الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن بعض ما يشاؤون يقع قبل دخول الجنة، من تكفير السيئات، والأمن من الفزع الأكبر، وسائر أهوال القيامة.
ذلِكَ الذي ذكر من حصول كل ما يشاءونه جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ أي: الذين أحسنوا أعمالهم في الدنيا.
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا، اللام متعلق بقوله: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ لأنه في معنى الوعد، كأنه قيل: وعد الله لهم جميع ما يشاءونه من دفع المضار وحصول المسار ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد أسوأ الذي عملوا، أي: أقبحه وأعظمه، وأولى أصغره. وقيل: يتعلق بمحذوف، أي: يسر لهم الصدق والتصديق ليكفر.. إلخ.
وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ فإذا كان في عملهم حسن وأحسنُ منه، جزاهم بجزاء الأحسن على الجميع، تكرُّماً منه وإحساناً.
والحاصل: أنه سبحانه لكرمه يكفر السيّء والأسوأ بالأحروية، ويجزي على الحسن بجزاء الأحسن منه والأرجح، كمَن أهدى لملك هديتين صغيرة وكبيرة فكافأه على الصغيرة بقدر ما كافأه على الكبيرة. قال القشيري: وأحسن أعمال المؤمن: الإيمان والمعرفة، فيكون على أحسن الأعمال أحسن الثواب، وهو الرؤية. هـ.
وإظهار اسم الجليل في موضع الإضمار، لإبراز كمال الاعتناء بمضمون الكلام، والجمع بين الماضي والمستقبل في صلة الموصول الثاني- أي: الذي كانوا يعملون- دون الأول للإيذان باستمرارهم على الأعمال الصالحة، بخلاف السيئة.
الإشارة: كل مَن ادعى حالاً مع الله، وليست متحققة فيه، فقد كذب على الله، وكل من أنكر على أولياء زمانه فقد كذّب بالصدق إذ جاءه. وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ، وهو مَن أُذن له في التذكير أو التربية. وَصَدَّقَ بِهِ، وهو مَن سمع وتبع، أولئك هم المتقون، دون غيرهم، لهم ما يتمنون عند ربهم في الدنيا والآخرة، ذلك جزاء أهل مقام الإحسان، الذين يعبدونه على العيان، يُغطي وصفهم بوصفه، ونعتهم بنعته، فيوصلهم بما منه إليهم، لا بما منهم إليه، ثم يكفيهم جميع الشرور، كما قال تعالى:
[سورة الزمر (39) : الآيات 36 الى 37]
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37)
يقول الحق جل جلاله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ أي: نبيه صلى الله عليه وسلم. نزلت تقوية لقلبه- عليه السلام، وإزالة للخوف الذي كان الكفار يخوفونه، أو: جنس العبد، فيشمل الأنبياء كلهم والمؤمنين، وينتظم فيه النبي صلى الله عليه وسلم انتظاماً أولياً، ويُؤيده قراءة الأخويْن «1» بالجمع. وهو إنكار ونفي لعدم كفايته تعالى على أبلغ وجه وآكده، كأنَّ الكفاية بلغت من الظهور ما لا يقدر أحد على أن يتفوّه بعدهما، أو يتلعثم في الجواب بوجودها، وإذا علم العبدُ أن الحق تعالى قائم بكفايته، سكن قلبه واطمأن، وأسقط الأحمال والكُلَف عن ظهره، فلا جرم أن الله يكفيه ما أهمّه، ويؤمّنه مما يخافه، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:
وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ أي: الأوثان التي اتخذوها آلهة دونه تعالى، وهي جوامد، لا تضر ولا تنفع، وهذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما قالت قريش: إنا نخاف أن تخبُلك آلهتنا، وتُصيبك معرَّتها لعيبك إياها. وفي رواية:
قالوا: لتكفنّ عن آلهتنا، أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون «2» ، كما قال قوم هود: إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ «3» . وجملة: «ويخوفونك» : استئناف، أو: حال. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ حتى غفل عن كفايته وعصمته صلى الله عليه وسلم، أو: اعتقد أن الأصنام تضر وتنفع فَما لَهُ مِنْ هادٍ يهديه إلى ما يرشده.
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ إلى توحيده وطاعته فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ يصرفه عن رشده، أو يصيبه سوء يخل بسلوكه إذ لا راد لفعله، ولا معارض لقضائه، كما ينطق به قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ: غالب لا يغالَب، منيع لا يمانَع ولا ينازَع، ذِي انْتِقامٍ من أعدائه لأوليائه، بإعزاز أوليائه وإذلال أعدائه. وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتحقيق مضمون الكلام، وتربية المهابة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: إذا علِم العبدُ أن الله كاف جميع عباده، وثق بضمانه، فاستراح من تعبه، وأزال الهموم والأكدار عن قلبه، فيدخل جنة الرضا والتسليم، ويهب عليه من روح الوصال وريحان الجمال نسيم، فيكتفي بالله، ويقنع بعلم الله، ويثق بضمانه.
قال في لطائف المنن: مبنى الوليّ على الاكتفاء بالله، والقناعة بعلمه، والاغتناء بشهوده. قال تعالى:
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وقال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «4» . هـ. وقال الشيخ
(1) قرأ حمزة والكسائي: (عباده) بألف، على الجمع. وقرأ الباقون:(عبده) بغير ألف. انظر الإتحاف (2/ 429) .
(2)
ذكر هذه الرّواية السيوطي فى الدر (5/ 615- 616) وعزاها لعبد الرّزاق وابن المنذر عن قتادة. وانظر تفسير البغوي (7/ 120) .
(3)
من الآية 54 من سورة هود.
(4)
من الآية 53 من سورة فصلت.