عليها الموت يتوفاها ظاهراً وباطناً، والتي لم يقضِ موتها يتوفاها ظاهراً فقط عند النوم، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ، لا يردها إلى البدن، وَيُرْسِلُ الْأُخْرى أي: النائمة إلى بدنها عند التيقُّظ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: هو الوقت المضروب لموتها، فشبَّه النائمين بالموتى، حيث لا يميزون ولا يتصرفون، كما أن الموتى كذلك.
قال الإمام «1» : النفس الإنسانية عبارة عن جوهر مشرق روحاني، إذا تعلّق بالبدن حصل ضوؤه في جميع الأعضاء، وهي الحياة، ثم إنه في وقت النوم ينقطع تعلقه عن ظاهر البدن، دون باطنه، وفي وقت الموت ينقطع تعلقه عن ظاهر البدن وباطنه، فالموت والنوم من جنس واحد بهذا الاعتبار، لكن الموت انقطاع كامل، والنوم انقطاع ناقص، فظهر أن القادر الحكيم دبَّر [تعلُّق جوهر]«2» النفس بالبدن على ثلاثة أوجه، أحدها: أنه دبَّر أمرها، بحيث يقع ضوء [الروح]«3» على جميع أجزاء البدن، ظاهره وباطنه، وذلك هو اليقظة.
(1) هو الإمام الرّازى، وانظر كلامه فى مفاتيح الغيب (13/ 448) . والنّقل بتصرف.
(2)
زيارة ليست فى الأصول الخطية. وأثبتها من تفسير الفخر الرّازى.
(3)
فى تفسير الرّازى: النفس.
وثانيها: بحيث يقطع عن الظاهر والباطن، وهو الموت. وثالثها: بحيث يقطع عن ظاهر البدن دون الباطن، وهو النوم، فثبت أن النوم والموت يشتركان في كل واحد منهما بتوفي النفس، ثم يمتاز أحدهما بخواص معينة.
ومثل هذا التقدير العجيب لا يمكن صدوره إلا عن القادر العليم الحكيم. هـ.
وقال سهل: إن الله إذا توفى الأنفس أخرج الروح النوري من لطيف نفس الطبيعي الكثيفي، فالذي يتوفى في النوم من لطيف نفس الطبع، لا لطيف نفس الروح. فالنائم يتنفس تنفُّساً لطيفاً، وهو نَفَس الروح، الذي إذا زال لم يكن للعبد حركة، وكان ميتاً. وقال: حياة النفس الطبيعي بنور لطيف، وحياة لطيف نفس الروح بذكر الله. وقال أيضاً: الروح تقوم بلطيفة في ذاتها بغير نفس الطبع، ألا ترى أن الله تعالى خاطب الكل في الذر بنفس، وروح، وفهم، وعقل، وعلم لطيف، بلا حضور طبع كثيف. هـ. قلت: وبهذا الاعتبار يقع لها العذاب في البرزخ أو النعيم، وتذهب وتجيء في عالم البرزخ.
وقال في القصد: النفس مع الروح كالجسد مع الظل، والظل يميل، والأصل لا يميل، والروح سره، والسر بربه، وهو شعاع الحقيقة الصغرى، والسر نور السر الأعلى، وكل هذا مخلوق بقدرة الله موثوق، فلا يستفزك غير هذا فتشقى، وفي جهنم من نور البُعد تلقى. هـ. قلت: السر الأعلى هو معاني أسرار الذات القائمة بالأشياء، وهو قديم غير مخلوق.
وذكر الثعلبي عن ابن عباس أنه قال: في ابن آدم نفس وروح، بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفسُ هي التي بها العقل والتمييز، والروح التي بها التحرُّك والنَّفَس فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه. هـ. هذا، وفي الصحيح: إن الله قبض أرواحنا حيث شاء، وردها حيث شاء. فأطلق القبض على الأرواح. والصواب: أن النفس والروح في هذا واحد بدليل قوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ والحاصل: أن الموت: توفِّ كامل، بإخراج الروح مع شعاعها من البدن، فتذهب الحياة، والنوم: توفٍّ ناقص، بإخراج الروح مع بقاء شعاعها في البدن، به الحياة والتنفُّس.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أيضاً أنه قال: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام، ويتعارف ما شاء الله منها، فإذا أراد الله رجوعها إلى الأجسام، يُمسك الله عنده أرواح الأموات، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها، فذلك قوله عز وجل: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ.. الآية «1» .
(1) انظر تفسير النّسفى (2/ 183) .